هاتفني زميلي وصديقي الأستاذ عبدالمحسن، واستغربت من صوته الذي هو على غير العادة، فقلت له خيراً إن شاء الله.. فقال: أبا علي يطلبك الحل.. فاسترجعت إلى الله، وقلت:{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وتذكرت قول الله سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}. نعم كل نفس ذائقة الموت، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، ولا شك أنه مهما بلغ الإنسان من عمر مديد، ومال وفير، وصحة ونشاط، يجوب بها أقطار المعمورة فلابد له من الانتقال من دار الفناء، إلى دار البقاء مخلفاً وراءه كل ملذات الحياة من رغد في العيش، والاستئناس بالأهل، والأولاد، والأصحاب، وهذه سنة الله في خلقه. أبا علي.. كان زميلاً عزيزاً وأخاً فاضلاً، يتصف بالأخلاق الحسنة، يحب المزاح البريء الذي يتبعه بالفكاهة المرحة، لا يضمر في نفسه الحقد والحسد لأي شخص كان، يتجنب الكلام في أعراض الغير، تلقاه دائماً بشوشاً تعلو البسمة محياه لكل من عرفه ومن لم يعرفه يقدر الكبير ويحترم الصغير، لقد رحل من هذه الدنيا بعد مرض ألزمه الفراش وعانى منه ما عانى من التعب والإرهاق وهو صابر محتسباً الأجر من الله. فليس لأي مخلوق يعيش على وجه هذه البسيطة إلا وسيأتي يومه الموعود، وأجله المحدود، الذي لا يتقدم عنه ولا يتأخر، تأكيداً للأمر الإلهي بقوله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. إنني وعبر هذه الأسطر وبواسطة جريدتنا المفضلة (الجزيرة) أشاطر الأخ علي وإخوانه والدكتورة مشاعل، وكافة أسرة الفقيد الحزن والأسى على ما قدره الله وقضاه برحيل والدكم وزميلي، مرزوق بن محمد الشبلي، فالمصيبة عظيمة والخطب جلل، ولكن ما الحيلة والأمر إليه سبحانه من قبل ومن بعد، فعظم الله أجر الجميع، وأحسن العزاء وجبر المصيبة، وأستشهد بقول الشاعر: إني أعزيكم لأني على ثقة من الحياة ولكن سنة الدين فلا المعزي بباق بعد تعزيته ولا المعزى ولو عاشا إلى حين وقيل أيضاً: هو الدهر قد جربته وعرفته فصبرا على مكروهه وتجلدا وما الناس إلا سابق ثم لاحق وآبق موت سوف يلحقه غدا ودعاؤنا إلى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه بمنه فسيح جنته، ويلهم الجميع الصبر والسلوان.