نحن في هذه الحياة تسير بنا الأيام مرحلة مرحلة كالمسافر، فكل خطوة يخطوها تقربه من نهاية سفره ونحن لاهون سامدون فإذا المنية أنشبت أظفارها استيقظ الإنسان من رقدته وندم ولات ساعة مندم وفي هذه الحالة لا يستطيع المرء أن يرتب أموره ويستعد لسفره الطويل إلا من وفقه الله وجعل الآخرة نصب عينيه فيما يفعل ويذر. الحياة موت والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري بالأمس رحل عنا صديق صدوق وزميل عزيز على قلوبنا إنه المربي الفاضل سليمان بن عبدالعزيز الرشودي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، كان رحمه الله وهو على فراش المرض يسأل عن أحوال القريب والصديق فلم يشغله مرضه عن اهتمامه بالآخرين، كانت البشاشة والسماحة لا تفارق محياه دمثاً في أخلاقه متواضعاً في تعامله، نقي السيرة محمود السريرة قليل الكلام إلا فيما ينفع، معرضاً عن أعراض الناس، كافاً عن مثالبهم، بل كان يذب عن أعراضهم ويمقت الغيبة، يسعى جاهداً في الخير وفي سبيل الإصلاح، رباني المنهج فلم تؤثر مستجدات العصر على منهجه ونمط حياته، يكره التزلف والتملق ولا يحب الأضواء والظهور، كان محبوباً من الجميع ولا أدل على ذلك من الجموع الغفيرة التي صلّت عليه وشيعته، وتلكم والله هي من صفات المؤمن الحق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكتافاً الذين يألفون ويؤلفون). لازمناه وزاملناه طيلة عشرين عاماً عن قرب فلا تجد منه ما يخدش سمعك بكلمة نابية، بل يشنف آذانك بحلاوة القول وطلاوته وطول التجارب والخبرة، حافظاً لوقته ومجلسه من الثرثرة وأحاديث المجالس الغثة، كان يأنس بقراءة في كتاب مفيد يناقش فيه ويحاور حوار المتعطش لكل جديد في المعرفة خصوصاً ما يدور حول الثقافة الإسلامية، كان يتألم لما يرى ويسمع بما يدور في ساحة عالمنا الإسلامي من أحداث مؤلمة، كان بقلبه وقالبه مع هذه الأحداث المفجعة لكنه كان متفائلاً دائماً في انتصار هذا الدين على أعدائه. كان رحمه الله جوهرة عقدنا في اجتماعنا الأسبوعي وكان لا يتخلف عنه إلا لعذر قاهر، وكان يتحامل على نفسه حتى في مرضه رحمه الله على أن يحضر معنا حرصاً منه على الاجتماع بإخوانه إلى أن أقعده المرض على فراشه، أرجو من الله العلي القدير أن يكون ما أصابه تكفيراً لسيئاته ورفعة في درجاته، ولا شك أننا فقدنا أخاً كريماً قلّ أن تجود الأيام بمثله. يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، نحتسبه عند الله وهو حسيبه، غفر الله له وأنزله منازل الصديقين والأبرار وخلفه الله في عقبه وأصلح ذريته وحسبنا الله ونعم الوكيل.