عزيزتي الجزيرة ضمت مساحتك المتواضعة مئات الكتاب الذين سبروا أغوار قضايا عدة بعضها استوفت حقها من النقاش والبعض الآخر عرج عليها الإخوة بعرضها كطرح ليس إلا.. الأمر الذي جعلني أقف على إحدى هذه القضايا إذا جاز لنا التعبير واستحقت منها هذه التسمية.. فقد ذكرت في مقالة سابقة أن المرأة اليوم قد تكون هي العائل الوحيد في البيت.. وقد تكون المعاون الوحيد الذي يستند عليه الأب أو الزوج للعيش بحياة هانئة بعيد عن ثقل الديون.. وأن ما يدعو للعجب أنه كما اقتنع الرجال بالبطالة يجب أن نقتنع نحن النساء نغمض عيوننا من المستقبل والأجيال القادمة ولا نتساءل ماذا بعد؟! وهو السؤال الذي اختفت إجابته تحت أكوام الملفات العلائقية لملايين الخريجات والخريجين الباحثين عن عمل.. والصمت الذي يكتنف الوزارات.. تساؤلات عديدة تراودنا لم تخلق لها إجابة تحت وطأة هذه المعاناة التي لا يشعر بحرقتها إلا من اكتظ بيته بالبنين والبنات العاطلين عن العمل.. وجميع الأبواب أمامهم موصدة.. ولا خيار ثانياً يغني عن الوظيفة يفرون إليه.. لا أعلم إلى أي مدى سيظل سيناريو المحدودية في القبول بالكليات والوظائف الشاغرة على هذا الحال.. ولا جديد في هذه المسألة العقيمة فلا أعتقد أن لدي ما هو أجمل من هذا المسمى لتحظى به.. ما أثار دهشتي أن الأيام تمضي وكل شيء قابل للتجديد.. إلا محدودية الوظائف التي تشغلها المرأة على وجه التحديد، فهو أمر غير قابل للتجديد.. لا أريد أن يؤول البعض حديثي إلى معنى لا أريده، فالمجالات واسعة وتستحق الدراسة في حدود الشرع وما يتناسب مع طبيعة المرأة أيضاً.. فلو أمعنا النظر فعلاً بالمشاغل النسائية - كأهم موقع ترتاده النساء بشكل مثير للجدل - والتي تكتظ بها مدن المملكة فلا يكاد يخلو حي من عدد لا يستهان به منها.. من يدير هذه المشاغل؟.. (المالك امرأة سعودية والعاملات لا تسأل!) فحتماً ستذهل من العدد الضخم الذي يضمه كل مشغل من جنسيات مختلفة عربية وأخرى أجنبية.. أين السعوديات وما هو نصيبهن من السعودة التي استأثر بها الرجال فقط.. أما إذا كانت الخبرة هي الشماعة التي نعلق عليها قصورنا.. فأين معاهد التأهيل والتدريب التي تضم العناية بالمرأة والتجميل والماكياج وتصميم الأزياء والخياطة النسائية وكذلك دورات لتصميم الديكور وإدارة ودورات في الصحافة والرسم لتضيف لهن الخبرة المطلوبة في كل المجالات التي تشترطها والتي لا أعلم من أين لنا بها وبلادنا تفتقدها جملة وتفصيلاً، وإذا كانت موجودة فهي لا زالت تحت طي الكتمان، على أن تكون هذه المعاهد برسوم رمزية حتى لا تنتفي الفائدة المرجوة.. وما يدعوني للتساؤل أيضاً في هذا الشأن أن المعاهد الأهلية تفتقد هي الأخرى لهذه الأقسام على الرغم من كونها هي ما تخدم المرأة حقيقة والإقبال عليها سيكون بالفعل رائعاً ومبشراً بالخير. فكثير من الفتيات اليوم يبحثن عن مثل هذه الأقسام بعد أن أدركن جميعاً أن الأقسام التي تفوقن بها من كلياتنا وحصلن على وثائق التخرج منها قد رفضها سوق العمل بعنف فهي لا تخدمه بشيء.. وإذا درست الجدوى الاقتصادية وراء إنشاء مثل هذه المعاهد في كل المناطق فحتماً ستكون رائعة.. فالعاملات في المشاغل النسائية ومصممات الأزياء والديكور يصادرن وزناً ثقيلاً من اقتصادنا بآلاف الريالات يومياً إلى خارج أرض الوطن ونحن نربت على جبين فتيات الوطن لينعمن بسبات عميق! حدثتني الكثيرات من بنات جنسي واللاتي يرزحن تحت قسوة الفراغ بعد التخرج عن فوضوية الحياة التي يعشنها ورتابتها والروتين القاتل الذي يمارسنه كل يوم.. فلا سبيل أمامهن يستطعن أن يسلكنه سوى الانتظار بصمت.. عسى أن يكون القادم أفضل؟! كنت أحاول جاهدة أن انقل معاناتهن على صفحات صحيفة عملاقة كالجزيرة وكنت أجزم بأن أجد بصيص أمل يفتح في قلوبنا باباً للتفاؤل ولكنني أشعر بثمة يأس يعتريني بعد أن أصبح رقم هذا المقال الرابع في قضايانا نحن الفتيات والتي بعثت بها للصحف ورأيتها مضيئة على صفحات الجزيرة لكنه لا تجاوب من قبل المسئولين البتة؟! كل ما تناشد به فتيات الوطن هو ما يخدم المرأة في حياتها اليومية ويكسبها الخبرة ويضيف لها المردود المادي الذي يحقق لها التوازن الذي يسعى إليه كل إنسان على وجه هذه البسيطة.. فنحن هنا نعاني من عدم إمكانية تطوير مهاراتنا وقدراتنا، فبعد إنهاء المرحلة الجامعية يجب أن نتوقف في ذات المكان ولا نطور من إمكانياتنا..! فإذا كانت إحدانا موهوبة بالرسم على سبيل المثال وهو خلاف القسم الذي تخرجت منه فلا معاهد ولا مؤسسات تستطيع أن تنضم إليها وتخدم موهبتها بحيث تصبح عضواً فاعلاً في مجتمعها.. فحتماً لن تستطيع صقل هذه الموهبة بنفسها دون أن تتعلم أساسيات المهنة من مناهلها الخاصة.. وكذلك إذا كانت قد حبيت بقلم وبيان ناطق وكانت مبدعة في هذا المجال فلن تجد الدورات التي تعينها بعد الله على أن تهذب كلمتها وتعلمها مسؤولية قلمها لتجعله أداة فاعلة في سبيل النهوض بثقافة وطنها.. فالمتابع لصحفنا اليوم يرى التنافس المحموم بين معاهد الحاسب الآلي وعلومه لكني أتساءل هنا.. ما هو نصيب السعودة في هذا المجال أيضاً كمثال آخر.. لا أعلم لماذا لا يثير جدل عموم النساء إلا القليلين بينما يقف الكثيرون منها موقف المحايد رغم أن الأب أو الأخ أو الزوج وأقلامهم لا يشق لها غبار في مجال الكتابة وينظر إلى آرائهم بعين الرعاية والاهتمام.. وفي الختام نتمنى أن لا ننتظر كثيراً.. وأن نسمع من المسؤولين البشارة.. فطموحنا يستصرخ الأمل عله يغرد ثانية في حياتنا التي عبث بجمالها الانتظار.. نوال ضيف الله النقى