«إيلون ماسك» يشارك تغريدة قائد فريق النصر    «فائق وشريفة»: رفع علم المملكة حلم لكل رياضي    24 مليون مشاهدة تجسد تأثير كريستيانو رونالدو    جون دوران يدخل تاريخ النصر    ورشة التوعية برؤية واستراتيجية وزارة الموارد البشرية بالمدينة    الهلال يُحافظ على سالم الدوسري    على كأس خادم الحرمين الشريفين سباقات القدرة والتحمل العالمي في العُلا    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    ترودو يدعو إلى أخذ تهديد ترامب بضم كندا على «محمل الجد»    "الأونروا" تؤكد تعرض سكان غزة لعملية تهجير ممنهجة    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    جوجل تضيف علامات مائية خفية للصور للكشف عن التعديلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي    فعالية "حكاية شتاء" تجمع أكثر من 14,000 زائر في قاعة مكة الكبرى    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    ثنائية توني تمنح الأهلي الفوز على الفتح    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    إنجاز أكثر من 80% من مشروع الطريق الدائري الأوسط في الطائف    بدء تسجيل رغبات الحج للمواطنين والمقيمين لموسم هذا العام.. إلكترونياً    الفيفا: الإنفاق في الميركاتو الشتوي قياسي        فريق الوعي الصحي بجازان يشارك بمبادرة "سمعناكم" لذوي الإعاقة السمعية    ضبط شخص في جازان لتهريبه (60) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    «سلمان للإغاثة» يوزع 492 سلة غذائية في منطقة بإقليم خيبر بختون خوا في باكستان    مصرع شخصين في تحطم طائرة صغيرة في «البرازيل»    «تعليم الرياض» يحصد 39 جائزة في «إبداع 2025»    تتويج السعودي آل جميان بلقب فارس المنكوس    درجات الحرارة الصفرية تؤدي لتجمد المياه في الأماكن المفتوحة بتبوك    وزير الصناعة يختتم زيارة رسمية إلى الهند    أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    اتصالات «مصرية - عربية» لتوحيد المواقف بشأن مخطط التهجير    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    "احمِ قلبك" تنطلق لتعزيز الوعي الصحي والتكفل بعلاج المرضى غير المقتدرين    نددت بالعقوبات الأمريكية.. «الجنائية الدولية» تتعهد بمواصلة إحقاق العدالة    خطبة المسجد النبوي: من رام في الدنيا حياةً خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    السجن 45 ألف عام لمحتال «بنك المزرعة»    مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات.. الحلم تحول إلى واقع    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    ملامح الزمن في ريشة زيدان: رحلة فنية عبر الماضي والحاضر والمستقبل    «الشورى» يوافق على 5 مذكرات تفاهم مع دول شقيقة وصديقة    «حصوة وكرة غولف» في بطنك !    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    ما العلاقة بين لقاحات كورونا وصحة القلب ؟    أضرار الأشعة فوق البنفسجية من النافذة    الأردن: إخلاء 68 شخصاً حاصرهم الغبار في «معان»    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    دور وزارة الثقافة في وطن اقرأ    كيف كنا وكيف أصبحنا    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله الماجد
من الدنمارك إلى العالم الفتنة النائمة مَنْ أيقظها؟
نشر في الجزيرة يوم 24 - 02 - 2006

(المسلمون لا يطلبون الاعتذار، لا من حكومة الدنمارك ولا من الصحيفة وصاحب الرسوم الآثمة، ولا من الاتحاد الأوروبي وبرلمانه، لأن إيمانهم باللّه، يؤكد لهم في اطمئنان أن اللّه قد نزه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من كل إثم، وأن اللّه قد تكفل بقبوله قبولاً وصل إلى أن اختاره رسولاً ونبياً لأمة الإسلام وخاتماً للرسالات. لكن الذي حدث يتعلق بهذه الأمة التي رعاها ووهب لها أن تنحاز إلى الحق والدعوة الإلهية، حينما آمنت برسالة اللّه وتوحيده وشهادة (أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه)، مع أن التشريف والتكليف الإلهي أن اللّه سبحانه وتعالى أرسله إلى العالمين كافة، فعلى هذه الأمة واجب ديني ووطني، بأن تعتبر ما حدث، ما هو إلا بداية لوقوفها مجتمعة في الدفاع عن حقوقها، وعن كيانها ودينها، وأن تستثمر هذا الإجماع في الذود عن سمعة رسولها ونبيها، وأن لا تركن بعد الآن إلى الذل والهوان).
يعود أول اتصال ثقافي للدنمارك بالجزيرة العربية - التي هي موئل الرسالة الإسلامية - إلى القرن الثامن عشر، حينما قامت أول بعثة علمية استخباراتية برحلة إلى الجزيرة العربية، تم تجهيزها بأمر ملك الدنمارك فريدريك الخامس في سنة 1761م.
وقد كان قوام هذه البعثة ستة أشخاص، منهم الدنماركي والسويدي والألماني، ووصلت البعثة إلى مرفأ (القنفذة) سنة 1662م قادمة من جدة عبر ميناء السويس في رحلة الانطلاق.
وقد قضى أعضاء هذه البعثة فيما بعد حتفهم نتيجة لعدم تحملهم قسوة الظروف المناخية وإصابتهم بالإجهاد، ولم يبق منهم إلا شخص واحد، قدّر له أن يكون صاحب الفضل في تعريف الأوروبيين فيما بعد بأحوال بلاد العرب، ولم يكن ذلك الشخص إلا الدنماركي (كارستن نيبور) المهندس المكلف بتدوين المعلومات الجغرافية أثناء الرحلة. لقد وضع (نيبور) اسمه على رأس قائمة مستكشفي الجزيرة العربية.
فقد نُشرت رحلته إلى بلاد العرب سنة 1772م لأول مرة بالألمانية والفرنسية، بعد ذلك بعام أعيد نشر الرحلة في طبعة كاملة بالفرنسية سنة 1779م، وباللغة الإنجليزية سنة 1792م.
وقد بلغ من شأن هذه الرحلة أن عدها (نابليون) مثلاً تحتذي به الجمعية العلمية الفرنسية، في تشكيل فريق علمي يصحبه أثناء حملته على مصر. وظلت الدنمارك حتى مطالع القرن الماضي مشاركًا في الاتصال الثقافي والتسابق نحو اكتشاف المنطقة، عبر محاور المصالح الإقليمية، حين قام شاب دنماركي في الثالثة والعشرين من عمره، يدعى (باركلي راونكيير) برحلة استخباراتية لصالح الأتراك والألمان، تحت غطاء علمي من الجمعية الجغرافية الدنماركية، في سنة 1912م، انطلق من استانبول التركية إلى البصرة ثم إلى الكويت ومنها إلى أواسط نجد، وكانت الرياض الهدف الرئيس لبعثته، كما كانت هي الهدف الأساسي لرحلة بالجريف الإنجليزي قبله بنصف قرن.
لقد مولت الجمعية الجغرافية الملكية الدنماركية نشر تقرير رحلة راونكيير سنة 1913م.
الذي كان يقوم برحلته تلك تحت أعين عملاء بريطانيا، وتلقى دعماً من الكابتن شكسبير المقيم البريطاني في الكويت، يُسهل إكمال مهمته، فيما كانت أعينهم تترصده.
وقاموا بنشر تقرير رحلته بعد ذلك بثلاث سنوات في سنة 1916م، حيث قام المكتب العربي بالقاهرة للحكومة الإنجليزية، بترجمة التقرير وإصداره في طبعة محدودة (مئة نسخة) للاستخدام الرسمي.
لقد عد المحللون لأعمال الرحالة الغربيين (نيبور) مثالاً للقدوة التي قدمها أول مستكشف قُدّر له أن يكون من الدنمارك لبلاد العرب، جعلته من أهم الرحالة الذين قدموا قدوة لمن جاء بعدهم.
تقول الباحثة المدققة (جاكلين بيربن): (لم يكن ما سجله نيبور في كتاب عن رحلته وحده هو الذي يصلح لأن يتخذ قدوة، فعلى صعيد العلاقات مع العرب، وعلى صعيد الاستقصاء العلمي، كان (نيبور) قد عرف كيف يتخذ موقفاً، ويحدد منهج عمل.. لا يزالان خليقين حتى الآن بأن يكونا قدوة ومثلاً).
لقد تجنب نيبور الدنماركي، عن اقتناع الإساءة إلى العرب وديانتهم، لكن سلفه (راو نكيير) تَعمّد التعريض بالعرب ووصفهم بأوصاف لا تخلو من غرض عنصري وسياسي. وما من شك في أن صحيفة (يولاندز بوستن) الدنماركية المغمورة التي أججت نار الفتنة، بتحديها لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، حينما أقدمت في خطوة مخطط لها بنشر صور (كاريكاتورية) اتخذت من رسول الإسلام ونبي هذه الأمة المسلمة عنواناً لمادتها، تُصور أشرف الخلق وأخيرهم على أنه إمام الإرهابيين وزعيمهم، كانت تتوقع ردود الفعل، مُتذرعة بسلاح حرية التعبير. مع أن هذه الصحيفة رفضت في أبريل من عام 2003م، نشر صور للنبي عيسى بن مريم عليهما السلام، وعدتها مرشحة لإثارة موجة من الاستياء العام، وأن قراءها لن يسعدوا بها.
والسؤال المباشر الذي يطرح نفسه تلقائياً: ماذا يمكن أن يكون خلف الزج بالدنمارك وجارتها النرويج في قضية مشبوهة؟ ذلك أن البلدين ومعهما فنلندا والسويد، يشكلون ما يشبه الاتحاد الإسكندنافي الذي تميز بالهدوء والحياد في علاقاته الدولية، مما أكسب هذا المجتمع تقدماً علمياً يفوق ما حوله، جسّده لخدمة مواطنيه وبلاده، وعرف كمجتمع منتج يعمل كالآلة تماماً بشكل منظم ومنتظم. ولسنوات قريبة تعرفنا في المشرق العربي على هذه الدول الإسكندنافية الصامتة من خلال منتجاتها المتنوعة التي كان أبرزها المنتجات الغذائية، وتخصصها في بناء صناعة تكاملية لمنتجات الألبان والعصائر والأجبان عبر خطوط إنتاج متكاملة بآلاتها وميكنتها.
ولدى أبناء هذه الدول اعتزاز بارز بذاتهم وبقوميتهم وسط مجتمع أوروبي يدعي لنفسه التفوق العلمي والثقافي.. لمست ذلك أثناء زياراتي الميدانية للسويد والدنمارك ولقائي بأبناء البلدين الآخرين.
السويدي يفخر بمنتجاته في مجال الأخشاب وصناعتها وبإنتاجه لواحدة من أهم الماركات في دنيا السيارات وصناعة الأسلحة الخفيفة المتقدمة. أما الفنلنديون وهم متميزون في مجال العلوم الفيزيائية والكيميائية فيفخرون بأنهم قدموا للعالم أشهر هاتف نقال، الآن يُعرفك الفنلندي على نفسه بأنه من البلد الذي أنتج (نوكيا).
أما الدنمارك، فهي إلى جانب هولندا وإسبانيا وجنوب فرنسا، تعد مزرعة أوروبا العالمية التي تصدر منتجاتها الغذائية وميكنة منتجاتها إلى العالم مع جارتها المباشرة السويد في إنتاج آلات الإنتاج الغذائي. الدنمارك والسويد يسيطران على أكثر من ثلث إنتاج المواد الغذائية وتجهيزاتها الإنتاجية.
هل كان الاتحاد الأوروبي وبالاً على هذه الدول الصامتة المنتجة؟ أم أن (العولمة الأمريكية) هي التي جعلت الفلاح الدنماركي (أفندياً) ينافس دول أوروبا الأخرى في كأس الأمم الأوروبية، ويصوت على تغيير عملته وانضمامه إلى الاتحاد الأوروبي ويتردد حتى الآن في التصويت على الدستور الأوروبي. في حين سارعت الدنمارك ودون تصويت من شعبها على إرسال قوات رمزية من قواتها إلى العراق، لمنح الاحتلال الأمريكي صفة الشرعية الدولية.
فهل كسّر الإسكندنافيون جدار عزلتهم الإيجابية، فأفضى بهم هذا النزوع إلى المساهمة في تشييد (الفوضى البناءة) في المشرق العربي والبلاد الإسلامية التي تتبناه بحدب الإدارة الأمريكية الحالية.
هل يمكن أن يكون رئيس تحرير صحيفة (يولاندز) غير مدرك لردود الفعل العربي والإسلامي، في مواجهة ما اقترفته صحيفته بحق نبي هذه الأمة وأسوتها الحسنة؟ أم أن ردود الفعل متوقعة، بل ومطلوبة لإشاعة الفوضى البناءة في بلدان العالم الإسلامي؟
تعود مرجعية الكره العنصري الغربي للإسلام كدين وللمسلمين كبشر إلى سنوات طويلة، ليست الحروب الصليبية إلا أبرز محطاته. وأبشع صوره التي سجلها أوروبيون، تلك التي رافقت سقوط (غرناطة) عام 1492م ليسدل الستار على فترة من أهم عصور الحضارة العربية والإسلامية التي حكمت جزءاً مهماً من أوروبا - حيث تقع إسبانيا الآن - عُرفت قبل ذلك في أدبيات التاريخ العربي ببلاد الأندلس.
لقد وصف (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب) ألواناً من الوحشية التي كان يساق إليها العرب المسلمون بعد سقوط دولتهم، صاحبت إخراجهم من بلدان الأندلس، لقد كانوا يساقون إلى حتفهم عن طريق إكراههم على النزوح إلى خارج بلدانهم، وأثناء رحلة الإكراه هذه، كانوا يبادون، ويذكر (لوبون) في كتابه (حضارة العرب) ص 271 أن الحكومة الإسبانية التي تولت حكم البلاد بعد العرب وبعد سقوط آخر معاقلهم غرناطة، أمرت في سنة 1610م بإجلاء العرب عن إسبانيا، فقتل أكثر مهاجري العرب في الطريق، بناء على توصية أحد الرهبان واسمه (بِليدَا) ويُقدّر (لوبون) أن ثلاثة أرباع هؤلاء المهاجرين قتلوا أثناء هجرتهم، وأن هذا الراهب قد أشرف على خطة أفضت إلى قتل مئة ألف مهاجر من قافلة واحدة كانت مؤلفة من مئة وأربعين ألف مهاجر مسلم حينما كانت متجهة إلى إفريقية.
وإذا كان العرب، بعد تلك السنوات، قد طووا تلك الصفحات من الكره العنصري، والغدر الذي تأباه أصول دينهم، وتعاليمه السمحاء، فلا تزال هناك في الغرب أصوات متعصبة، تصف الإسلام بالعدوانية والإرهاب، والصدام.
إن هذه الفتنة كلما نامت وجدت من يوقظها ويؤجج سعيرها، فها هي مقالات ومحاضرات أمثال (هنتنجتون) منذ 1993م، و(برنارد لويس) و(فؤاد عجمي) وهؤلاء كما هو معروف أكاديميون ينشرون في مجلات وصحف مؤثرة، ويلقون محاضراتهم في أهم الجامعات الأمريكية التي تعتنق مبادئ الدعوة إلى إثارة النعرات العنصرية بين الأديان والأعراق البشرية، تجسيداً لتحقيق مبادئ سياسية، دون النظر إلى المنظومة التعاقدية للبشرية، والتبصر في أن خالقها في الأساس إله واحد وأنها أمة واحدة، فجاء أمثال هؤلاء ومن سبقهم ليفسدوا بين الأمم. فقد دأب (صموئيل هنتنجتون) على ترديد مقولة إن الإسلام عدو للغرب وبديل عن الشيوعية.
وفي حين يطرح منظور صِدَام الحضارات مبشراً أن الحضارات الإنسانية سوف تتصادم عسكرياً، فإن الإسلام من وجهة نظره سيكون زعيماً للإرهاب الدولي. وها هو (ناتان شارانسكي) اليهودي الروسي الذي انحاز إلى إسرائيل، وتولى منصباً وزارياً في حكومة (شارون) في كتابه بعنوان: (قضية الديموقراطية) يعتنق نفس آراء (هنتنجتون)، فيرى أن الإسلام حركة إرهابية، وأنه لا يهدد أمن إسرائيل فقط بل يهدد العالم الغربي بأجمعه.
وقد أثنى الرئيس (بوش) حسب مقابلة له مع (واشنطن تايمز) على هذا الكتاب وقال: إنه يمثل توافقاً وراثياً في أفكاره مع سياسات حكومته!! ويبدو أن (شارانسكي) هذا قد اقتفى طريق سلفه (بريجنسكي) الذي انحاز إلى أمريكا، منظراً لمنظومات تقوم بها هذه الإمبراطورية الأمريكية، لفرض هيمنتها على العالم، وسط هذه الفوضى والتنافر فيما بين مجموعاتها العرقية والدينية، حتى في الديانة الواحدة، وعدوا أن تغذية هذه الفوضى بمثابة خلق (فوضى إيجابية) تخدم مصالحها نحو السيطرة على بلدان (المدى الحيوي) لمصالحهم.
أما (برنارد لويس) فهو أستاذ التاريخ المعاصر السابق في جامعة كيبمريدج في بريطانيا، والأستاذ حالياً في (جامعة برنستون) في أمريكا، وقد سلك خطوات أسلافه من الانجلو ساكسون، وفياً لأرومته اليهودية، فهاجر إلى أمريكا، وقد قابلت (برنارد لويس) مرتين، الأولى في جامعة كمبريدج أثناء انعقاد مؤتمر تاريخ الشرق الأوسط عام 1975م، والثانية في القاهرة في نفس المؤتمر بجامعة عين شمس عام 1977م وقد وجدته إنساناً مُتعصباً يُضمر كرهاً للعرب وللإسلام. وقد ثار بينه وبين بعض الأكاديميين العرب وبخاصة الفلسطينيون، وأذكر منهم الأستاذ الدكتور عبد الفتاح أبو علية جدل على إثره انسحب هؤلاء من القاعة التي كان يلقي فيها محاضرته.
وقد تصدى للتعليق على محاضرته أستاذنا الراحل محمد حسين زيدان رحمه اللّه، فقد بدا أن (برنارد لويس) منذ وقت مبكر يحمل في إهاب أفكاره وعقله عداء للعرب والإسلام.
فهو يرى الآن أن مصطلح العالم العربي قد اندثر ومات ككتلة سياسية، وأن البديل هو مصطلح (الشرق الأوسط) الذي تندمج فيه كيانات المنطقة وبالذات إسرائيل على وجه الخصوص، ثم هو يرى أن الشعوب العربية والإسلامية نقيض للديمقراطية، في حين يرى أن هناك بقعة واحدة هي بمثابة بستان الديمقراطية، هي ولا غيرها (إسرائيل)، وسوف نجد أن أصداء هذا الزعم تتردد بوضوح في إسرائيل، فها هو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (موشيه يعلون) يعلق مبتهجاً على أحداث سنة 2003 بعد غزو العراق بما يلي: (لم يعد هناك عالم عربي. لم نعد نتكلم عن عالم عربي. لا يوجد شيء اسمه تحالف عربي. هناك لاعبون لكل منهم مصلحته الخاصة. والجميع يعرف أن في عالمنا الأحادي القطب كل من يريد أن يُعتبر جزءاً من القرية الكبيرة عليه أن يكون مرتبطًا بالولايات المتحدة، وليس له أي حلف آخر).
من الملاحظ أن الاستشراق الأمريكي، كان على الدوام مناوئاً لمبادئ الإسلام، عادّاً أن العرب ومن اعتنق الإسلام أمة يتم وصفها بالثعابين والأفاعي والجرذان، وما إلى ذلك من الأوصاف المنحطة، فضلاً عن وصف نبينا ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بأبشع الأوصاف المتدنية، وبأنه دعي، وإنه إذا كان نبياً بالفعل فإن اللّه قد أرسله عقاباً للكنائس التي ضلت طريق العبادة، كل هذه الافتراءات وردت في كتاب يُعد نشره كشفاً عن وثيقة مهمة في عالم الاستشراق الأمريكي، كان يتم التعتيم عليه ولم تسمح مكتبة الكونجرس الأمريكي بالحصول على نسخة مصورة عنه، ذلك الكتاب هو (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين) الذي ألّفه الراعي الكنائسي (جورج بوش، 1790- 1859) الجد الأكبر للأسرة الحاكمة في أمريكا الآن، وقد ألّفه سنة 1830م. وتولت دار المريخ للنشر ترجمته ونشر النص الأصلي مقروناً بالترجمة العربية والتعليق على ما بها من افتراءات.
هذه المعطيات هي جزء من مرجعية الفهم الغربي للعرب وللإسلام، المترصد دوماً لهذه الأمة، عن وعي تام بكل مقومات هذه الأمة الدينية والجغرافيا السياسية والسكانية، والموقع المهم المؤثر، وأهم من كل ذلك أن تلك المقومات شامخة بارزة مقدساتها في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تجمع المسلمين على مدار العام في وحدة مستمرة لا ينقطع لها إزار. ثم إن اللّه قد حبا هذه الأمكنة من العالمين العربي والإسلامي بثروات طبيعية، لا تستقيم حياة هذا الغرب المناوئ إلا بها. فهي بمثابة مواردهم، كما كانت العرب في بواديها تبحث على الدوام عن موارد الماء لسقياها ولسقيا إبلها وماشيتها. وكانت تنشأ تحالفات وحروب بهدف السيطرة على هذه الموارد. وكانت هذه القبائل على الدوام تنتقل في وهاد الأرض بحثاً عن موارد الماء، والنماء. فكانت تتحرك دائماً ومعها حدودها، حيث تجد الحياة.
فهل كُتب علينا أن نعيش هذه الحالة، حتى نرى عدواً مستبداً يبحث عن حدوده في عمق بلادنا؟
ما حدث من تطاول على نبي هذه الأمة المرسل إلى العالمين كافة، لا يقلل أو يلغي تلك الصفات المنزهة التي اتصف بها، واصطفاه بها اللّه سبحانه وتعالى خالق هذه الأمة والمتدبر في شؤونها.
ولعل ما حدث هو برهان على حقيقة معجزاته وبرهان على استمرارها في هذه الأمة. فقد وحدت هذه الافتراءات هذه الأمة من جديد، وبعثت في جسدها المنهك الحياة مرة أخرى، وكان ذلك إعلاناً على أن هذه الأمة حية باقية تصد عن دينها وعن حياتها وبقائها كل عدوان وهذا الذي حدث هو بمثابة اختبار لهذه الأمة، يجب استثماره في أن تقف صفاً واحداً في مواجهة أي عدوان عليها.
ويجب على منظمات المجتمع المدني، ممثلة في شعوب هذه الأمة، أن تأخذ المبادرة في إعادة تنظيمها للذود عن مقدسات هذه الأمة ومكتسباتها التي أورثها اللّه لها، ليس بالتدمير وإشاعة الفوضى التي هي هدف تساق إليه هذه الأمة، ولكن بالحسنى وإعلان الرفض لكل مخططات الهيمنة على هذه الأمة، والمقاومة السلمية بالمقاطعة وهو نفس السلاح الذي يفرضونه على كل بلد وأمة لا تخضع لمبادئهم.
تجب المقاطعة ويجب إسماعهم صوت هذه الأمة، ورفضها لكل أساليب الإهانة والإذلال الذي وصل في مداه إلى ما لا يتصوره أي مسلم.. إن استدعاء رمز الرسول - صلى الله عليه وسلم - كمادة أساسية لهذه الرسوم التي اختير لها أن تكون (كاريكاتورية) إمعاناً في السخرية.. ليس إلا حلقة، من حلقات الصراع والتصادم الآتي من الغرب، وليس من الشرق.
وما قضية حرية التعبير، إلا رداء شفافاً يشف عن نوازع هذه الخلفيّة وذلك الإرث من الكره ومناهله التي لا تجف.
إن عدوى انتشار ونشر هذه الرسوم، من الدنمارك إلى أنحاء متفرقة في أوروبا وغيرها، ليس إلا حالة من التربص وإعلان الكراهية للإسلام وللعرب، وهو نزوع واضح للعنصرية العرقية.
ومن المفارقة الممعنة في مزيد من إثارة مشاعر المسلمين، حرص الرئيس (جورج بوش) (الراعي الرسمي للعالم) أن يوصي العرب والمسلمين بتفهم مفهوم الحرية في الغرب. فأي مفهوم للحرية ذلك الذي يسخر من الأديان، ومن الرسل والأنبياء ومن الله خالق الكون ومرسل الرسل.
يطالبون بالحرية المطلقة، ويقيدونها فيما هو حق مكتسب للشعوب.. فيما تراه يسير أمور حياتها. نحن نراهم الآن يطالبون بتنقية المناهج الدراسية وفق ما يرون أنه معادٍ للغرب بما فيهم إسرائيل الصهيونية.
مفهوم الحرية الفكرية والديمقراطية التي يدعو لها (جورج بوش) هذا المفهوم يُمجد احتقار الدين الإسلامي، ويعترض على ما ورد في القرآن الكريم، من ذم لليهود فيما اقترفوه بحق أنبيائهم الذين أرسلهم اللّه لهم.
يعدون التعرض للذات الصهيونية، وما يقترفونه بحق الأطفال والمواطنين في فلسطين، جرماً في حق ما يسمونه بالسامية، ويصدرون تشريعات تحرم ذلك وتُعرّض من يتناول ذلك بالعداء للسامية، ولا يفهمون أن العرب هم أيضاً من الساميين. لكنهم ساميون من عرق آخر بغيض.. يشعلون الفتن، ويلصقونها بأنبياء هذه الأمة، ثم يقررون بأن الدين الإسلامي دين تصادمي، بل وإرهابي. ومن خلق الأديان إلا اللّه الذي سيحكم بين عباده بالحق.
إن هذه الفتنة التي انطلقت من بلاد توصف بأنها مسالمة، من بلاد كان همها أن توفر لبلدان الشرق الإسلامي الحليب والزبدة والجبن، وعوائد ذلك قوام اقتصادها وتنميتها، هذه الفتنة مرشحة لأن تثير الفوضى في كل مكان في هذا العالم، وسوف يتم استثمارها في مراعي الفوضى والدمار بدلاً من الاستثمار في مراعي الخير والنماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.