في وسط قرية جازان التراثية في الجنادرية يتجمهر زوار القرية حول رجل مسن يستقبلهم على قاربه الشراعي يحكي لهم من الماضي علاقته بالبحر، ولأن الحديث عن الماضي من أهم أهداف الجنادرية التي يسعى المسؤولون لتحقيقها من أجل أن يدرك جيل المستقبل تاريخنا الشامخ وكفاح الأجداد. وبالعودة إلى ذلك الصياد الجيزاني الذي يسكن جزيرة فرسان وهو يتحدث عن رحلات الغوص لاستخراج اللؤلؤ من قاع البحر فإن لذلك قصة تحمل في طياتها العديد من المعاني الجميلة. (الجزيرة) رصدت كلام الصياد البسيط الذي يتحدث برائحة الماضي على أرض الجنادرية. ومن اللافت للنظر أن الأطفال حرصوا على الجلوس إلى جواره وهو يحكي لهم وأناملهم تلامس اللؤلؤ بجماله الساحر الفاتن، فلمن لم يتمكن حتى الآن من زيارة قرية جازان التراثية في الجنادرية لكي يستمع إلى قصة صيد اللؤلؤ في جزيرة فرسان في منطقة جازان فهذه القصة التي يرويها بطلها الصياد العجوز المتربع على قارب شراعي في الجنادرية: الإنسان ابن بيئته كما يقولون، وبطبيعة الحال فإن البيئة تفرض عليه أن يتأقلم معها وتفرض عليه نوع الحياة التي يجب أن يعيشها. والبحر بجماله الأخاذ ومعطياته المتنوعة الوفيرة غالبا ما يجتذب سكان السواحل إلى امتطاء أمواجه وارتياد أعماقه للحصول على تلك المعطيات خاصة إذا كانت ذات قيمة مالية كبيرة كاللؤلؤ الذي توجد مناطق صيده بكثرة على سواحل جزيرة فرسان. ومن هذا المنطق فرض البحر على سكان جزر فرسان حياة خاصة من الناحية المعيشية والاقتصادية؛ فهي ليست ذات موارد مائية تساعد على الزراعة فيها، وإن الزراعة البسيطة الموجودة بها ليست إلا استثناء في حياة سكان هذه الجزر أو من الأمور الشاذة التي تثبت القاعدة، فهي حياة زراعية لا تكاد تذكر إذا قورنت بغيرها خاصة أنها تعتمد على الأمطار غير المنتظمة في الغالب. ومن ذلك كله اتجه هؤلاء الناس إلى البحر يجوبون أرجاءه ويغامرون بحياتهم في مداه الواسع، ويقضون الأسابيع بعيدين عن الأهل والوطن يصارعون أمواجه وأنواءه ويستمتعون بسويعات تجمعهم فيها لياليه المقمرة أحيانا، والضاحكة نجومها أحيانا أخرى فيرسلونها آهات وزفرات شجية خلفت لنا ثروة هائلة من الألحان والكلمات الرقيقة التي أبدعها الحرمان والفراق والمعاناة. لقد كانت السفن الفرسانية تسافر إلى الغوص في مواسم معينة من العام بحثا عن اللؤلؤ الذي توجد مصائده قرب شواطئ هذه الجزر أو بالقرب من الجزر المجاورة لها الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر مثل جزائر (دهلك) ثم تعود محملة بالمحصول الجيد الوفير الذي يتركز فيما بعد في أيدي قلة من تجاره المشهورين؛ إذ يقومون بشرائه من الغواصين في الأسواق المحلية، وعندما تتجمع لديهم الكميات التجارية الكافية للتسويق والبيع في الخارج فإنهم يسافرون لبيعه في (عدن) عندما كانت سوقا مفتوحة أو في إمارات الخليج العربي آنذاك (دول الخليج حاليا). ويجدر بنا أن نشير إلى مكامن اللؤلؤ أو معادن اللؤلؤ كما تسمى في فرسان والتي كانت منتشرة بالقرب من الجزيرة، وأيضاً إلى تلك المعادن التي كان الفرسانيون يتكبدون عناء السفر لها لاستخراج اللؤلؤ حيث إنها لا تعد ولا تحصى، ولكن مع كثرتها فإن الفرسانيين كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من الجزيرة، فإلى جانب مكامن اللؤلؤ التالية: جنابة، ويقع في خليج جنابة, وأبو شوراية بالقرب من جزيرة سولين شمال غرب فرسان, والسليل، ويقع بالقرب من جزيرة قماح في الجنوب, وسلوبة فقد كانت هنالك مكامن (معادن) أخرى بالقرب من دهلك واليمن وربا الواقعة بين اليمن وجزيرة فرسان. وتستمر هذه الرحلات البحرية إلى عدة أشهر وذلك لاستخراج اللؤلؤ, وقد يضطر الناخوذة للتوقف في بعض الجزر للراحة, مثل جزيرة نورة بالقرب من دهلك، والتي كانت بمثابة مركز تجاري مصغّر يرتاح فيه المسافرون من الصيادين والتجار حيث كانت مورداً للماء ولأخذ بعض الحاجات من سمن وسكر وغيرهما. وعن حصيلة اللؤلؤ التي تجمع في عملية جمع اللؤلؤ أو (القماش) - كما يسميه الفرسانيون - فقد كانت تباع إما في فرسان وإما في عدن واللحية إحدى مدن اليمن التي كانت مركزاً تجارياً للؤلؤ آنذاك الذي كان يصدر فيما بعد إلى الهند. انتهت القصة ولم يبق سوى زيارتكم لقرية جازان التراثية في الجنادرية لكي تشاهدوا اللؤلؤ على حقيقته.