كان الملك عبد الله حريصاً في زيارته للهند على إيصال رسالة إلى العالم من أرض غير سعودية، ومن خلال لقائه بممثلي الدول العربية السفراء مؤداها التأكيد على موقف المملكة وسياستها وأسلوب تعاملها مع ما يجري في العالم من تطورات وأحداث، وأن يخص العالم العربي بإيصال رأيه في مجمل ما يرى أنه يجمع ولا يفرق بين الإخوة الأشقاء. يقول خادم الحرمين الشريفين بأن العالم بدوله وشعوبه يتكاتف بعضه مع بعض، مع أنهم ليسوا مثلنا كعرب، دمنا ولحمنا وعقيدتنا وإيماننا كلها واحدة، ويضيف بأننا لن نيأس وسنعمل على أن ينتصر الحق والعدل لجميع دولنا العربية، موضحاً أننا نصلي ونسلم على الرسل جميعاً ولا فرق عندنا بين الرسل أبداً، وهو بعد هذا يعرب عن أمله في جمع كلمة المسلمين بشكل واقعي، بعيداً عن الاستهلاك، مذكراً بالدور الذي تلعبه الأيدي الخبيثة للتفريق بين العرب والتشويش عليهم. خادم الحرمين الشريفين تشهد له مواقفه بأنه عروبي مثلما أنه فرد مسلم، يؤدي التزاماته بما يعطيه هذا الشرف التفاف الآخرين إليه وتأييده والوقوف إلى جانبه، إنه الزعيم الذي عرّف نفسه وهو في ديار الغربة بالقول: أنا منكم وفيكم.. أنا فرد من هذه الأمة العربية المسلمة، وأنه لا فضل لأي إنسان يعمل خدمة للدين والوطن. بهذا يمكنني أن اقول: إن زيارة الملك عبد الله للهند ومباحثاته هناك لم تقتصر على الشق السياسي أو على الجانب الاقتصادي، وإنما كانت لها من الشمولية والسعة ما غطى بها خادم الحرمين الشريفين كل ما هو موضع اهتمام وحديث المواطن أولاً، وبالتالي ما كان يحرص عليه ضيف الهند الكبير من قضايا ومواضيع للبوح فيها ثانياً. استوقفني رأي الملك عبد الله من انضمام الهند مراقباً في منظمة المؤتمر الإسلامي إسوة بروسيا، وبحكم أن مائة وخمسين مليون مسلم يعيشون على أرضها، حين قال بأنه يتعين أن تنضم الهند إلى روسيا بأن يكون لها وضع مراقب في المنظمة، ولم يكتف بذلك بل إنه رأى أنه سيكون مفيداً أن يأتي الترشيح من قبل باكستان. واقتراح خادم الحرمين الشريفين بأن يكون عرض مشروع انضمام الهند للمنظمة عن طريق باكستان، يقودني إلى القول بأن الخلاف الباكستانيالهندي المزمن مثلما قال الملك عبد الله يجب أن تخف حدته لأن هذا التوتر ليس في مصلحة أي من البلدين، وهذه رؤية سليمة تعتمد على النتائج السلبية لهذا الخلاف بين الجارتين. وبعد هذه الحلقة وما سبقها من حلقات، أريد أن أختصر الكلام عن الزيارة الملكية التي امتدت خلال الفترة ما بين 24 إلى 27 من يناير عام 2006م بما اختصره (إعلان نيودلهي) في ختام الزيارة التاريخية والمهمة للملك عبد الله، فلقد أوجز الإعلان في القول، وأوضح النتائج، وحدد الأهداف، وتحدث بما ينبغي أن يقال عنها. هذا الإعلان وقعه الملك ورئيس الوزراء، موضحاً لمن قرأه وصول الجانبين إلى اتفاق على بناء شراكة استراتيجية طويلة المدى في مجال الطاقة والاستثمار فيها، وعلى التنسيق والتعاون على مكافحة آفة الإرهاب والجرائم، وكذلك ما تم الاتفاق عليه في مجالات الثقافة والتعليم والصحة وغيرها، باعتبار أن الزيارة تشكل كما يقول إعلان نيودلهي مَعْلَماً لنتيجة التفاهم وتعزيز التعاون والشراكة في إطار المصلحة المشتركة بين البلدين. إن الهند بالموقع الاقتصادي والتجاري والاستثماري الذي تتمتع به الآن تستحق أن تُعطى كل هذا الاهتمام من الرغبة في التعاون معها، ليس من المملكة فحسب، وإنما من مختلف دول العالم، لما تتميز به من نمو وتطور في مجالي الصناعة والاستثمار، وبسبب اقتصادها القوي وثروتها البشرية المدربة التي يعتمد عليها في بناء اقتصاد المستقبل. وهذا العملاق الاقتصادي والتقني، وإن بدا لمن يزور الهند مظهر شوارعها وبعض مبانيها وحالة مركباتها متواضعة، إلا أنه حقق تقدما علمياً وتقنياً كبيراً وسريعاً، وما هو أهم من ذلك أن تكلفة الصناعة وبناء اقتصاد قوي للدولة هو الأقل والأرخص بين الدول الصناعية في العالم، وبالتالي فقد كان الملك عبد الله بارعاً وحكيماً حين زار الهند وتوصل مع قيادتها إلى ما تم الاتفاق عليه في إعلان نيودلهي.