مرحى لوقفة المسلمين انتصاراً لرسول الهدى صلاة ربي وسلامه عليه، لقد كانت وقفة صارمة أوصلت رسالة قوية للعالم الأوروبي تنادى لها أبناء الأمة انتفضت لها أوصالها أفراداً وجماعات، هيئات ومنظمات، رداً على هجمة وقحة برسومات كاريكاتيرية ساخرة تبنَّتها صحيفة دنماركية تناغمت معها أخرى نرويجية اتبعتها على نفس الخط والطريقة تنال من شخصه الكريم بذاته الرحيمة {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}. واللافت للنظر أنه عندما تصاعدت أصوات الشجب والاستنكار من المسلمين على الإساءة لرسول المحبة والسلام تعاطفت بعض الصحف الغربية بإعادة نشر تلك الرسوم الظالمة المعتدية على رمز إسلامي جليل شأنه رفيع قدره دون أن يراعوا للمسلمين شعوراً؛ مما يمكن أن يفسر على أنه إمعان في إظهار مشاعر البغض ودفين الكراهية لهذا الدين ورموزه. ولنا أن نعود إلى نظرية (صدام الحضارات) التي أطلقها صموئيل هتنجتون، فبطائنها تحذيرات من القادم الإسلامي وما يتوهمون أنه يشكل خطراً على حضارتهم المادية، وهو ما طفحت به ثلة منهم، فهم على نفس الشاكلة لمردود نظرية التصادم بين الحضارات. إن ما حدث يدعونا إلى مراجعة دقيقة ومعالجة محسوبة بدقة لا بحسابات ردود الفعل الغاضبة التي قد لا تجدي نفعاً ولا تزيل التباساً، بل قد تعمق الهوة. علينا أن نستغل القضية ونوظفها توظيفاً ذكياً كما قال البعض الذين تناولوا الوضع منادين بالتحليل المتأني للولوج من الباب الذي فتحوه برؤية مستبصرة عاقلة مستنصرة بالحكمة ومسترشدة بمنهجية رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم في مقابلة أعدائه، ونخاطبهم بنفس الصوت الحضاري الذي يفهمونه. إي نعم للتنديد، إلا أنه وحده غير كافٍ، والمقاطعة سلاح اقتصادي حضاري أثبتت جدواها، لكنها بمفردها غير ذات نفع لإزالة بغض النفوس وتصحيح الأخطاء وغلط المفاهيم العقائدية لدى الغير. فلا ينبغي أن نركن إلى بعض الأساليب وإغفال أخرى، بل التعامل مع الحدث بأبعاده المختلفة والآليات المساندة لها نخترق بها جاهلية القوم عن الإسلام وقيمة رسول الله وتعاليمه والرسالة وسماحتها، وليكن سلاحنا تلاقح الحضارات لا تصادمها. لقد أحسنت صنعاً الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة إذ دعت جمعيات حقوق الإنسان الأوروبية إلى عقد ندوة بالرياض لمناقشة قضايا حرية التعبير ومفاهيم المصطلحات وأهمية احترام الأديان وعدم المساس بها. إنه تحرك عقلاني فاعل يخاطب العقلية الغربية لتبين لهم صفات رسولنا وأخلاقه ومحبته وصفات رسالته، وهو نهج نتمنى أن تحذو حذوه كل الهيئات الإسلامية، بل كل فرد مسلم ليحمل معاني الإسلام إلى غيره. إنها هزة أذكت الحس الإيماني، وقوَّت جذوة الإيمان في النفوس المؤمنة.