حمّل المفكر السعودي، وزير الحج سابقاً الدكتور محمود سفر القوى الغربية مسؤولية تراجع الحماسة الإسلامية للحوار الديني والحضاري، بسبب تناقض مواقف تلك القوى نحو الإسلام ورموزه. وأكد سفر في خلاصة بحث مطول له عن"الدعوة إلى حوار الثقافات والأديان"، أن"الغرب إذا أراد أن يقيم حواراً حضارياً منصفاً ومتوازناً مع المسلمين، فعليه أن يقوم بداية بأمرين اثنين. أولهما: التوقف عن تحريض المسلمين في خطابه الفكري على دينهم بأن يُخْرجوه من نظم حياتهم، وأن يسجنوه في دور عبادتهم ولا يزوروه سوى مرة في الأسبوع، تماماً كما يفعل بعض الغربيين مع الدين المسيحي وزيارتهم للكنيسة كل يوم أحد، ليستمعوا للقسيس يلقي موعظته. وثانيهما: الكف عن دعوة المسلمين لتطبيق العلمانية في النظم ونهج الحياة، وأن يجعلوا علاقتهم بدينهم علاقة شخصية وخاصة من دون تأثير لها على مجريات حياتهم وتعاملاتهم". واعتبر ما كتبه المفكران الاستراتيجيان الأميركيان فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية"نهاية التاريخ"، وصموئيل هنتنجتون صاحب نظرية"صراع الحضارات"في مقال مشترك نشر في العدد السنوي لمجلة"النيوزويك"كانون الأول ديسمبر 2001 ? شباط فبراير 2002، معبراً أحسن تعبير عن النتيجة التي توصل إليها. فهما كما نقل عنهما، يصرحان في نبرة استفزازية لا تخفى، بالقول:"الاسلام الذي هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشكلات الأساسية مع الحداثة الاميركية المسيطرة في السياسة الدولية... فالعالم الاسلامي يختلف عن غيره من الحضارات في وجه واحد مهم، فهو وحده قد ولَّد تكراراً خلال الأعوام الأخيرة حركات أصولية مهمة ترفض لا السياسات الغربية فحسب وإنما المبدأ الأكثر أساسية للحداثة: الدولة العلمانية نفسها، ومن ثم، فإن الصراع الحالي ليس ببساطة معركة الإرهاب... ولكنه صراع ضد العقيدة الإسلامية الأصولية - الفاشية الإسلامية - التي ترفض الاستهلاكية الغربية، والحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله - فصل الدين عن الدولة". الرؤية التي ناصرها سفر، قال إن أمين الحوار الإسلامي - المسيحي المفكر اللبناني محمد السماك يؤيده فيها أيضاً، إذ أكد هو الآخر"أن الغرب يعزو تأخر المجتمعات الاسلامية إلى تمنّعها عن فك ارتباطها الثقافي بالدين"كما يرى"أن هذه المجتمعات تقصر عن مواكبة المسيرة الحضارية، لانها غير قادرة على ان تحذو حذوه بصناعة ثقافة لا دينية". ومع تحميل سفر قوى الغرب المعاصرة ذنب خطابها المؤيد للصراع، إلا أنه أقر بأن ما وصفه بتجني الغرب على الاسلام ونبيه"ليس من صنع الحاضر، على رغم زيادة حدته وارتفاع وتيرته واتساع رقعته وتعمق أبعاده اليوم، بل هو قديم منذ القرن السابع، وطالما وجد من الشياطين من يستدعيه عبر التاريخ ويحفزه ويستنجد به لإشعال نار الفتنة والعداء وبث الكراهية ونشر البغضاء". ولذلك فإنه ينصح أمته الإسلامية"إن أرادت أن تفتح صفحة جديدة في كتاب العلاقات مع الغرب بالحذر من الغرب القادر بما يملكون من أسلحة ومعدات حديثة في نشر فكره وخططه المعادية، وأن تقف منهم وضدهم بالمرصاد، وعلى الغرب من جانبه إن كان صادقاً في توجهه بفتح تلك الصفحة الجديدة، وأراد التجاوب مع الأمة ومفكريها أن يكبح جماح شياطينه من المفكرين والمستشرقين والمؤرخين والسياسيين من المحافظين الجدد والمسيحيين الصهيونيين من الذين مزجوا معتقداتهم الدينية بالأيديولوجية الصهيونية ومبادئها السياسية فتساووا إن لم يكونوا قد بزوا المتعصبين اليهود أنفسهم في عدائهم للديانة الاسلامية ونبيها بصورة غير مسبوقة". كما يعتقد أهمية أن يبرهن الغرب على صدقه في طلب الحوار المنصف بمد يده"للمنصفين من المفكرين والمستشرقين من أبنائه ويشجعهم على قول الحق وإظهار الحقيقة عن الاسلام ومبادئه ورسالته ونبيه، ويفسح لهم المجال كي ينشروا ما يعتقدون في صوابه من رؤى وأفكار تنير الطريق أمام القارئ الغربي ليعرف الاسلام على حقيقته ونبيه على طبيعته". مثلما أن على الغرب في نظر سفر"أن يكف من خلال مفكريه وقادة الرأي فيه عن الاعتقاد بأن فشل العالم الاسلامي في النهوض والحداثة يكمن في إصرار المسلمين على تمسكهم بدينهم والتزامهم بتعاليمه وحرصهم على طاعة نبيهم، لأن مثل هذا الاعتقاد لا يدل فقط على جهل بحقيقة المسلمين وكينونة علاقتهم بدينهم ومعناها وتمسكهم بمحبة نبيهم وطاعتهم له، ولكنه أيضاً يستفز مشاعرهم ويصدم معتقداتهم ويتعرض لمقدساتهم من كتاب وأماكن مقدسة ومبادئ ونبي مرسل للإنسانية جمعاء". ويرجح سفر لدى محاولته تفسير مواقف بعض الغربيين العدائية من الإسلام ونبيه، أن ذلك يعود"في أحد أسبابه إلى الخوف من قدرة الاسلام على زعزعة المفاهيم العلمانية ومن ثم تدمير الحضارة والحداثة بمعانيها السائدة اليوم في المجتمعات الغربية كما يعتقد كثير من المفكرين والفلاسفة ورجال الدين في الغرب. وإن صح هذا التبرير فإنه يدل بوضوح على سذاجة في الفكر وسطحية في التفكير، وجهل بالمعاني التي يقف الاسلام للدفاع عنها ويعمل من أجلها: مثل التقدم والتطور وحقوق الانسان والحرية والعدالة الاجتماعية ورفض التسلط والظلم وبسط العدل وبث الخير وتحقيق الحق، ونشر المحبة والتآخي بين البشر، وعدم التمييز بينهم من حيث اللون أو الدين أو الجنس". لكن الدكتور سفر على رغم إيمانه بمؤامرة غربيين بقصد التشكيك في الإسلام، إلا أنه بشّر بأن تلك الخطط، منيت بالفشل الذريع."وبقيت الشعوب المسلمة كلها وفية لدين الله ومتمسكة به، وهي تعبر عن هذا الوفاء والاستمساك كلما أتيحت لها فرصة انتخابات حرة ونزيهة، ولعل خير شاهد على ذلك"تركيا"التي كان الغرب بأسره يعتبرها الأنموذج الأمثل لما ينبغي أن يكون عليه العرب والمسلمون خصومة للدين وبعداً عنه، فإذا هي أشد استمساكاً بدينها من بعض أصحاب الرسالة العرب". وبين أبرز فشل تلك الخطط في ما يرى"اختراق الاسلام للمجتمعات الغربية كلها أوروبية كانت او أميركية، وانتزاعه لنخب مثقفة وللنساء خاصة، بل وازدياد معدلات اعتناق الغربيين للاسلام، حتى بعد حرب البوسنة وكتاب سلمان رشدي و11سبتمبر2001، وبمعدلات تتجاوز 40 في المئة و50 في المئة عما سبق، إضافة إلى فشل الكثير من المجتمعات الأوروبية في تذويب الجاليات المسلمة المهاجرة في أراضيها، واستمساك هذه الجاليات في الغالبية الأعم بدينها مستفيدة في ذلك من حرية الاعتقاد التي تتمتع بها تلك المجتمعات ولا ريب. وعلى رغم ما في الزعم بأن المسلمين سيكونون غالبية أوروبا عام 2050، والتخويف من أسلمة القارة، على رغم ما في ذلك من مبالغات تقف وراءها الحركة الصهيونية، فإنه لا جدال في أن الإسلام هو أسرع الأديان نمواً وانتشاراً في أوروبا وأميركا".