نائب أمير تبوك يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول شهر رمضان    نائب أمير مكة يهنئ القيادة بمناسبة حلول شهر رمضان    القبض على 4 مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم 60 كيلوجراماً من القات    أمير منطقة تبوك يرفع التهنئة للقيادة الرشيده بمناسبة شهر رمضان    بلدية محافظة ضرية تنهي استعداداتها لاستقبال شهر رمضان    تسليم 330 وحدة سكنية ممولة من الصندوق السعودي للتنمية في تونس    ترمب وزيلينسكي يشتبكان في مشادة كلامية بالبيت الأبيض    وزير الخارجية يهنئ القيادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    ت وزارة الداخلية تبدأ في تنفيذ إجراءات العفو عن النزلاء والنزيلات المحكومين في الحق العام    " ضياء عسير" تحتفل بحصولها على شهادة المنظمة الموثوقة    تركي بن محمد يرفع التهنئة لخادم الحرمين وولي العهد بمناسبة حلول رمضان    «سلمان للإغاثة» يوقع اتفاقية تعاون مشترك مع منظمة الصحة العالمية    نيوم يكسب الحزم ويلامس النقطة 50    الملك سلمان: نحمد الله الذي بلغنا رمضان شهر الرحمة والمغفرة    اتحاد القدم ينفي التفاوض مع كامبوس    النصر يفقد" لابورت وماني" أمام العروبة    شاهد.. الجمارك تحبط 4 محاولات تهريب أكثر من 500 ألف حبة محظورة    نزاهة: إيقاف 131 شخصا تورطوا بقضايا فساد في 8 جهات حكومية    مفتي المملكة يهنئ القيادة والمسلمين بحلول شهر رمضان    عملية جراحية دقيقة استغرقت 6 ساعات.. نجاح فصل التوأم الملتصق البوركيني "خديجة وحواء"    منها السعودية وتركيا وعمان.. دول عربية وإسلامية تعلن السبت أول أيام رمضان    بعد محادثات إسطنبول.. موسكو تعين سفيراً جديداً في واشنطن    السعودية ترفض أي خطوات غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية للسودان    خطيب المسجد الحرام: فريضة الصيام فرصة كبرى لاعتياد مجاهدة النفس وكفّ الألسن عن السوء    المملكة تعرب عن رفضها لأي خطوات أو إجراءات غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية لجمهورية السودان قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه    نجاح عمليات انسداد الأنف بجهاز الكوبليشن تحت التخدير الموضعي في تخصصي بريدة    «الغذاء والدواء» تحذّر من مرقة الدجاج «maragatty» وتدعو إلى التخلص منها    الجدعان: السعودية تتبنى نموذجاً يسمح ل«الخاص» بتطوير البنية التحتية    "البيئة" تطلق حملة «سفرتنا من أرضنا»    خطيب المسجد النبوي: استقبلوا رمضان بالتوبة والطاعة والدعاء    تراجع التضخم في فرنسا إلى أدنى معدلاته خلال 4 سنوات    الذهب يسجل أكبر انخفاض أسبوعي في ثلاثة أشهر مع ارتفاع الدولار ومخاوف الرسوم    محافظ خميس مشيط يدشن معرض يوم بدينا لجسفت عسير    نتنياهو يخطط لتمديد المرحلة الأولى من الهدنة    القادسية يتفق مع هيئة الصحفيين على «شراكة إستراتيجية»    الشباب يواجه ضمك    الجوير وموسكيرا وبلان يحصدون جوائز الافضلية لشهر فبراير    الاتحاد الآسيوي يوقف مدافع التعاون الاحمد ثلاث مباريات    ديوانية القلم الذهبي تتناول الرواية وعلاقتها بالسينما في لقاءها الأسبوعي    اختتام بطولة الخليج للجولف بتتويج الأبطال    العديلي يعود للقصة ب«وقت للحب وقت للحرب»    مثقفون يخصصون «رمضان» لإنجاز مشاريعهم المؤجلة    خدمات رمضان جندي خفي في مناطق الصراع    أمير تبوك يستعرض التقرير السنوي لقوات الأمن والحماية    5 خطوات لتعزيز صحة قلب الأطفال    لاعبون مصابون ب«فوبيا الطيران»    زراعة عسير تستعد ب 100 مراقب لضبط أسواق النفع العام والمسالخ    روسيا تغزو الفضاء    صائم ونفسي رأس خشمي    روحانية دون نظير    تنفيذ أكثر من 26 مليون عملية إلكترونية عبر منصة «أبشر» في يناير 2025    مع عيد الحب    «فنّ المملكة» في جاكس    تراثنا في العلا    البكيرية تحتفل باليوم العالمي للفراولة    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة    جامعة أمِّ القُرى تحتفي بيوم التَّأسيس لعام 2025م    الأردن يؤكد دعم سيادة سوريا والتنسيق لضبط الحدود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله عبد الجبار رجل من عصر الأحلام الكبرى
فاطمة العنقري(*)

يعدُّ الكاتب والأديب والمفكر عبد الله عبد الجبار أحد الرموز الثقافية والتنويرية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان في المملكة العربية السعودية، وهو أحد كبار الرواد في المجال التربوي والفكري السعودي. واعترافاً منها بدور الرجل في خدمة الفكر والتعليم والثقافة قامت وزارة التربية والتعليم في المملكة بإصدار كتاب يقع في نحو 200 صفحة من القطع المتوسط حول (عبد الله عبد الجبار المربِّي والمفكِّر والأديب والناقد). وضمَّ الكتاب مقالات لكبار المثقفين السعوديين وعدد من المثقفين العرب، بالإضافة إلى بعض المعلومات الخاصة بهذا الأديب والكاتب الكبير، ونماذج من آرائه النقدية ومقالاته التربوية، فضلاً عن بعض ما كُتب فيه من قصائد مدح.
يبدأ الكتاب بعدد من المقدمات للتعريف بالمكرَّم، منها مقدمة هي أقرب للسيرة الذاتية المختصرة، ثم كلمة للإدارة العامة للتربية والتعليم بمكة المكرمة، ثم ثلاث مقدمات متتالية لكل من الأساتذة: أحمد زكي يماني، وعبد الوهاب عبد الواسع، وحمزة إبراهيم فودة. وطبقاً للتبويب الداخلي للكتاب يبدو لنا أنه كان من الأفضل إدخال المقدمات الثلاث المشار إليها في أيٍّ من الفصول الخاصة بشهادات المثقفين حول دور الرجل.
بعد فصل المقدمات تأتي ثمانية فصول، أولها: إطلالة على سيرته ودوره الريادي، ثم: ملامح من المنهج الثقافي لشيخ النقاد، ثم: شهادات وقراءات بأقلام زملائه وأصدقائه وعارفيه، ثم: شهادات وقراءات بأقلام تلاميذه ومريديه ومحبِّيه، ثم: قالوا عن عبد الله عبد الجبار، وهذا الفصل يشمل شهادات لمثقفين سعوديين وعرب من غير الفئتين السابقتين في الفصلين السابقين، ثم: (نافذة الشعر)، وهو فصل خاص بالقصائد المهداة إلى الأستاذ عبد الله عبد الجبار، ثم: أوراق من تجلِّيات صوته وقلمه، وهو فصل خاص يتضمن حوارات وندوات ومقالات للأديب الكبير. ثم يأتي الفصل الأخير، وهو عبارة عن سجل لبعض الصور التاريخية الخاصة بالأستاذ عبد الجبار مع أصحاب السمو والمعالي وآراء وصور تذكارية أخرى.
ويشتمل الكتاب في نهايته على فهرس توثيق لمصادر الكتاب من اتصالات ومقابلات وكتب ومطبوعات وملفات صحفية خاصة ومقالات وموضوعات بعددٍ من الصحف السعودية.
المولد والدراسة
وُلد الأستاذ عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار في منزل أسرته (آل عبد الجبار) المكية المعروفة بحي (سوق الليل) المجاور للمسجد الحرام وشعب علي (شعب بني هاشم) عام 1336ه الموافق عام 1918م، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة وحفظ بعض سور القرآن الكريم وبعض مبادئ الحساب قبل سنِّ المدرسة في كتَّاب الفقيهة (جواهر بنت عبد الهادي الفقيه).
وفي المدرسة الفخرية بدأ الأستاذ عبد الجبار تلقِّي أول دروسه المدرسية التحضيرية، ثم التحق بمدرسة الفلاح المكية الشهيرة التي كانت قد تأسَّست في العام 1330ه؛ أي قبل ميلاد أديبنا بنحو 6 سنوات هجرية، وفيها أتمَّ تعليمه الابتدائي والثانوي، ثم انضم إلى عقد طلاب البعثة السعودية الثانية بمصر دارساً في كلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) عام 1355ه، وحصل منها على شهادة الليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية عام 1359ه الموافق عام 1940م. وكان من بين زملاء دفعته الأساتذة: إبراهيم السويل وزير الخارجية الأسبق رحمه الله، والسفير حسين فطاني، والأدباء: عبد الله عريف، وأحمد عبد الغفور العطار، وحمد الجاسر، وعبد الله الخيال، وعبد الله الملحوق.
بعد التخرُّج
في أعقاب تخرُّج الأستاذ عبد الله عبد الجبار من كلية دار العلوم بالقاهرة، وعودته إلى مكة المكرمة، عمل مدرساً بالمعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات بمكة، ثم صار مديراً للمعهد عام 1366ه، فمديراً للبعثات السعودية بمصر عام 1369ه، كما عمل أستاذاً بمعهد الدراسات العربية العالية في جامعة الدول العربية بالقاهرة.
ترك عبد الله عبد الجبار العمل الوظيفي بعد ذلك لمدة طويلة واشتغل بالأدب والنقد والبحث والتأليف والكتابة للصحف، حتى توجَّه إلى بريطانيا عام 1389ه وتولى تأسيس وإدارة أول مدرسة عربية تابعة للسفارة السعودية بلندن، ثم بعد ذلك بفترة (عام 1398ه) تم تعيينه مستشاراً بجامعة الملك عبد العزيز، فمستشاراً ثقافياً لتهامة، ثم آثر التفرغ للفكر والأدب، وأقام فترة في القاهرة وكان منزله مقصداً للمثقفين والأدباء السعوديين والمصريين والعرب.
شيخ النقاد
اشتهر الأستاذ عبد الله عبد الجبار بين المثقفين والأدباء السعوديين بشيخ النقاد، وله مؤلفات مهمة تعدُّ من قبيل المراجع الكبرى في النقد والأدب داخل السعودية، منها: (قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي)، وهو مؤلَّف مشترك مع الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، وصدر في القاهرة عام 1958م.
وفي العام التالي مباشرة 1959م أصدر الأستاذ عبد الجبار أهم كتبه النقدية (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية)، وهو عبارة عن محاضرات ألقاها على طلاب قسم الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية.
لكنه قبل أن يكون ناقداً ومفكراً فهو أديب شامل كتب الشعر والقصة والرواية والمسرحية، وقد نشر في العام 1953م بمصر أول عمل أدبي له، وهو رواية (أمي)، تلاها نشر تمثيلية إذاعية في العام 1954م عنوانها (العم سحتوت)، وقد نُشرت بالقاهرة، ثم مسرحية (الشياطين الخرس) التي أصدرتها رابطة الأدب الحديث بمصر أيضاً.
ويعدُّ كتابه (الغزو الفكري في العالم العربي) آخر الكتب التي أصدرها وأوفرها حظاً من حيث التداول، حيث طُبع ثلاث طبعات، أولها كان في العام 1394ه - 1974م.
ولأديبنا الكبير مقالات نقدية مهمة في عدد كبير من الصحف والمجلات، منها مجلات: المنهل، والحج، والرسالة، والمصور المصرية، وصحف: الرياض، وعكاظ، والندوة، واليمامة، وغيرها.
رائد تربوي
ومن نافلة القول أن نشير إلى أن الأستاذ عبد الله عبد الجبار يعدُّ أهم الرواد التربويين المرموقين في المملكة العربية السعودية، وكان واحداً من العشرة الأوائل من حملة الشهادات الجامعية في المملكة، وهو من أبرز التربويين الذين شاركوا في التعليم المدرسي الثانوي الحديث منذ نشأته في المملكة، فنهض بتدريس اللغة العربية وآدابها والتربية وعلم النفس، كما درَّس مادة التفسير في المعهدين: المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات، كما تولى إدارة مدرسة المعلمين الليلية بمكة المكرمة، وكان ذلك في العام 1368ه. وقد نجح في تأسيس بعض الأساليب التربوية في التعليم السعودي، ومن ذلك مثلاً أنه أدخل - لأول مرة - طريقة تدريس المحفوظات بأسلوب (المحو والإثبات)، كما سلك أحدث أساليب التحليل الأدبي وتذوق النصوص الأدبية في تدريسه لمادة الأدب بالمعهدين سالفي الذكر، وأشرف على إقامة ندوة المسامرات الأدبية الشهيرة التي كانت واجهة طيِّبة للنشاط الثقافي والأدبي لطلاب المعهدين، وكانت هذه الندوة منصَّة انطلاق لعدد كبير من الأصوات الأدبية والثقافية في المملكة.
رائد تنويري
يتضمن كتاب التكريم مقالة تعتبر من أهم المقالات التي تضمَّنها الكتاب وأكثرها عمقاً وشمولاً، وهي تحت عنوان: (قراءة في تجلِّيات سيرة رائد تنويري) للأستاذ فاروق صالح بنجر، يتحدث فيها عن التطور الفكري التاريخي لأديبنا الكبير منذ اللحظات الأولى لدخوله مجال العلم والتعلم حتى الآن.
ويعتبر الأستاذ فاروق صالح بنجر أن مرحلة دار العلوم تعتبر البداية الأولى لتشكيل الوجدان الأدبي والفكري لأديبنا، حيث تسنَّى للفتى المكي أن يستجيب لهاجس الأدب المستتر في تكوينه، المتوهج في وجدانه، بعد أن نال حظاً من بواكير التأسيس العلمي في المدرسة الفخرية ومدرسة الفلاح التي سبق ذكرها. ويقول الأستاذ بنجر: إن الدراسة في دار العلوم قد صقلت شخصيته العلمية والفكرية المتحفزة إلى العمق والدقة والإحاطة والاستيعاب، وأتاحت له مساحة من دروب المعرفة الحديثة التي يهيئها البحث والاطلاع والاتصال بأهل العلم والفكر والأدب والفنون على امتداد قنوات الثقافة في مركز الإشعاع الثقافي آنذاك. فالقاهرة كانت مسرحاً متموِّجاً للحركة الثقافية في مرحلة الانفتاح الحضاري الحديث. وفي دار العلوم اتصلت أواصر التلمذة بالأساتذة المتخصصين الموسوعيين ذوي الأفكار، وكان التنظيم الجامعي المصري يعول على العمق وتنوع المشارب في سياق مناهج التدريس.
وقد تعمق التخصص العلمي للأستاذ عبد الله عبد الجبار بتأهيل أكاديمي في البحث العلمي ومناهجه على أيدي صفوة من الأساتذة العلماء والأدباء والمفكرين والباحثين من أعلام (دار العلوم)؛ أمثال: محمد خلف الله أحمد، علي العناني، أحمد زكي صفوت، محمد عطية الأبراشي، عبد الحليم خطاب، علي عبد الواحد وافي، وغيرهم من كبار الأساتذة في دار العلوم في ذلك الوقت.
ريادة نقدية
ويشير الأستاذ فاروق صالح بنجر إلى مرحلة مهمة في مراحل النمو الفكري والنقدي للأستاذ عبد الجبار، وهي المراحل التي كتب فيها مقالاته النقدية المهمة بمجلة (المنهل) في النصف الثاني من أربعينيات القرن الميلادي الماضي، والتي بدأت بمقالته (حول تصدير أدبنا) عام 1946م، ثم أبحاثه النقدية التحليلية التي استخدم فيها المنهج النفسي، وهي: (مركب النقص وأثره في الحياة) عام 1947م، و(مركب النقص وأثره في بشار) عام 1947م أيضاً، ثم (الحُطيئة والشعور بالنقص) 1949م. وقد سبقت هذه الدراسات كتاب (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية)، حيث يقول الأستاذ بنجر: لقد دلَّت هذه الدراسات التحليلية النقدية على المنهج النفسي بحقٍّ تجربةً نقدية طليعية فريدة مبكرة في تاريخ النقد المنهجي في بيئتنا الأدبية منذ نصف قرن، ذلك أن الدراسة الأدبية النفسية لم تكن قد عُرفت في المشهد الأدبي عندنا آنذاك باثنتي عشرة سنة. وقد كانت هذه المقالات النقدية في طليعة التجارب النقدية المنهجية التي تسلك في الريادة العربية بين تجارب الرواد الكبار؛ أمثال العقاد، المازني، طه حسين، أمين الخولي، أحمد أمين، محمد خلف الله أحمد، محمد النويهي، مصطفى سويف. ويبقى أن كتاب (التيارات) كان رائداً في منهجه التاريخي الوصفي التحليلي في قسمه الأول، وفي منهجه النقدي التحليلي التطبيقي النصي في قسمه الثاني، حيث كان على مستوى النقد الفني والتذوق الجمالي وتقويم النص واستخدام وابتكار المصطلحات النقدية على قدر كبير من وعي المناهج والمقاييس النقدية.
وهكذا فإن النقد المنهجي قد ابتكره عبد الله عبد الجبار في منظومة دقيقة واضحة لم تكن للرؤية الواقعية والواقعية الاشتراكية والنزعات المذهبية والأيديولوجية هيمنة على الرؤية الموضوعية المدعمة بدراسة النص ومعالجته وتفسيره واستجلاء دلالاته وإشاراته وظواهره وقيمه الجمالية والمعنوية والشعورية. على أن أظهر ما طرحه منهج التيارات هو ذلك التحول أو التطوير من منظور (دراسة الأدب في ظلال التاريخ الأدبي) إلى (الدراسة النصية الداخلية) أو ما طرحه (ويليل) و(أوستن) في كتابهما الشهير (نظرية الأدب)، وهو المتمثل في الاتجاه الداخلي لدراسة الأدب من وعي بنظرية النقد الجديد.
منهج التنوير الثقافي
تحت عنوان (منهج التنوير الثقافي عند المفكِّر التربوي عبد الله عبد الجبار) كتب الناقد المصري المعروف د. نبيل راغب قائلاً: يشكِّل منهج التنوير الثقافي الأصل الثاني من أصول التنوير الفكري عند عبد الله عبد الجبار الذي يرى أن مجال الثقافة محدَّد بالوسائل التي من شأنها أن تساعد الإنسان على تكوين وجهة نظر ذات طابع خاص. أي أن جوهر العمل الثقافي ليس تحصيل المعرفة لذاتها، ولا هو تحصيل معرفة تُعين صاحبها على أداء فعل معين، وإنما الثقافة في جوهرها هي ما يؤدي بصاحبها إلى تكوين رؤية خاصة لحياته ومجتمعه، بل والإنسانية جمعاء.
وعلى الرغم من العلاقة العضوية الحميمة بين الثقافة والتعليم في منهج التنوير الثقافي عند عبد الله عبد الجبار إلا أنه ينطوي على تصور واضح للفرق بين ما هو ثقافة وما هو تعليم، فالثقافة موقف ذوقي خاص يحدِّد لصاحبه ما يتفق معه وما لا يتفق؛ ليسلك في حياته على هذا الأساس، في حين أن التعليم تحصيل منهجي منظَّم للمعلومات، ومع ذلك يظل هذا الموقف الذوقي الخاص رهناً بهذا التحصيل المنهجي المنظم للمعلومات؛ لأنه لا ينشأ من فراغ، بل هو نتيجة لقطات مختارة من مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية بالإضافة إلى ميادين الدين والفن والأدب.
وتلي مقالة الدكتور نبيل راغب في كتاب التكريم مقالة أخرى للأستاذ حسين عاتق الغريبي تحت عنوان (إضاءات تنويرية حول المقدمات الأدبية لشيخ النقاد عبد الله عبد الجبار) يستعرض فيها ما كتبه ناقدنا الكبير من مقدمات لكتب وأعمال أدبية منشورة، مؤكداً أن هذه المقدمات تتجاوز ما اعتدنا قراءته في الكثير من مقدمات الكتب التي لا تعلن بوضوح ورصانة عن القيمة الأدبية أو العلمية للكتاب؛ حيث تنطوي مقدمات الأستاذ عبد الجبار على رؤى فكرية ونقدية تنويرية منهجية.
يتضمن حديث الغريبي استعراض ما كتبه عبد الله عبد الجبار من مقدمات كتب: (كيف كان) للأديب عبد الله خطيب، و(طيور الأبابيل) للشاعر إبراهيم هاشم الفلالي، و(الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث) للأديب الناقد مصطفى عبد اللطيف السحرتي. كما تعرَّض لإحدى طبعات كتاب (حمار حمزة شحاتة) التي ورد بها مقدمة للأستاذ عبد الله عبد الجبار، واتَّضح أنها ليست سوى مُقتبَس مما كتبه ناقدنا في كتابه (التيارات الأدبية) قسم النثر حول مقال للأديب حمزة شحاتة بنفس عنوان الكتاب المشار إليه (حمار حمزة شحاتة).
زملاء وأصدقاء
وفي فصل خاص بشهادات وقراءات زملاء وأصدقاء الأستاذ عبد الله عبد الجبار تأتي شهادات وكلمات وجدانية مفعمة بالحب من الكتاب والأدباء: حسين عرب، حمد الجاسر، عبد الكريم الجهيمان، إبراهيم هاشم الفلالي، د. محمد عبد المنعم خفاجي. ثم يأتي الفصل الخاص بشهادات تلاميذه ومريديه ومحبِّيه: د. عبد العزيز بن عبد الله الخويطر، د. محمد عبده يماني، د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، د. إبراهيم بن محمد العواجي، عبد الله حبابي، عبد الله بوقس، عبد الرزاق محمد حمزة، محسن أحمد باروم، عبد الله عبد المجيد بغدادي، بكر عبد الرحمن بابصيل، عباس صالح طاشكندي، د. أحمد عبد الإله عبد الجبار، محمد أحمد العربي. وفيما بعد يأتي فصل آخر بعنوان (قالوا عن عبد الله عبد الجبار) يتضمن شهادات لكلٍّ من: محمد سعيد طيب، عبد الله الجفري، عابد خزندار، محمد صلاح الدين الدندراوي، د. عاصم حمدان، د. أسامة عبد الرحمن، عبد الله عمر خياط، عبد الله فراج الشريف، أحمد عبد الوهاب آشي، أجواد عبد الله الفاسي، د. هتون أجواد الفاسي، د. أسامة إبراهيم فلالي، عثمان مليباري، ريمة خميس، د. أحلام مستغانمي.
ولعله كان من المهم وضع تعريف وجيز بكل كاتب من هؤلاء الكتاب، وخصوصاً أن بعضهم قد لا يكون معروفاً للقارئ السعودي، كما أن بعضهم قد لا يكون معروفاً لكثير من القرَّاء العرب.
نافذة الشعر
وإذا كان الرجل قد أفنى عمره في تعبيد الدروب أمام الأجيال التالية له، سواء في ذلك دروب التعليم أم دروب الثقافة والفكر والنقد والأدب، وكتب الكثير من الدراسات النقدية عن الأدباء، سواء في الصحف أو الكتب، فإن عدداً من أصدقائه وتلاميذه ومحبِّيه قد نظموا شعراً عرفاناً واعترافاً بقدره.
وفي فصل خاص بالقصائد المهداة إلى عبد الله عبد الجبار تأتي قصيدة (تحيَّة إلى المفكِّر الأديب) للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي الذي زامله في تأليف كتابه الأول (قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي) عام 1958م، ثم قصيدة (وتلك الأيام) شعر مصطفى زقزوق، ثم قصيدة (عشْ كما أنت أبياً وندياً) شعر حسين عاتق الغريبي، ثم قصيدة (مقاطع من ترنيمة الأوقات) شعر فاروق بنجر، ثم قصيدة (تحية الشعر) للشاعر الشريف محمد أحمد العربي. وكل القصائد السابقة منظومة على النسق العمودي، باستثناء قصيدة حسين عاتق الغريبي التي تجري على النسق التفعيلي.
كما يقدِّم الكتاب بعض ما قاله الأستاذ عبد الله عبد الجبار في الندوات والأمسيات الثقافية والأدبية، وبعض ما نشره من مقالات.
والحقيقة أن الكتاب يقدِّم صورة طيِّبة حول رائد كبير من رواد العلم والتنوير والثقافة في المملكة العربية السعودية، وهو جهد مشكور للإدارة العامة للتربية والتعليم بالعاصمة المقدسة مكة المكرمة، وللإعلام التربوي فيها.
(ليست دنياك يا صاحبي ما تجده من غيرك، بل ما تُوجده بنفسك! فإن لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً على الدنيا، وإن لم تدعها أحسن مما وجدتها فقد وجدتها وما وجدتك! وفي نفسك أول حدود دنياك وآخر حدودها) مصطفى صادق الرافعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.