لا حديث في الأوساط السياسية العربية بل والدولية حاليا سوى الحديث عن مستقبل حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد فوزها بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني وبذلك الاتجاه نحو تشكيل الحكومة الفلسطينية المقبلة، ففي حين يرى البعض ان الحركة دخلت مأزقاً تاريخياً قد تعجل بنهايتها يؤكد آخرون ان لدى حماس براجمانية سوف تعجل منها حركة سياسية واقعية تستطيع عبر هذه الواقعية احداث تقدم في مسيرة العلمية السلمية. (الجزيرة) ناقشت مع خبراء ومحللين سياسيين كيفية تعاطي الحركة مع ملف المفاوضات مع إسرائيل وموقفها من أمريكا والغرب عموما واكد الخبراء والمحللون قدرة حماس على التعامل سياسيا مع تل ابيب عبر تنازلات مراوغة من شأنها تحقيق مكاسب لها وللشعب الفلسطيني من ناحية وعدم المساس ببرامجها وخطابها التقليدي من ناحية أخرى. حسن أبو طالب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي يرى انه على عكس الكثير من التوقعات جاء فوز حماس في الانتخابات التشريعية ليصب الكثير من الماء البارد على رؤوس كثيرة داخل وخارج فلسطينالمحتلة، ويضع الجميع أمام معادلات فلسطينية جديدة تبدو معها خيارات ما قبل الانتخابات غير صالحة لما بعدها وبما يفرض التفكير في خيارات أخرى تتناسب مع الواقع الجديد، وهذه المهمة تمتد إلى حماس نفسها قبل أي طرف آخر، فمجرد التحول من مجرد قوة معارضة خارج سياق المؤسسات الفلسطينية إلى قوة محركة ومشاركة في هذه المؤسسات ذات الصلة المباشرة باتفاقيات أوسلو يفرض التزامات سلوكية مختلفة كما يتطلب أيضا طريقة تفكير جديدة بكل المعاني،مشيرا إلى أنه تحدٍّ مركب بكل المقاييس حتى لتلك الفصائل التي تتشارك مع حماس في بعض مقولات جوهرية كالحفاظ على المقاومة وسلاحها بعيدا عن هيمنة السلطة مثل حركة الجهاد الإسلامي التي تعد في الوقت نفسه أن مجرد المشاركة في العملية السياسية كما فعلت حماس خطأ كبير في حد ذاته يتناقض مع التمسك بالمقاومة،فالتحدي هنا لن يقتصر على هؤلاء الذين يختلفون كليا مع رؤية حماس كحركة فتح بل أيضا مع الذين يتشاركون معها في نهج المقاومة،ولعل ابرز المشكلات أن تقوم بعبء الانضباط الأمني كحكومة ذات صلاحيات تنفيذية.. فكيف ستتعامل مع سلاحها هي الذي هو بعيد عن سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية حتى اللحظة وأيضا كيف ستتعامل مع الأسلحة الأخرى الموجودة بحوزة الفصائل الفلسطينية الأخرى.. هل ستجبرها على نزع هذه الأسلحة تحت سيطرة الأجهزة الأمنية للسلطة أم ستتركها تتحرك بحريتها ووفقا لرؤيتها الخاصة.. أسئلة عديدة تطرح نفسها بقوة ويصعب الإجابة عن أي منها. واكد ابو طالب ان قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية كان قراراً جريئاً من زوايا عديدة وكثير من التحليلات بما في ذلك القادمة من فلسطين نفسها ومن دوائر قريبة من الحركة نفسها لم تتوقع اكثر من أن تكون حماس قوة سياسية ثانية بعد فتح وبالتالي يتحول النظام السياسي الفلسطيني إلى نوع من الثنائية القطبية وبالنسبة إلى مستقبل حماس في التفاوض مع إسرائيل أشار ابو طالب إلى ان هناك كثيرا من الأسئلة التي تمتد إلى موقف حماس من التفاوض وإعادة النظر في بعض القوانين المعمول بها وتحريك الوضع الاقتصادي الداخلي وإفساح المجال أمام المزيد من الحريات والتعامل مع القيود التي يفرضها الاحتلال بالفعل والعلاقة مع القوى الكبرى المؤثرة في العملية السياسية ربما تجد بعض إجابات مفصلة أو غامضة في البرنامج السياسي الذي وعدت قيادة حماس في الداخل بطرحه ليتناسب مع وضعها الجديد، لكن تظل هنا قضيتان مهمتان ولهما الأولوية القصوى، القضية الاولى: كيف ستدخل حماس أي مفاوضات مقبلة وما هي الاستراتيجية الكلية التي ستتبعها في هذا الصدد وأين سيكون موقع المقاومة فيها وهل ستستطيع تطبيق استراتيجية المزاوجة بين المفاوضات والمقاومة في آن واحد حسب النمط الفيتنامي الشهير مع الولاياتالمتحدة في السبعينيات،وأضاف ابو طالب ان الموقف من عملية المفاوضات المطروحة يرتبط نظريا على الأقل بإشكالية ذات بعد عملي اكثر احتمالا من غيره من قبيل.. ماذا لو قررت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات المقبلة الاستمرار في نهج إحداث التغييرات على الأرض وتحديد ملامح وأسس إنهاء القضية الفلسطينية وفقا لرؤية أحادية بحتة بعيدا عن أي شريك فلسطيني،ففي هذه الحالة ستكون هناك تغييرات من قبيل الانسحاب من بعض مناطق فلسطينية واستكمال الجدار العنصري العازل وضم الكتل الاستيطانية اليهودية الكبيرة وتجاهل مصير القدس،فكيف ستتصرف حماس إذاً.. أما القضية الثانية فسوف تتعلق كيف ستدير حماس علاقاتها مع العالم الخارجي وتحديداً مع واشنطن والاتحاد الأوربي،وكلاهما عبرا وأكدا مراراً قبل الانتخابات انهما لن يتحملا فوز حماس ومجرد مشاركتها في الحكومة الفلسطينية، وكان التقدير وقتها أن حماس ستأتي في المرتبة الثانية،صحيح أن بعض إشارات أوربية تقول بالاستعداد بالتعامل مع حكومة فلسطينية سلمية لكن ما وراء هذه الإشارات الكثير جدا من الالتزامات يتطلب التفكير فيه ووضع استجابة مناسبة له،أما العلاقة مع واشنطن فتبدو عصية على البدء إلا بشروط قاسية جدا،وتلك بدورها عواصف من النوع الثقيل تفرض نفسها سواء على حماس كما على من سيتعاملون معها مستقبلا? الدكتور ابراهيم البحراوي المحلل السياسي وخبير الشؤون العربية قال إن السؤال الرئيس اليوم أصبح كالآتي،هل تستطيع حركة حماس التي قررت دخول العملية السياسية للمشاركة لأول مرة في الانتخابات التشريعية?،? أن تقايض مطلب نزع سلاحها وتغيير ميثاقها بعرض إسرائيلي للسلام يتضمن الانسحاب من الضفة واعادة القدسالشرقية والسماح للاجئين بالعودة الى ديارهم؟ أم أن حركة حماس قررت السير في طريق القبول بالطروح الإسرائيلية والأمريكية التي بدأت في كامب ديفيد عام2000 إن الإجابة عن السؤال ونقيضه أمر لا يمكن القطع به قبل انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المقرر عقدها في الثامن والعشرين من مارس المقبل،لمعرفة من سيقود إسرائيل وطبيعة مواقفه.