كان يوم الاثنين السابع من رمضان يوماً تعيساً كئيباً ثقيلاً على نفسي بكل المقاييس؛ ففي هذا اليوم فقدت فيه معلمي وقدوتي وحبيبي وقرة عيني ومن كان له الفضل بعد الله في وجودي.. لم يكن والدي بجميع المقاييس شخصاً عادياً، وهذا ليس رأيا ولكنه شهادة الآخرين، فقد كان يجمع بين طاعة الله وخدمة الناس، فهذا أحد أصحابه يحدثنا ويقول: (لم أعرف أحداً بشهامته)، وهذا صديق لأخي يقول: (لم أعرف أحداً أطيب منه، لقد كان أكثر طيبة وعطفاً من جميع أصدقاء والدي، بل حتى أنه أطيب وأكثر شفقة من والدي علينا)، وهذا صديق لي يقول: (لا أعرف منذ عرفت الحياة أحدا يعاملنا كرجال مثله منذ كنا صغاراً)، وهذا قريب له يأتينا معزياً ويقول: (إن والدتي تقول لنا دائما إذا ضاقت عليكم الدنيا اذهبوا إلى أبو عبدالعزيز، خلال أيام العزاء كان يأتينا أناس كثير نعرف بعضهم يتحدثون عن معروفه على فلان وخدمته لفلان).. لقد كان يوم وداعه يوماً مشهوداً، في المسجد وفي المقبرة ثم في بيته، حيث تلقينا التعازي فيه، حدثني أكثر من معز فيه بإعجاب عن تنظيم الجنازة وقال لي أحد الأصدقاء: لعل هذا من علامات حُسن الخاتمة بإذن الله. لن يكون مقالي هذا رثاء في والدي، رغم استحقاقه لأكثر من ذلك مني ومن كل عزيز عليه، فهذه مشاعر أحتفظ بها لنفسي وهي أسرار بيني وبينه، أسأل الله له الرحمة والمغفرة ولكل مسلم، ولكن سأنقل لكم هنا تجربتنا في تنظيم الجنازة، وهي موضوع هذا المقال، وهذا الأمر يعاني منه كل من توفي عزيز عليه، حيث نجد حرص كل فرد منا على تنظيم كل شيء في حياته، ابتداء من اختيار والده لأمه وزواجه منها واختيار البيت والأثاث والسيارة، والاهتمام بدراسته وتعليمه.. الخ، وعند الموت غالباً ما يكون كل شيء فوضوياً؛ فالموت مصيبة تنسي وتربك، وكفى بها مصيبة، وللأسف أن البعض يرى أن عدم الترتيب والتنظيم جزء من جو الجنازة وأمر متلازم معها، وسأعرض هنا النقاط التي أرى أنها مهمة لتنظيم الجنازة، وهي تجربتنا التي عشناها في ترتيب جنازة الوالد رحمه الله، ويهمني مشاركة القراء فيها محبة مني لكم.. أسأل الله ألا يريكم مكروهاً في عزيز لديكم. وسألخص هنا مجمل الترتيبات، وهي مرتبة وفق تسلسلها الزمني غالباً: 1- بعد وفاة الوالد مباشرة اتفقنا مع باقي الإخوة على ما يلي: - تحديد وقت صلاة الجنازة ومكانها (عصر الغد في مسجد الراجحي). - نشر إعلان للإخبار عن الوفاة (وتم تحديد حجم الإعلان والصحف). - تحديد مكان العزاء وزمانه للرجال والنساء. - تحديد السيارة التي سيتم نقل الجثمان فيها للمسجد ثم للمقبرة. - عدم استقبال أي ولائم مع ان الأولى استقبالها، وذلك لظروف رمضان (وتم الاتفاق على ذلك لاختلاف برنامج السحور بين الناس من حيث الوقت ونوع الطعام، وعدم مناسبة الفطور لإقامة الوليمة). - عدم قيام أبناء المتوفى بأي عمل في الجنازة، وتفرغهم للدفن واستقبال التعازي. - الاهتمام بتنظيم الجنازة، وإتمام مراسم الدفن حسب سنة المصطفى، وعدم مغادرة القبر إلا بعد اكتمال الدفن. - مشاركة أبناء المتوفى في غسله مع المغسلين. 2- تم الاتفاق على إبلاغ خبر الوفاة للأقارب والأصدقاء، وتم توزيع الأقارب بين الأبناء لإبلاغهم. 3- تم تكليف أحد الإخوة بوضع صيغة الإعلان، واتخاذ اللازم بخصوص النشر وفق ما تم الاتفاق عليه من حيث الحجم والصحف، وينصح أن يتضمن الإعلان المعلومات التالية: اسم المتوفى، أسماء أبنائه وأماكن عملهم، اسم زوجته، أسماء إخوانه، مكان وموعد الصلاة عليه، رقم هاتف ثابت وجوال، وكذلك رقم فاكس لتلقي العزاء، رسم كروكي لموقع العزاء. 4- تم تكليف أحد الإخوة بترتيب مكان العزاء في البيت، وتجهيز السجاد والكراسي الإضافية والقهوجية. 5- تم تكليف أحد الأبناء بإحالة جميع دعوات الولائم إليه، للاعتذار عنها. 6- تم تكليف أحد الأبناء لاستلام الجثمان وإنهاء الإجراءات الرسمية مع المستشفى. 7- تم تكليف أحد الإخوة للترتيب مع المغسلة والمغسلين. 8- تم إبلاغ الأخوات بوقت الانتهاء من التغسيل للسلام على الجنازة في المسجد قبل الصلاة عليها، ومكان ذلك. 9- تم انهاء إجراءات استلام الجثمان ونقله إلى المغسلة قبل وقت كاف، يقارب ثلاث ساعات، وتم المشاركة في التغسيل من قبل أبنائه، ثم نقل الجثمان إلى النساء للسلام الأخير عليه. 10- تم تحديد موقف السيارة في المقبرة وسائق السيارة، والأشخاص الذين سيركبون في السيارة مع الجنازة إلى المقبرة، وتم وضع نعالهم وأحذيتهم جميعاً في السيارة حتى لا نضطر إلى التأخر عند الركوب بعد وضع الجنازة في السيارة. 11- تم تحديد الأشخاص الذين سيشاركون في النزول للقبر. 12- تم الترتيب مع بعض الإخوة للصلاة في مسجد جوار المقبرة، واختيار قبر مناسب لا يجاور قبورا أخرى حتى يستوعب المكان المشيعين، وتجهيز الطين واللبن والحصى مبكرا، حتى نتمكن من الانتهاء من العزاء قبل الصلاة المغرب. 13- عند وصول السيارة إلى المقبرة حملت الجنازة للصلاة عليها قبل الدفن، ونزل الأشخاص المعينون للنزول في القبر لاستلام الجنازة. 14- تم الترتيب مع بعض الإخوة لترتيب مكان تلقي التعزية في المقبرة، حيث تقف السيارات خلف الأبناء لتكون خلفية لأهل المتوفى، ووضع حاجز بشري أمام أهل المتوفى يسمح بمرور المعزين لتنظيم استقبال العزاء من جهة واحدة من اليمين إلى اليسار أو العكس، للتسهيل على المعزين وكذلك على أهل المتوفى، والتنبيه على أن يكون تقديم التعازي مصافحة فقط. 15- تم تحديد أربعة أشخاص لمرافقة الأبناء الأربعة من القبر بعد الانتهاء من الدفن إلى مكان العزاء حيث يكون العزاء في المكان المحدد بحضور الجميع، وتم الدفن بمشاركة جميع الأبناء، والدعاء للميت ثم تم مصاحبة الأبناء إلى المكان المحدد لاستقبال التعازي في المقبرة. 16- تم تحديد مجموعة لاستقبال المعزين في المنزل وتنظيم دخولهم مكان العزاء، ومن ثم استضافتهم. 17- تم تحديد وتنظيم مكان إيقاف السيارات وتكليف احد الإخوة للتنظيم خاصة في مكان عزاء النساء. 18- تم تكليف احد الإخوة بترتيب سحور كل يوم، حسب العدد الموجود قبل السحور بساعة. 19- تحذير طريف بأن هناك العديد من الاتصالات ترد على هاتف العزاء، تطلب مساعدة أو تستغل عاطفة أهل المتوفى في مصابهم، للحصول على ما يمكن الحصول عليه منهم، وتزيد هذه الاتصالات حسب حجم الإعلان ومناصب ذوي المتوفى، ويركز فيها على النساء. أرجو من القراء عدم تحميل هذا المقال ما لا يحتمل، فليس مقصودي فتوى شرعية أو بدعة مستحدثة، ولكنها من باب النصح لكل مسلم عملا بأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه)، حتى لو كان بشأن الموت. أسأل الله للقراء وللمسلمين السلامة من كل سوء، وألا يُري أحدا منهم مكروها في عزيز عليه. [email protected]