المتتبع لصورة الأندلس في الشعر العربي الحديث يجد دلالة على أن الصورة الحضارية للفردوس المفقود قد حفرت أخاديدها في عمق الوجدان العربي. يقول أحمد الطريبق: إن شوقي اتخذ الأندلس صورة تعبيرية لحالة النفي والاغتراب في مرحلة من مراحل شوقي الشعرية. كان الشعراء يوازنون بين الصورتين (المرأة والأندلس)، وبينهما أكثر من رابط وأكثر من وجه للشبه المقارن. يقول إبراهيم طوقان: لا بد لي إن عشت أن أعطفا على ربى الأندلس الناضرة يومئذ ألقي على عوديه لحن الهوى أمزجه بالعتاب أفدي بروحي غيد إشبيلية وأن أذقْن القلب صاب العذاب وقصيدة الشاعر طوقان لها مفتاح تجلَّى في الإهداء إلى فنانة إسبانية تعرف إليها في بيروت. الشاعر إبراهيم طوقان وضع إصبعه على الجرح الأندلسي ليرفعه متألماً على ما كان من فراق حضاري: يا أعصر الأندلس الخاليات قد فاز من عاش بتلك الربوع أهكذا كانت هناك الحياة مترفة الأيام ملء الضلوع أهكذا الفتنة في الغانيات ونشوة الوصل وحر الولوع لئن مضى عهد ذوينا وفات ولم يعد من أمل في الرجوع وبهذا الاستحضار المزدوج بين تجربة الفراق وتجربة السقوط من جهة وتجربة أخرى مماثلة اكتست القصيدة جمالية دلالية وذكاء لماحاً. كما أن الشاعر عمر أبو ريشة قدم عدداً من القصائد الجميلة عن الأندلس كانت البذرة المخصبة لدى شعراء استحموا في جداول النبع الحالم. يقول أبو ريشة: وثبت تستقرب النجم مجالا وتهادت تسحب الذيل اختيالا وحيالي غادة تلعب في شعرها المائج غنجاً ودلالا طلعة ريا وشيء باهر أجمال؟ جل أن يُسمَّى جمالا ويقول نزار قباني عن غرناطة في تجليات الحزن: لم يبق من غرناطة ومن بني الأحمر إلا ما يقول الراوية وغير (لا غالب إلا الله) تلقاك بكل زاوية لم يبق إلا قصرهم كامرأة من الرخام تعيش لا زالت على قصة حب ماضية!!