لقد مل المثقفون العرب وغير العرب الحديث عن عمر الخيام ورباعياته, ولقد كان لكاتب هذه السطور شرف الحديث المطول عن الخيام وعن الترجمات العربية لرباعيات الخيام على صفحات هذه الجريدة الجزيرة يوم كانت تصدر اسبوعية، وفي يوم الثلاثاء من كل اسبوع برئاسة الأخ الكريم الصديق عبدالرحمن المعمر أبو بندر أقول لقد مل المثقفون سيرة الخيام ورباعياته, ولكن نشر أوراق فارسية دون الالمام بالخيام ورباعياته يكاد يكون بمثابة الطعام حين يخلو من البهارات والأبازير والمشهيات. سأخص ورقة اليوم قارئي الحبيب باضاءة خفيفة عن الحكيم الفارسي عمر الخيام وشيء من سيرته العلمية أو القومية ولنترك رباعياته جانبا الى حين يأتي دورها في ورقات قادمة. ربما غطت شهرة الخيام الشاعر والخيام صاحب الرباعيات على كل جوانب الخيام الأخرى، وهو شخصية متعددة النشاطات العلمية، وربما كان الشعر أقل فضائله الفعلية يراجع كتاب الأدب الفارسي د, محمدي . لم يعرف العالم الخيام خارج ايران الا برباعياته التي أثارت جدلا كبيرا في الأوساط العلمية في أوروبا أولا ثم في كل المجامع العلمية التي بدأت تعطي الشرق والاستشراق شيئا من الاهتمام. والعجيب ان عمر الخيام لم يعرف داخل ايران بقول الشعر قط، بل كان أحد أفذاء علماء الفلك المرموقين في العصر السلجوقي، وكان يلقب بالحكيم الخيامي لتبحره في صناعة النجوم كما يقول السمرقندي صاحب المقالات الأربع ولم يشر احد من الذين تناولوا سيرة الخيام العلمية الى أنه كان من الشعراء أو من الشعراء المرموقين في زمن ازدحمت فيه سماء ايران بالشعر وبالشعراء، ان أول ميزة يحسها الباحث في حياة الخيام هي أن جميع معاصريه تحدثوا عنه بكثير من الاجلال والتقدير والاحترام لمكانته العلمية المرموقة، فقد أطلقوا عليه ألقاب الاكبار والتكريم مثل الامام والدستور وحجة الحق وفيلسوف العالم وسيد حكماء المشرق والمغرب. فقد جعله الشهرزوري تالي ابن سيناء في علوم الحكمة، وقال القفطي: الفرد الوحيد في الحكمة والنجوم دون ريب , وقال عنه عماد الدين الكاتب: انه بلا مثال في جميع فروع الحكمة والرياضيات والمعقولات , أما جار الله الزمخشري فيطلق على الخيام (حكيم الدنيا وفيلسوف العالم). ولاشك ان هذا الاحترام والاجلال للخيام نابعان من مقامه العلمي الساحق ولما كان مشهورا عنه من احاطة وتمكن في النجوم والطب فضلا عن المنطق والرياضيات، وفي هذا المجال روايات كثيرة تؤكد فضله وسعة علمه في تلك الميادين. لماذا الخيام روح تائهة؟ من أوائل الأبحاث التي كتبتها حول الخيام بعد تخرجي من جامعة طهران كان بحثا بعنوان غروب ايران في رباعيات الخيام وقد تناولت في ذلك البحث الحيرة التي استولت على طائفة من مفكري الفرس في القرن الخامس الهجري بعد ان استولى التراكمة (الغزنويون والسلاجقة) على ايران. لقد كان الصراع السياسي بين التورانيين الأتراك والايرانيين من حقائق التاريخ والسياسة والجغرافيا في وسط آسيا منذ أقدم الأزمنة بل ان ذلك الصراع كاد يكون لب وجوهر ملحمة أبي القاسم الفردوسي المعروفة بالشاهنامة. وكما يحدث دائما وعلى مدى التاريخ البشري فان الصفوة المثقفة في كل أمة هي أكثر الفئات حساسية بما حل ويحل بوطنها من ويلات وآلام. وان كثيرا من الرباعيات العمرية لو تأملها القارىء ودقق في مراميها لوجد ان الخيام كان يبكي مجد ايران الضائع نتيجة الدمار الهائل الذي ألحقته القبائل التركية المتوحشة بأرض ايران منذ انفتح الطريق بين مناطق ما وراء النهر وخراسان في شرق ايران حيث تدفق التراكمة على أرض ايران وأذاقوا الايرانيين ألوان البلاء والويل. فلنقرأ هذه الرباعية الآتية لنرى المغزى الخفي فيها: واحسرتاه على تلك القصور التي كان ملوك الفرس يحلونها هاهي اليوم مراح للوحش ووكر لسباع الطير لقد غاب المجد وصاح العز وزال السعد كفى أيتها العبرات فذلك شأن الدنيا منذ كانت (1) يجد المرء مثل تلك الرباعية الباكية مصاغة بحذق ولباقة ودهاء في شعر الخيام فقد كان يلجأ الى الاشارات والتلميحات والكنايات في تلك الرباعيات وربما كان هذا الملمح أحد أسباب تداولها سراً بين خلصائه وخاصة أصحابه فقد كانت الرباعيات بمثابة نجوى ونفثات يهمس بها الخيام في آذان أصدقائه وربما غمغم بها لنفسه في ساعات خلوته بنفسه, انها نفثة المصدور. (1) لقد فهمت الحياة جيدا، ولكن بعد فوات الأوان وا أسفي.