في الندوة التي نظمتها في جدة الأسبوع الماضي,, أحسنت جامعة الملك عبدالعزيز صنعاً حين جعلت الكلمة الرئيسية في الندوة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل فأعطت القوس باريها، صاحب الحلم الذي تحول على يديه إلى واقع ملموس بدعم الحكومة واستقطاب جهد الأهالي وذلك حيث نجح سموه في تأسيس صناعة سياحة حقيقية في منطقة عسير التي استقبلت صيف العام الماضي وحده 700 ألف سائح انفقوا 2000 مليون ريال. كانت كلمة مدير الجامعة قطعة أدبية رفيعة المستوى وافية دونما إخلال بعلمية الموضوع,, وكان مقدم الحفل الشاب النابه ياسر بدر كريم شبلاً حقيقياً يضارع والده بلاغة في الكلام، وفصاحة في اللسان. وكان المحاضر على مستوى الحدث تماماً ملماً بتفصيلاته,, استمعنا إلى القراءات الاحصائية والاستنتاجية الموثقة التي قدمها سموه عن أهمية المشروع السياحي عالمياً، وعن حتمية الاهتمام به محلياً للقضاء على آفة السياحة الخارجية وتوفير مصدر هائل للاقتصاد الوطني مع الحرص كما أكد سموه على عقيدة المجتمع وقيمه,. وقد ناقش القضية بموضوعية شديدة ورد فيها على تحفظات المتخوفين وأشاد بقرار مجلس الوزراء القاضي باعلان قيام الهيئة العليا للسياحة والسماح بالتأشيرات السياحية للمملكة وفق ضوابط. كثيرون ناقشوا سمو الأمير عقب المحاضرة وأعربوا عن اعتزازهم بما سمعوه لأول مرة عما دار ويدور في عسير,, وأعتقد شخصياً أن الأمير من خلال الندوة قد استطاع أن يستقطب الكثير من رجال المال والأفكار لصالح المشروع السياحي وهو هدف متقدم بلا شك للندوة. أما في كلمة أم القرى ,, وعاصمة المسلمين فقد كان المحاضر هو المحاضر ولكن الموضوع كان قراءة في كتابه القيم مسافة التنمية وشاهد عيان الذي يعالج فيه التجربة التنموية السعودية الكم والكيف والزمن من خلال منظورها في عسير. وأجاب سموه في البداية عن السؤال: لماذا هذا الكتاب؟,, ثم قرأ عوامل تفرد التجربة السعودية,. بعدها انتقل إلى الإمارة ومنهج الحكم السعودي ثم قصة تعيينه أميراً لعسير وكيف وقع في هواها من أول نظرة,. ثم قرأ جسور الصلة وأهمية العلاقات والاتصالات الشخصية واستكمل سموه قراءة الباب الأول عن تنسيق الخدمات وتنميتها والخطوات التنفيذية التي تم اتخاذها,, ثم عن التطوير الاداري وسوابق عسير في هذا الصدد, وفي الباب الثاني وعنوانه التنمية بدأ بالخدمات الأساسية: المياه والطرق والكهرباء، ثم أوجز تطور الخدمات الأخرى في المنطقة، وقد استعرض سموه بعد ذلك خطوات السياحة وهي المشروع الأساسي في تنمية عسير، وختم قراءته بشهادة شكر وتقدير وجهه إلى كل من ساهم في النهضة التنموية للمنطقة. هكذا كان الأمير المحاضر نجماً كعادته وأوفى الموضوع حقه تماماً لكني أعترف أنه رغم جهد القائمين على نادي مكة الأدبي فإن قاعة النادي لأسباب خارجة عن ارادتهم كانت أقصر كثيراً من قامة المحاضر,, وبالتالي لم يكن الجمهور يمثل الحضور المعهود للأمير,, وتسببت ضآلة امكانيات النادي في تفويت الفرصة على من يهمهم الموضوع وما أكثرهم. ونحن نعرف أن للنادي الأدبي في العاصمة المقدسة أرضاً,, كما نعرف أن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله قد وعد باعتماد البناء على الأرض ولئن كان القدر لم يمهله للوفاء بوعده لنادي مكة فقد عرف الخلق مدى البعد الإنساني الذي جعل يده رحمه الله تمتد بالبر خُفيةً في الداخل والخارج,, ولو قدر الله أن يكون بيننا لأنجز وعده لا شك,, ولكنه مضى وترك الوعد أمانة,, وليس أبر بالوفاء من والد الجميع مولاي خادم الحرمين الشريفين أطال الله عمره ومتعه بالصحة فقد شهدت مكة والبيت العتيق في عهده الزاهر ما لم تشهده قبلاً,, وما مقر النادي إلا لبنة خير وبركة,, ويده الكريمة لن تضني بها أبداً.