الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد: الشعر موهبة، يهبها الله من يشاء، منه ماهو حسن ومنه ما هو قبيح، وحسنه حسن وقبيحه قبيح، كما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ولأهميته سمى الله سورة في كتابه بسورة الشعراء، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا ، وقال صلى الله عليه وسلم مرة لشاعره حسان بن ثابت رضي الله عنه: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس، وقال مرة أيضاً للنابغة الجعدي عندما سمعه يقول قصيدة طويلة منها: فلا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال له عليه الصلاة والسلام: لا يفضض الله فاك فلم تنكسر له سن مع طول عمره, وروي أن حسان بن ثابت رضي الله عنه كان ينشد الشعر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما سمعت بشيء من الشعر أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة. والشعراء ينقسمون إلى قسمين، وذلك من حيث مدلول شعرهم، قسم هم الذين ذكر الله في قوله: (والشعراء يتبعهم الغاوون) وقسم آخر هم الذين استثناهم الله بقوله: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). فعلى من منَّ الله عليه بموهبة الشعر أن يحذر أن يكون من القسم الأول الذين يتبعهم الغاوون وفي كل واد يهيمون والذين يقولون مالا يفعلون، ويتأمل النصوص الواردة، كقول الله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون) يقول العلامة ابن سعدي في تفسيره عند تفسيره لهذه الآيات: والشعراء: أي هل أنبئكم أيضاً عن حالة الشعراء، ووصفهم الثابت، انهم يتبعهم الغاوون عن طريق الهدى المقبلون على طريق الغي والردي، فهم في أنفسهم غاوون، وتجد تباعهم كل غاو ضال فاسد، ثم قال رحمه الله : (ألم تر) غوايتهم وشدة ضلالهم (انهم في كل واد) من أودية الشعر (يهيمون) فتارة في مدح، وتارة في قدح، وتارة يتغزلون، وأخرى يسخرون، ومرة يمرحون، وآونة يحزنون، فلا يستقر لهم قرار ولا يثبتون على حال من الأحوال (وأنهم يقولون مالا يفعلون) أي هذا وصف الشعراء، أنهم تخالف أقوالهم أفعالهم فإذا سمعت الشاعر يتغزل الغزل الرقيق، قلت هذا أشد الناس غراما، وقلبه فارغ من ذاك، وإذا سمعته يمدح أو يذم قلت: هذا صدق وهو كذب، وتارة يمتدح بأفعال لم يفعلها وتروك لم يتركها وكرم لم يحم حول ساحته، وشجاعة يعلو بها على الفرسان وتراه أجبن من كل جبان هذا وصفهم, أ, ه وقد ذكر ابن كثير في تفسيره، عند تفسير قوله تعالى: (في كل واد يهيمون) ذكر قول الحسن البصري، حيث قال : قد والله رأينا أوديتهم التي يخوضون فيها، مرة في شتيمة فلان، ومرة في مديحة فلان. وهذا النوع من الشعراء، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانشغال بشعرهم فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض لنا شاعر ينشد فقال: أمسكو الشيطان، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا . نسأل الله سداد الأقوال، والبعد عن الزيغ والضلال، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد.