القافلة تسير والناس في عمل دؤوب على وجه الأرض في أخاديدها وهضابها وسهولها وجبالها ليعمروها بكدهم وجهدهم، وسيبقى هذا ديدنهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لتبقى الحياة نابضة بأنفاسها وبما قدر الله لها، فكل شيء في هذا الكون بتقدير إلهي لقوله جل من قائل: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}. إذ جعل الله التفاوت ملحوظا في عقول بني البشر لتبادل المنافع وحتى تسير الأمور على ما قدره الله لها، وليكون هناك أيضا انسجام في الحياة، وليخدم بعضهم بعضا لتكون الألفة والمودة وتكون الحياة إيجابية لها طعم ومعنى، ويعيش الجميع في وفاق ووئام. ولابد للناس من منهج يسيرون عليه ليرتقي تفكيرهم ويترجم ذلك عمليا على أرض الواقع بإجماع الجميع بعد رأي ومشورة؛ لأن الباري جلت قدرته أوجد ذلك في محكم كتابه حيث يقول: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}. وجعل ذلك منهج أنبيائه ورسله. فمبدأ الشورى عظيم لما فيه الخير، والشورى في حد ذاتها فيها النعم العميمة والنماء الوفير، وعلى أثرها تكون اللحمة قوية والنسيج متكاملاً، والبناء قويا شامخاً، فهي جوهر وأساس وركيزة لكل عمل فيه مصلحة. ونقطة البداية لكل خير، وأقولها بملء فمي وأكرر: هي نقطة البداية لكل خير؛ لأنها المحور الأساسي لنا في كل زمان ومكان. وقد حثنا عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل الأوقات، حتى في النوازل والخطوب والملمات، وفي أحلك الظروف والأزمات، وهي تزيل الضغائن والأحقاد من قلوب أصحابها، وتقهر الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر، لذلك يقول المثل: الرجال ثلاثة: أكملهم - ولله الكمال وحده - من يستشير ويُستشار. ولقد استشعر ولاة أمرنا - أدام الله عزهم - تلك الصفة الحميدة والمنقبة الجليلة من دروس المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فأخذوا بها منهجا وطريقا ليذللوا الصعوبات التي تعترض مسيرتهم ونهج حياتهم، ومصالح مجتمعاتهم، فأنشؤوا عاليات الصروح لهذا الشأن، ولم يقفوا عند حد في هذا المجال بل أصبحوا ينيرون طريق من بعدهم من الأبناء والأحفاد ليسيروا على الجادة، فها نحن نرى أميرنا المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الجوف رعاه الله، سلك مسلك أسلافه في التشاور والنهوض بهذه المنطقة؛ ليوصلها إلى ما يصبو إليه وفقه الله. وقد جرت عادة سموه حفظه الله بأن ترجم المشورة عملياً وذلك باجتماعه مع أعيان البلد والغيورين بتوجيه من سموه - حفظه الله - باجتماع مديري الدوائر الحكومية في أول ثلاثاء من كل شهر، حيث إنه من خلال الاجتماع يوجه الحاضرون أسئلة أو اقتراحات ومطالب غير شخصية أو انتقادات بنَّاءة للمسؤولين ليجيبوا عنها أمام الحضور على مرأى ومسمع من سمو الأمير. والجدير بالذكر أن سموه شدد في جلساته الخاصة والعامة على أن تُطوى صفحة الماضي؛ فنحن أبناء اليوم، نخطط ونكدح ونؤسس لبناء المستقبل الواعد. كما أن الاجتماع لاقى أذنا صاغية وتشجيعا وافيا؛ إيمانا وقناعة من الجميع بأهمية ذلك، والجميل أن سموه جعل اللقاء عبارة عن حوار مفتوح يدلي كل واحد منهم فيه بدلوه ليصلوا إلى بغيتهم في المشورة، والحديث متجاذب بينهم، فهذا ناقد، وهذا مقترح، وهذا صاحب رأي، وكلهم قاطبة يريدون أن تتبلور الفكرة؛ ليتوصلوا إلى نقاط رئيسية مهمة تخدم المصلحة العامة، لتبنى عليها الأسس المستقبلية. وهذه سابقة لسمو أميرنا المحبوب فهد بن بدر بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - على مستوى المملكة عامة ومنطقة الجوف خاصة، وهذا ليس بغريب عليه، فالشيء من معدنه لا يستغرب، فهو من دوحة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، ويدل ذلك على حرص سموه على نزع الطابع الرسمي وتقريب وجهات النظر، وذلك عن طريق كسر الحواجز بين المواطن والمسؤول؛ لأنه مؤمن بهذا المنهج الرباني العظيم، منهج الشورى الذي تظلله سحائب الخير على مر الأيام. والناظر إلى هذا اللقاء يؤمن إيماناً صادقاً ووافياً بأن سمو الأمير يجعل جل همه احترام الناس وتقديرهم وقضاء حوائجهم وتذليل الصعوبات التي تواجههم ويعمل لمصلحتهم، والبرهان على ذلك أنه أوجد مثل هذه اللقاءات، حيث يستمع إلى آرائهم ويأخذ بوجهات نظرهم السديدة، ليكون هناك التكاتف والتعاضد والتآزر والتعاون بإذن الله. وقد جعل الملتقى الأخوي يجري فيه الحوار بين المواطن والمسؤول بكل أخوة وانشراح صدر وأريحية، وهذه لفتة من سموه سطر فيها معنى سياسة الباب المفتوح، لذا من الواجب علينا نحن أبناء منطقة الجوف أن نشكر أميراً أبى أن يذوق طعم الراحة بين جنبيه إلا بعد أن يوفر لأبناء وطنه ما يتوق إليه ويشتاق، ومن على هذا المنبر. أوجه شكري لأميرنا المحبوب الذي يستحق ذلك وهو له أهل، كما لا أنسى أن أشكر مسانديه ومعاونيه على مثل هذه المبادرات القيمة ذات الجدوى العظيمة. لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(من لا يشكر الناس لا يشكر الله). والله أسأل - وهو خير من سُئل - أن يحفظ لنا سمو أميرنا المحبوب، وأن يديم عليه نعمه الكثيرة الظاهرة والباطنة، وأن يجعلنا وإياه مفاتيح لكل خير مغاليق لكل شر، كما أسأل الله أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والأمان، في ظل قيادتنا الراشدة المرشدة. [email protected]