ما أجمل الوفاء! وما أروع الإخلاص! وما أحسن الحب الصافي! وخاصة في هذا الزمان، أريجه كالمسك ورائحته كالعنبر، وعبيره كعبق الطيب. حديثي لك أخي القارئ في هذه العجالة عن رجل طويل الباع في أبواب الخير، من سلالة قوم أمجاد، كرام أنجاد، له شرف باذخ تعقد بالنجوم ذوائبه، وموضعه من أهل الفضل موضع الواسطة من العقد، فهو رجل ذكي فطن، جاد حازم، حر أبي كريم معطاء تتفجر من أنامله ينابيع الجود. إذا نظرت إليه أحببته، يحب خصال الخير ويتمتع بها، بار بمن لا يعرف، فكيف بمن يعرف؟ يقضي حوائج الناس، سخي اليد، عالي الهمة، يهتز للمكارم، ويرتاح لإسداء الجميل، كما يرتاح للكرم النزيل، وللشفاء العليل، وفي ذلك يقول الشاعر: فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير ولسان حالك يا أخي يقول من هذا يا ترى؟ إنك اشتقت لمعرفته وذكر اسمه فأقول بكل فخر واعتزاز إنه والدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الذي تربع على سدة الإمارة ردحا من الزمن، وما زال عطاؤه متواصلا في كل خير ونماء، ولا تكاد تخلو جمعية خيرية في ربوع بلادنا إلا وأسدى لها الخير، وقدم لها العطاء، فتسنم ذروة المجد واعتلى قمة الهرم في الفعال الحميدة والشمائل الطيبة، والإحسان العظيم، ويقول الباري جلت قدرته: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }الآية. يحب الناس قريبهم وبعيدهم، يفرح لأفراحهم، ويحزن لأتراحهم، عاش مع إخوانه وأشقائه حياة ملؤها الخير والمحبة والوئام بين أفياء الدوحة السعودية الوارفة الظلال. ولما تناقلت وسائل الإعلام الثلاثة المقروءة، والمرئية، والمسموعة، خبر وفاة قائدنا وربان سفينتنا كان الخبر ثقيلا على قيادتنا الرشيدة ممثلة بوالدنا الأكبر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وعلى أبي فهد بالطبع، وعلى أنفسنا جميعا نحن أبناء المملكة الحبيبة المعطاءة، وعزاؤنا هو إيماننا العظيم بالله عز وجل، وإيماننا بقضائه وقدره لقوله عز من قائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }الآية. وقد كان لي قصب السبق بأن كتبت عن (القائد الراحل) بعنوان (دموع الملك عبدالله هيجت أشجاني) وقد نزل ذلك في جريدة الجزيرة يوم الجمعة الموافق 28-7- 1426ه، لكنني كنت على يقين بأنني لم أعط القائد الراحل حقه. وفي نظري كان من الواجب أن أشكر من يستحق الشكر، لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). ومن على هذا المنبر فإنني أشكر الأسرة الحاكمة كبيرهم وصغيرهم والشعب السعودي الوفي لما قدموا لقائدنا الراحل طوال عهده من حب ووفاء وإخلاص. وأخص بالشكر والدي سلمان الخير فقد كان وفيا بارا بوالديه، وذلك بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وامتد بره إلى إخوته عامة وشقيقه القائد فهد خاصة حتى لحظة الوداع، وكان ملازما له ملازمة العين لأختها في حله وترحاله وذهابه وإيابه، بل كان ملازما له كالظل، ولا تكاد تخلو جولة ولا صولة إلا وتجده معه. كما وأنني تصفحت صور ذلك القائد الفذ، فانصبت اهتماماتي على مرافقيه، فلم أشاهد صورة له رحمه الله رحمة واسعة إلا وأجد وراءها أميرا أحبه قلبي وفؤادي إنه سلمان بن عبدالعزيز إلا ما ندر. وليس هذا غريبا على سموه لأنه استمد ذلك كله من توجيهات ربان سفينتنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين فيسير على ما سار عليه أسلافه من آل سعود فديدنه الخير والوفاء في العسر والرخاء، والشكر دائما ترجمان النية وشاهد الإخلاص، فنشكره شكرا جزيلا على ما أنعم الله به عليه من السيرة العطرة والأخلاق الفاضلة التي هي بمثابة حلة خير كساها الله إياها وجلاها للناظرين أينما كان، فحينها تذكرت قول الشاعر: لك سيرة كصحيفة ال أبرار طاهرة نقية والدي سلمان أقولها وبصراحة تامة ويقين جازم بأن التاريخ لن ينسى فهدا ورجالاته وسلمان ووقفاته، ووقوفك مع القائد الراحل في جميع شؤونه ولحظات حياته ومجالاته واستراحته ونزهاته ومرضه وعافيته حتى آخر أيامه يترجم حبك له دائما في ساعة من ليل أو نهار، فلك في قلوبنا المودة ما يزكيه سناؤك، وفي صدورنا من الإجلال ما يرفعه بهاؤك، وبصماتك الخيرة ظاهرة للعيان في كل مكان، بل ووقفاتك الحانية بين الأقارب والأباعد كالشمس المشرقة. هذا وإني لأعلم يا والدي علم اليقين أن سموك لا يريد ثناء ولا شكرا إلا من رب العزة والجلال، لأن هذا هو منهجك الذي اقتبسته من آبائك وإخوانك. عذرا يا والدي على هذه السطور التي لم تف بحقك، ولا حق قائدنا، والعذر عند كرام الناس مقبول، وما هذا إلا غيض من فيض، ودافع من سويداء قلبي دفعني إلى أن أمسك بيراعي وأسطر ما جاشت به نفسي تعبيرا موجزا عن حسنة واحدة من حسنات سلمان، وليس لنا إلا أن نلجأ ونتضرع إلى الله العلي القدير في مكافأة فضلكم على ما كان منكم، وهو الذي يتولى إيفاءك الأجر والمثوبة. وأنتم حفظكم الله قادتنا وولاة أمرنا وقدوتنا وسراجنا الوقاد لنضيء به دروبنا، والعون لنا بعد الله، فلعل مجتمعاتنا يقتدون ببركم وعطائكم في زمن قل فيه البر والعطاء لأقرب الناس. فتحية عطرة مضمخة بشذى الطيب وعبير المحبة والتقدير والإجلال أزفها إليك والدي عبر الأثير لتعانق سموكم، وتقبل هاماتكم. وسلاما عاطر الأردان أرسله إليكم من وادي النفاخ من أرض الجوف في أقصى الشمال إلى واسطة العقد وجوهرة المدن والعواصم في ديار نجد إلى الرياض الغالية وأميرها. والله أسال وهو خير من سئل أن يديم على بلادنا نعمه الكثيرة الظاهرة والباطنة وأهمها وعلى رأسها نعمة الأمن والأمان في ظل قائدنا وولي أمرنا الوالد الأكبر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وأن يحفظ لنا سلمان ذخرا وعطاء للدين والمليك والوطن. * [email protected]