المتابعون للإعلام المحلي وشبه المحلي هذه الأيام سيلحظون سطوع نجم هذين الاسمين فيه بدرجات متفاوتة، وهما اسمان لشابتين سعوديتين. الأولى: أستاذة جامعية في تخصص الفيزياء في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، والثانية: طبيبة أسنان في أول الطريق. وسبب شهرة هاتين الأختين أن الأولى وهي الدكتورة ريم حصلت على جائزة دولية مرموقة في الفيزياء تسلمتها في حفل كبير في باريس، وهي أول سعودية تحصل على جائزة في هذا التخصص العلمي الصعب الدقيق الذي يتحاشاه عباقرة الرجال استصعاباً له، وقد قامت الدكتور الفاضلة بعمل عظيم لا يقل في روعته ودلالته عن تلك الجائزة حينما صعدت منصة التتويج وهي محجبة بحجابها الإسلامي الكامل وملتزمة بزيها السعودي المعروف الذي تمثّل فيه المرأة السعودية أستاذة وطبيبة وطالبة ولا يعرف الناس الفتاة السعودية في الجامعة والمدرسة والسوق والمستشفى والحرم وغيرها من الأمكنة والمنتديات إلا بهذا الزي الذي ابرز ما فيه غطاء الوجه بالحجاب أو النقاب مع ستر الجسم بلباس فضفاض كالعباءة أو ما في حكمها، وتبلغ الجرأة والعزة والثقة مبلغها عند الدكتورة الفاضلة أن يكون ذلك المشهد في وسط باريس التي حاربت الحجاب وضاقت ذرعاً بفتاة مسلمة فرنسية ألقت منديلاً على رأسها، ثم تأتي بنت السعودية الحقة فتتحداهم بهذا اللباس الأسود المهيب الشامخ شموخ عقل وفكر ونفس من ترتديه، وليتها جاءتهم سائحة أو زائرة لكان الأمر أهون عليهم، وإنما جاءتهم تتسلم جائزة علمية كبيرة في تخصص كانوا يرونه بعيداً على رجالنا فكيف بنسائنا اللاتي يرونهن في حضيض الأمية والتخلف. وأما الأخت الثانية وهي الطبيبة الشابة رجاء فسبب شهرتها واحتفاء الإعلام المحلي بها احتفاء غير مسبوق أنها أصدرت رواية عنوانها (بنات الرياض). وقد حاولت الكاتبة فيها أن تكشف المستور وتلامس المحظور وترسم للقارئ صورة غير مألوفة ولا محمودة عن بضع بنات من سكان الرياض يرتكبن أعمالاً يعدها الناس في هذا المجتمع وغيره من المحرمات، ويزداد الأمر غرابة عندما تحدث في مجتمع نسائي محافظ، فلم يعتد الناس على سهرات نسائية تتبادل فيها رؤوس الشيشة والمعسل بأنواعها المنتنة وتتنكر فيها بعض الفتيات في ملابس رجالية وتقود إحداهن السيارة من أجل معاكسة الشباب واصطيادهم في الأسواق التجارية، إلى غير ذلك من الصور التي تضمنتها الرواية، وهي صور وسلوكيات تهدم ولا تبني، ولا يستفيد المجتمع المسلم المحافظ من مثل هذه الأعمال التي تسمى أدباً إلا إشاعة الفاحشة وتزيين المنكرات وتحسينها في نفوس المراهقات. وقد تقول الأخت الكاتبة ومن يؤيدها إنها مجرد واصفة لحال فئة من المجتمع دون تأييد أو استحسان، وأنكم أيها الرافضون لذلك كالنعامة التي تدس رأسها في الرمل وتحاول طمس الحقيقة، وقد قالت الكاتبة ذلك فعلاً في روايتها، ولكن كلامها غير مقبول، لأننا نعرف أن مثل هذه الفئات موجودة في كل مجتمع وكل زمان ومكان، ونحن لا نزكي مجتمعنا ولا نقدسه ولا ندعي له العصمة؛ لأن العصمة لم تحصل لمجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته فكيف بمجتمعنا، ولكننا نحاكم الكاتبة وهي سعودية مسلمة سليمة الفطرة إلى الهدي النبوي الكريم الذي يأمر بستر العيوب وعدم المجاهرة بالفواحش، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، وما يزال المسلم في عافية مادام مستتراً بستر الله، وإذا جاهر حرم المعافاة، وأنا اذكّر الكاتبة الكريمة بهذه المعاني التي ربما غابت عنها، وإني لأحسن الظن بها وأحس فيها بخير كثير، ولكني أخشى عليها من أن يجرفها الإعلام ويسحرها ببريقه، وأود منها أن تحاسب نفسها مادامت في أول الطريق، وألا تغترّ بكثرة ما كتب عنها وعن روايتها، ولتعلم أنه تطبيل غالبيته من طيف واحد، وإذا كانت تريد أن تعرف حقيقة إنجازها الكبير الذي قدمته لوطنها وأمتها فلتقارنه بذلك الإنجاز الكبير الذي قدمته أختها المحتشمة المحجبة الدكتورة ريم الطويرقي، وتنظر كيف تعامل الإعلام معهما بمكيالين؛ فأهمل ذلك الإنجاز العلمي العظيم، واحتفى بإنجازها الذي لو قُوّم تقويماً حقيقياً منصفاً لما حظي بهذه الهالة. وإني لأعلم أن بعض النقاد والكتاب الذين كتبوا عن هذه الرواية سيقولون: الأدب حرفتنا ولا علاقة لنا بالفيزياء حتى نكتب عنها، وأود الرد عليهم بأمرين: الأول: أنني لم أر عملاً وطنياً خالداً قامت به امرأة سعودية أعظم مما قامت به الدكتورة ريم. الثاني: أين أنتم عن الرواية السعودية الرائعة غير المسبوقة التي كتبتها شابة سعودية في عمر الكاتبة رجاء ومن نفس المنطقة والبيئة عنوانها: (مدائن الرماد) للكاتبة بدرية العبد الرحمن، وفيها من الخيال والحبكة والمضمون ما لم اره في رواية سعودية، وحجمها ضعف حجم رواية بنات الرياض.