ما يُغطي أجسامنا، ويواري سوءاتنا، ويحفظ لنا وقارنا، ويحمينا من الشر المتربص بنا هو اللباس الذي شرعه الله «سبحانه وتعالى» لنا، وقد قال في محكم كتابه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). التوصيات والضوابط التي شرعها الله «سبحانه وتعالى» حول اللباس هي روح اللباس ومعناه، وهي الغاية التي من أجلها حفز الشارع الناس على لسان رسوله الكريم ليتأملوا ما يلبسون وما يستترون به. في هذا الوقت وفي هذا الزمن الذي أُبعد فيه الدين عن سلوك الإنسان، وحصر في المسجد وفي الممارسات العبادية التي يؤديها المسلم، وفي سباق الموضات والموديلات والصرعات، وما يصحبها من دعايات دفعت ابناءنا وبناتنا إلى خيارات غير سويّة في اللباس، كان لزاما أن نذكّر، وأن نعيد توجيه البوصلة إلى الهدف الحقيقي من اللباس، وهنا اشارات قد تساعد في التنبيه من الاسترسال وراء الموضات والصرعات. إن بعض الموديلات التي تتسابق الفضائيات في الإعلان عنها وتظهيرها، لا فرق بين لباسها وعدمه، ومن أغرب الأمور تلك الإعلانات الخاصة للمحجبات، من قبيل لا تحرمي جسمك من جماله الأخّاذ، أو تحجّبي ولتبقَ أنوثتك، ومع ما يمكن أن تحمل عليه هذه العبارات من محامل خيّرة، إلا أن صور اللباس المقصود بالإعلان لا يقبل تلك المحامل ولا يرتضيها. الإشارة الأولى: اللباس الساتر وليس اللباس الكاشف هو ما تحث عليه شريعتنا الغرّاء، الفرق بين لباس المسلم وبين لباس غيره، هو أن المسلم يمضي في لباسه إلى أفق أبعد من مزاجه، ويخضع لمعادلات قد لا تتفق مع السائد والمنتشر بين الناس. لباس المسلم لا ينفصل عن إسلامه ودينه وقيمه، فللشارع المقدّس استهدافات أرادها من اللباس، ولو أراد الإنسان العودة لما ورد من روايات ضابطة لشأن اللباس، وما يُشترط فيه من شروط كي يُعدّ لباساً مقبولاً للمسلم لما وسعت هذه المقالة للتعامل الحِرَفي مع رواية واحدة من تلك الروايات والأحاديث الكثيرة. لقد نظر الشارع إلى جسم المسلم فأعلى مكانته، واحترم تفاصيله، وفرض حمايته المادية والمعنوية كي لا يتعرّض إلى الأضرار المادية والمعنوية، كأن يتحوّل إلى سلعة من سلع التجارة، أو وسيلة تسلية لإشباع اللذة والغريزة، ولذلك فرض لباساً ساتراً. الإشارة الثانية: لباس العفة وليس لباس الإثارة، فالستر لا يتحقق بمجرد التغطية؛ لأن التغطية بذاتها ليست الهدف الكامل من التشريع، بل هي ترمز إلى سعي حقيقي نحو العفة والطهارة، وهذا لا يتحقق باللباس المثير. اللباس الذي يُظهر تفاصيل الجسم لا يساعد على العفة وإن غطى الجسم، بل هو لباس يدفع للإثارة وهياج الغريزة، وهما أمران مخالفان لروح اللباس من وجهة نظر دينية وقيمية. إن بعض الموديلات التي تتسابق الفضائيات في الإعلان عنها وتظهيرها، لا فرق بين لباسها وعدمه، ومن أغرب الأمور تلك الإعلانات الخاصة للمحجبات، من قبيل لا تحرمي جسمك من جماله الأخّاذ، أو تحجّبي ولتبقَ أنوثتك، ومع ما يمكن أن تحمل عليه هذه العبارات من محامل خيّرة، إلا أن صور اللباس المقصود بالإعلان لا يقبل تلك المحامل ولا يرتضيها. الإشارة الثالثة: لباس الوقار وليس لباس الميوعة، فالستر والعفة يوصلان إلى الوقار، وحين يُفقد الستر وتُفقد العفة فلن يسود لباس سوى لباس الميوعة، الذي كثر انتشاره ليس بين بعض الفتيات فقط، بل نافسهن في ذلك الشباب أيضاً. لباس الميوعة هذا لا يعرف الخجل ولا الحياء، فهو يضيع رجولة الرجل، ويهين أنوثة المرأة حين يحوّلها إلى هدف لأعين الرجال ومثار لشهواتهم، وهو يظلمها لأنه يجعلها جسداً بلا وقار ولا عفة. أبناؤنا وبناتنا بحاجة إلى الاسترسال والحديث معهم عن هذا اللباس الذي لا ينفك عن أجسامنا، فما هي ضوابطه؟ وما هي مواصفاته؟ وأساسا ما هي نظرة الإسلام له؟