ورد في الأثر (السفر قطعة من جهنم) ولكنني أعتقد أن هذا الكلام أوشك أن يفقد الكثير من معناه في الوقت الحاضر بفضل تطور وسائل المواصلات الحديثة من سيارات وطيارات وقطارات.. إلخ. لذلك وجدتني أشد الرحال إلى آسيا الصغرى (تركيا). الطبيعة: تمتاز تركيا بموقعها الاستراتيجي كحلقة اتصال بين قارتي آسيا وأوروبا فتأخذ من الطبيعة الآسيوية تلك الشمس المشرقة وتأخذ من أوروبا الغيم والضباب ورطوبة الجو ونقاوته الساحرة، ومن المعروف جغرافيا أنه تكثر في تركيا الروابي والمرتفعات والجبال التي أنعم عليها الله بالكساء الأخضر الخلاب. النظام: مما يلفت نظر الزائرين في تركيا النظام المتبع في (أنقرا) واختلافه عن سائر أنظمة المدن الأخرى لكونها العاصمة ومقر الحكومة والسلك الدبلوماسي فتمتاز بالهدوء وتقل فيها الحوادث بمختلف أنواعها عن سائر المدن التركية الأخرى رغم أن عدد سكانها يتجاوز المليون ونصف مليون نسمة، وتمتاز مدينة أنقرا بكونها مدينة حديثة بالنسبة (لاستانبول) و(أذنة) و(صمصون) و(أزمير) وغيرها من كبيرات المدن التركية. شيء واحد يلفت النظر في تركيا هو كون العطلة الرسمية لموظفين والعمال والطلبة يوم الأحد بدلا من يوم الجمعة وفي يوم الأحد هذا تكاد تكون العاصمة خالية من السكان حيث يذهب الجميع أو الكثير منهم إلى المسابح العامة والضواحي القريبة بعوائلهم. لذلك يلزمك أن تبتاع جميع احتياجاتك في يوم السبت وأن تراعى شراء ما يكفيك إلى يوم الاثنين. العادات: تتخذ العادات التركية طابعا شرقيا ويدخل ضمنها الكثير من العادات العربية والإسلامية حيث يدعون بعضهم لزيارة بعض في المنازل حيث تجد صالة الضيوف مفروشة بالسجاد التركي و(المساند) و(المراكي) وستقدم لك الحلوى أولا ثم القهوة التركية أما أصناف الطعام فلا تختلف عن الأصناف العربية. من الأسماء التركية.. علي ومصطفى وعثمان وحسين وشاهين ويضيفون بعد كل اسم لقب أفندي أو بيك، ومن أسماء النسا عائشة وزينب ومريم وفاطمة ويلقبون الأخيرة ب فطوش) ويضيفون بعد اسم كل امرأة (هانم). تركيا المسلمة: إن ما يزيد الزائر إعجابا بتركيا هو عندما يحين وقت الصلاة حيث ترتفع أصوات المؤذنين منطلقة من كل حدب وصوب الله أكبر.. الله أكبر هذا النداء الخالد على مر الأجيال وعندما تدخل (الجامع) كما يسمون المسجد باللغة التركية سواء كانت تقام فيه صلاة الجمعة أم لا - ستجده مكتظا بالمصلين الذين يسارعون بنزع (طرابيشهم) ويستخرجون من جيوبهم (قلانس) بيضاء لتحل محل الطرابيش. وبعد صلاة الجمعة - عادة - تقام الصلاة ظهرا. ومن أطراف ما حدث لي في تركيا أنه في بداية وصولي إلى أنقرا دخلت مسجدا لأداء صلاة الجمعة وعند انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة وجدتني وحيدا أترنم كلمة (أمين) حيث قد شرع الإمام في قراءة السورة الأخرى، فشعرت حينها بشيء من الإحراج! رمضان في تركيا: تستقبل تركيا شهر رمضان الكريم كما تستقبله سائر الدول الإسلامية، كما يستقبل عيد الفطر بمظاهر الفرحة والبهجة وفي عيد الأضحى تنحر الأضاحي وتسمى الأضحية قربانا. التعليم الإسلامي: تنتشر في تركيا مدارس تعليم القرآن الكريم والإقبال على هذه المدارس منقطع النظير وعندما يقابلك طفل أو شاب ويعرف أنك من المملكة العربية السعودية يبدأ بتسميعك سورة من القرآن المجيد عن ظهر قلب. الآثار الإسلامية: ومن نافلة القول التحدث عن الآثار الإسلامية في (استانبول) حيث تشتهر هذه المدينة بالتصاميم العمرانية الإسلامية القديمة في مساجدها الشهيرة ويتوسط هذه المدينة أكبر ميدان في تركيا ويعرف باسم (ميدان التقسيم) ويوجد فيها أقدم وأكبر متحف إسلامي وهو متحف (أيا صوفيا) حيث يحوي أقدم الآثار الإسلامية كسيف الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومصحف عثمان رضي الله عنه. السياحة في تركيا: تعتبر أكثر المدن التركية اجتذابا للسياح مدينة استانبول حيث تعج بالأعداد الكثيرة من البشر على مختلف جنسياتهم ولغاتهم ويبلغ عدد سكان مدينة استانبول ثلاثة ملايين نسمة ونصف المليون تقريبا عدا السياح. طرائف من تركيا: كان أحد الأصدقاء قد وصل إلى تركيا منذ فترة وجيزة وفي أحد الأيام أراد أن يتغدا (رأسا منديا) فما كان منه إلا أن ذهب إلى أحد المطاعم وطلب من صاحبه أن يبيعه رأسا ولكن صاحب المطعم لم يتمكن من فهم ما كان يقصده (الصديق) وأخيرا وبوساطة اللغة العالمية (لغة الإشارة) اتضح أنه فهم ما أراده صديقنا فكلف أحد الخدم بمرافقته وما كان من هذا الخادم إلا أن أدخله أحد المساجد، فشكر الصديق ربه أنه لم يوصله لغير المسجد حيث صلى ركعتين وعاد بدون غداء. الطرفة الثانية: حكى لي شيخ تركي أنه كان في أحد المدن التركية رجل يعمل (مختارا) لأحد الأحيا واعتاد في منصبه هذا على إصدار الأوامر وتنفيذها من الآخرين وفي أحد الأيام أحيل هذا المختار على التقاعد فسئم حياة المتقاعدين وحن إلى حياة الأمر والنهي. وقد كان الماء يباع بجوار المساجد للوضوء، فوضع أناء كبيرا بقرب أحد المساجد وملأه بالماء وكتب عليه (ماء سبيل) ووضع بجواره عدد من الأباريق كل واحد له لون يختلف عن الآخر وجلس بجوارها وبيده سوطا فكان عندما يأتي أحد ليتوضأ ويأخذ أحد الأباريق ويهم بتعبئته من الماء يهز عليه السوط وينهره قائلا: دع هذا الأبريق الأحمر وخذ ذاك الأخضر فيرد عليه قائلا: أمرك يا سعادة البيك، وعندما يأتي آخر ويتناول الأخضر ينهره قائلا: دع هذا الأخضر وخذ ذاك الأزرق فيرد عليه قائلا: أمرك يا سعادة البيك وهكذا دواليك، وبذلك أشبع حاجة السلطة لديه. الرياض - سلاح الحدود