تفتح "الوسط"، ابتداء من هذا العدد، ملف "العالم الاسلامي الجديد"، عالم الجمهوريات الاسلامية الست التي نالت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته. هذه الجمهوريات الست كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان وقيرغيزيا وأذربيجان تشكل عالماً قائماً بذاته، يعيش فيه اكثر من 55 مليون نسمة ويضم ثلاثة من اشهر المدن الاسلامية، هي طشقند وسمرقند وبخارى. هذا "العالم الاسلامي" جديد لأنه استقل عن الاتحاد السوفياتي المنهار منذ عام - بين صيف وخريف 1991 - وهو، منذ ذلك الحين، بدأ يعيش صحوة اسلامية حقيقية، عميقة وواسعة. وهو جديد، ايضاً، بتطلعاته وطموحاته لبناء استقلال جمهورياته الحقيقي، بعد تحرره من الامبراطورية السوفياتية. لكن هذا العالم الاسلامي الجديد يعيش، حالياً، مرحلة بالغة الصعوبة، هي مرحلة الانتقال الى الاستقلال الحقيقي وتعزيز مقومات جمهورياته، في الوقت الذي تواجه دوله مشاكل عدة، اقتصادية واجتماعية، وصراعات عرقية. هذا العالم يبحث عن اصدقاء وحلفاء، ويريد ان يكون جزءاً من العالم الاسلامي الأكبر. وهذا المسعى حوّل الجمهوريات الاسلامية الست - خمس منها في اسيا الوسطى والسادسة تقع ما وراء القوقاز - الى ساحة صراع على النفوذ بين دول عدة ابرزها تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان، اضافة الى بعض الدول العربية. كما ان اسرائيل تحاول التغلغل في هذا العالم الجديد. لكن ما يميز ابناء هذا العالم هو تمسكهم بالاسلام، ديناً وهوية ومصيراً. أرواد اسبر، موفدة "الوسط" الى هذا العالم الاسلامي الجديد، أمضت شهراً كاملاً في هذه المنطقة المهمة والمثيرة من العالم، وزارت خصوصاً كازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان، وأمضت اياماً في كل من المدن الشهيرة طشقند وسمرقند وبخارى وألما أتا وباكو وسواها، وتحاورت مع مواطنيها والمسؤولين والمثقفين ورجال الدين فيها، وسألتهم عن هويتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم، وكيف يعيشون تجربة الاستقلال. وكانت حصيلة هذه الجولة سلسلة تحقيقات تنشر "الوسط" في هذا العدد التحقيق الأول منها. إضافة الى ذلك حرصت "الوسط" على ان تطلب من عدد من الخبراء والاخصائيين في شؤون هذه الجمهوريات الاسلامية الادلاء بآرائهم، سواء في شكل مقابلات او مقالات. وننشر في هذا العدد مقابلة خاصة مع السيدة هيلين كارير دانكوس وهي خبيرة فرنسية في شؤون الاتحاد السوفياتي السابق والجمهوريات الاسلامية وتتمتع بشهرة عالمية. وقد نشرت كارير دانكوس قبل سنوات كتاباً مهماً يحمل عنوان "الامبراطورية المتفجرة" توقعت فيه انفجار الامبراطورية السوفياتية وانتهائها واستقلال الجمهوريات الاسلامية. وفي هذه المقابلة الخاصة التي اجراها فيصل جلول في باريس، تتحدث كارير دانكوس بشكل خاص عن الصراع التركي - الايراني على هذه الجمهوريات الاسلامية، وعن دور المملكة العربية السعودية، وعن محاولات اسرائيل التغلغل في هذا العالم الجديد. وفي ما يأتي التحقيق الأول الذي كتبته موفدة "الوسط" الى هذه الجمهوريات بعد عودتها من رحلتها اليها. الساعة الثانية بعد الظهر في مدينة بخارى في جمهورية أوزبكستان. درجة الحرارة ربما كانت تتعدى الخمساً وأربعين درجة مئوية. في ساحة المدينة القديمة حول حوض الماء الكبير، وبين المدارس القديمة والجوامع، جلس شيوخ بخارى في ظل اشجار التوت التي شهدت احداث المدينة قبل 400 سنة. يتجمعون في "التشاي خانة"، يجلسون فوق الأسرة الكبيرة، يشربون الشاي الأخضر، على وجوههم ترتسم كل حكمة الشرق وعنفوانه. يتحدثون عن هذا التاريخ وتقلباته، وعن الحقيقة التي لا بد ان تنتصر في النهاية. هدوء هؤلاء الشيوخ بمعاطفهم التقليدية من القماش المخطط الملون وعماماتهم التي يلفونها حول "التيوبيتيكا" الطربوش المربع التقليدي في هذا الاطار الهندسي الذي لم يتغير منذ قرون، يعيدك الى الشرق القديم، عندما كانت القوافل تتبع طريق الحرير، واصلة بين الشرق الأقصى والغرب. وتنسى انك في منطقة تعيش تغيرات جذرية. ينتاب زائر جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية شعور قوي، دفين، بأنه يشهد ولادة عالم جديد، بعد انهيار العالم الذي كان اسمه الاتحاد السوفياتي. وترافق هذه الولادة، ظروف مأسوية بسبب الفقر والاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها هذه الجمهوريات، وترافقها كذلك تساؤلات كبرى: الى أين نسير؟ الى أين نتجه؟ كيف نبني استقلالنا وندعمه؟ ترى اي مستقبل ينتظر أطفال هذه المنطقة الذين خرجوا فجأة من عالم الطفولة؟ وإلى أي حد سيمضي الشبان الذين لا يفكرون الا بكسب المال بكل وسيلة في سباقهم اللاهث للّحاق بنمط المجتمعات الاستهلاكية في الغرب؟ كيف سيواجه هؤلاء الذين اعتادوا ان يكون كل شيء مرسوماً مخططاً ومقرراً مسبقاً ايام النظام الشيوعي هذا الوضع الجديد، وكأنهم فجأة انفصلوا عن الاب السلطوي المهيمن المتمثل بالحزب الواحد وبات عليهم ان يتحركوا ويبادروا بمفردهم؟ ام ان هذا الانفصال الفجائي سيدفعهم للجوء الى أب آخر جاهز يلوح غير بعيد عنهم؟ لكن هل ما زال هناك شيء يربطهم بالقدامى؟ فعندما تنظر في عيون الشيوخ تشعر ان هناك مواكب من الاسلاف بلا نهاية تعبر السهوب الضخمة وكأنك تراها تتلألأ في بريق هذه العيون. التغيرات السياسية في جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية الخمس تركمنستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزيا وكازاخستان كان من نتائجها الأولى والمباشرة عودة سكانها الى الاسلام وإلى ممارسة الشعائر الدينية والصلاة في المساجد على نطاق شعبي واسع وبشكل علني. ففي آسيا الوسطى يمتزج الوعي القومي والانتماء الثقافي بالانتماء الديني. والموروث الثقافي في جمهوريات آسيا الوسطى هو ثمرة الموروث الروحي والديني. وقد تفاجئك للوهلة الأولى ملصقات على الزجاج الأمامي للسيارات في طشقند أو بخارى، وحتى على بعض باصات الدولة، كتب عليها "لا إله إلا الله". لكن الدليل الأكبر على انتعاش الاسلام هو اقبال اعداد كبيرة من الاطفال على دراسة القرآن الكريم خلال عطلتهم الصيفية. في مسجد طشقند الكبير، عند صلاة العصر، كان معظم المصلين من المسنين يصحبهم بعض الاطفال الذين لا تتعدى اعمارهم العاشرة وفي يدي كل منهم سبحة يمسكها بفخر. فالدخول الى عالم الدين وتعلم القرآن مسألة جديدة بالنسبة الىهم. وهي مدعاة فخر واعتزاز، وشيء يميزهم عن غيرهم. في الجهة الثانية من الشارع تقوم مدرسة "برك خانة" التي بنيت في القرن السادس عشر. وقد اتخذتها ادارة المسلمين لماوراء النهر مقراً لها. ويترأس هذه الادارة المفتي محمد صادق يوسف وهو مسرور جداً، كما قال لنا "لأن الاقبال العظيم على العلم والصلاة عمّ لدى الشعب، خصوصاً بين الشبان، لذلك نهتم بالتعليم الحر عن طريق المساجد. وعددها في ازدياد، وفي كل مسجد عدد لا بأس به من الشبان يدرسون اصول الدين الاسلامي. هذا الوضع يبشر بمستقبل زاهر". من هو "المسلم"؟ يبلغ عدد المسلمين في الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً اكثر من 55 مليون شخص. وهذه الجمهوريات تشكل، مجتمعة، واحدة من اكبر القوى الديموغرافية الاسلامية في العالم، بعد اندونيسيا والباكستان والهند وبنغلادش، اي قبل بلدان الشرق الاوسط العربية وغير العربية تركيا، ايران وقبل بلدان المغرب العربي. هذه الشعوب التي صنفت كشعوب اسلامية ايام القياصرة، تحولت منذ العشرينات والثلاثينات الى قوميات، او بالاحرى اطلقت عليها تسمية قوميات، وتقطن اراضي خاصة بها. ترسخ الاسلام قبل الثورة بين التتر في حوض الفولغا وفي القوقاز وتركستان اي آسيا الوسطى نتيجة لطبيعة العلاقات مع الغزاة الروس وكعامل مقاومة. وبدأت تظهر بين هذه الشعوب حركات تحررية وطنية وتصحيحية. وقبل الثورة الشيوعية عام 1917 كانت هذه الشعوب تشكل مزيجاً ملوناً من اللغات والنظم الاجتماعية والاقتصادية والخصائص الثقافية التقليدية، كما انها تميزت بنخبة من المثقفين الذين اتقنوا اللغات المحلية والتقاليد والثقافات الاسلامية ولا سيما التركية على مستوى شامل، يحركها وعي سياسي قوي. وفي جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً 36 قومية مسلمة، يشكل الاكثرية بينها ذوو الاصول العرقية اللغوية التركية الذين يتجمعون بصورة رئيسية في آسيا الوسطى. اي ان 61 في المئة من مسلمي الاتحاد السوفياتي سابقاً هم اتراك يعيشون في آسيا الوسطى ولهم حدود مشتركة مع تركيا وافغانستانوايران. وعام 1924 اعيد رسم حدود آسيا الوسطى وتم توزيع هذه الشعوب بحيث تكون في كل وحدة ارضية اتنيات متعددة تتعايش. والقومية الواحدة لا تعيش كلها بالضرورة على الارض التي اعطيت لها. وكانت النتيجة ان هذا التوزيع والتقسيم مهد الطريق امام تكوّن الشعور بالانتماء العرقي القومي في اماكن لم يكن هذا الشعور موجوداً فيها قبل الثورة الشيوعية وحيث لم يكن اكثر من نزاعات بين عناصر محلية متباينة. فالقومية الاوزبكية، وهي الاكثر عدداً اليوم واكثر الاعراق المسلمة حيوية، تقدم المثال الافضل على ذلك، اذ كانت عملية توحيدها اصعب من غيرها. وقبل الثورة كانت مقسمة بين امارات بخارى وخيفا وتركستان. وكانت اكثرية السكان امية، وتتكلم لهجات تركية وايرانية الطاجيك ولم تكن تنتمي الا لأطر ضيقة، لا تتعدى المنطقة، ولم تكن تعرف امكانية وجود هوية اوزبكية. وعلى رغم جميع الوسائل التي بذلها الروس لنشر لغتهم، الا انهم لم ينجحوا تماماً في ذلك. ففي آسيا الوسطى والقوقاز حيث اللغات التركية والايرانية منتشرة غالباً ما تكون نسبة الذين يتقنون الروسية تماماً اقل من 30 في المئة. هذا يعني ان نسبة اكثر من 70 في المئة من السكان في هذه المناطق غير قادرة على فهم الدعاية والاعلام باللغة الروسية. وتسمية "المسلم" ضمن النظام السوفياتي كانت تشمل الشخص الذي يذكر على اوراق هويته انتماؤه الى قوم او قومية او جماعة كانت تعتبر مسلمة بشكل رسمي ايام القياصرة. والمناطق التي تتمتع بهذا الوصف يتم الاعتراف لها، نوعاً ما، بثقافة روحية ومادية خاصة بقوميتها. فهناك نمط حياة "مسلم"، يشمل الختان والعادات المتعلقة بالزواج والموت والاعياد الدينية الكبرى. كل هذا كان مقبولاً باعتباره فولكلوراً، الامر الذي كان يسمح لبعض الاشخاص ان يقولوا انهم شيوعيون اعضاء في الحزب ومسلمون. وقد يبدو لنا هذا متناقضاً. الا ان كل عضو في مجموعة عرقية مسلمة، وان كان غير مؤمن بشكل علني وصريح، خصوصاً اذا كان يسكن في منطقة مسلمة، فانه يبقى خاضعاً منذ ولادته وبشكل اوتوماتيكي عفوي لتعاليم الشريعة التي يطبقها القدامى. اي ان التربية والسلوك الشخصي استمرار لايمان الاجداد. اليوم في جميع السيارات في اوزبكستان، حتى سيارات الشيوعيين السابقين، علّقت سبحة وحرز. وهم يقولون "انا مسلم"، ويقصدون بذلك انهم ينتمون الى ثقافة وتقاليد حياتية نابعة من الاسلام. وشرح لي احد الشيوعيين السابقين انه خلال الاعياد والاحتفالات، يحتفل كل من الرجال والنساء وحده. وقال لي انه عندما يستقبل ضيوفاً وزملاء في بيته، يجلس مع الرجال في الصالون، بينما النساء يذهبن مع زوجته الى المطبخ، او يجلسن في غرفة اخرى. وعندما سألته، عن تصرفه هذا وهو شيوعي، اجابني: "انا شيوعي، صحيح، لكن قبل كل شيء انا رجل من الشرق!". "تغير الوضع لصالح المسلمين" قال لنا المفتي محمد صادق يوسف انه "بعد استقلال الجمهوريات الاسلامية تغير الوضع لصالح المسلمين". وفي رأيه ان اكثر المستفيدين من التغيرات السياسية الجديدة هم المسلمون. ويقول: "في السنتين الماضيتين فتحنا اكثر من ثلاثين معهداً. وفي طشقند اجتمع اخيراً مدراء المعاهد وناقشوا المشاريع الخاصة بالسنة المقبلة. نحن في سياق تطورات جديدة ونتطلع الى اكثر من ذلك". مدرسة "كوكلداش" في طشقند تشرف على ساحة تشورسو القديمة حيث كانت تمر طريق الحرير، وقد اعيدت الى ادارة المسلمين، شأن العديد من المدارس والمساجد، وخصص فيها قسم للنساء. هناك تجلس الطالبات في عزلة عن الرجال، بالحجاب الشرعي الكامل. اذا طرحت على احداهن سؤالاً حول ما تعلمته في المدرسة من فكر ماركسي، تهب غاضبة معتبرة ان مجرد طرحك هذا السؤال للاستفسار هو ايمان منك بالفكر الشيوعي. ولا يخطر ببالها ابداً ان السؤال يبتغي معرفة دوافعها للالتحاق بمدرسة قرآنية وارتداء الحجاب. فلا مجال للحوار حول هذه المسألة وحول رفض الحديث عن الماركسية. وعلى مقربة من سمرقند هناك مدرسة وجامع الامام البخاري وضريحه. عثمان خان بن تيمور خان، الامام الخطيب في المسجد أتم دراسة الشريعة في المغرب. وكان من اعضاء الوفد الذي رافق الرئيس الاوزبكي اسلام كريموف خلال زيارته للمملكة العربية السعودية. عندما سألته عن رأيه في تصريح كريموف بأنه لن يسمح للدين بالتدخل في شؤون الدولة، اجابني: "ان على كل انسان ان يتبع طريقه. للدين مشاغله وللدولة مشاغلها، والمهم الا يتدخل الواحد في شؤون الآخر". ويأتي عدد كبير من الناس لزيارة ضريح الامام البخاري. يحتشد معظمهم امام مكتب الامام لاستشارته في شؤونهم، او لمجرد التبرك. وقال لي الامام الخطيب ان صحن الجامع يمتلئ بالمؤمنين ايام الجمعة وخلال الاعياد. وفي صحن الجامع اشجار معمّرة، تمد في ظلها تلك الاسرة الكبيرة التي توضع فوقها طاولات صغيرة. ويتربع عليها الاوزبكيون يشربون الشاي ويتحدثون. اما الذين يأتون من بعيد، فيأتون بزادهم معهم. وبعد الصلاة يجلسون على هذه الأسرة للطعام. وخلال زيارتي لمسجد الامام البخاري وصلت مجموعة من النساء مع رجالهن، واتجهوا اولاً الى مثوى الامام البخاري، وله مكانة خاصة في قلوب الناس. ساعة الصلاة، دخل الرجال الى الجامع واغلقت عليهم الابواب، بينما تجمعت النساء للصلاة في المكان المخصص لهن. اصطفت المسنات بينهن في المقدمة وأدّين الصلاة. فيما الاصغر سناً جلسن يراقبن المسنات او يقرأن في كتب تعلم الدين، بدأت تطبع باللغة الاوزبكية لكن بالاحرف الروسية، وهي متوفرة في كل مكان الآن، وتباع عند مداخل المدارس القرآنية والجوامع. وطلبت احدى النساء مني، بالاشارة، ان اصورها مع صديقاتها ففعلت. كانت مناسبة نادرة، لأن اهل آسيا الوسطى لا يحبون كثيراً ان يصورهم الغريب، وهم يعتقدون اجمالاً ان قليلاً من روحهم يذهب مع الصورة. وهناك مدرسة قرآنية ملحقة بجامع الامام البخاري، وقد اضيفت اليها هذه السنة مدرسة لتعليم القرآن للصغار اثناء العطلة الصيفية. وبما انه ليس هناك بناء لاستقبال هؤلاء الصغار فقد خصص لهم مكان في بستان الجامع، احيط بقماش ابيض عريض. في هذا المكان يدرس الصغار وينامون في الهواء الطلق بانتظار انتهاء بناء المدرسة الجديدة. ووفقاً لما قاله لي المفتي محمد صادق يوسف، ففي مطلع كانون الثاني يناير الماضي بدأ في قيرغيزيا التعليم الديني في المدارس الرسمية. وهو يأمل ان يدخل ذلك في برامج المدارس الابتدائية في اوزبكستان، وقد تمت الاتصالات لهذا الشأن بوزارة التربية في طشقند. سنوات الاضطهاد والسرية منذ ايام الاتحاد السوفياتي، كان هناك اربع ادارات للمسلمين، يترأس كل ادارة مفتي. وهذه الادارات وضعت وفقاً للتقسيمات الحدودية والجغرافية. وهذه الادارات هي: ادارة المسلمين لماوراء النهر اي آسيا الوسطى وكازاخستان، و "ما وراء النهر" هي تسمية اطلقها العرب على البلاد الموجودة وراء نهر أموداريا. مقر الادارة طشقند، والمذهب السائد فيها سني، واللغة هي الاوزبكية التركية. ثم هناك ادارة المسلمين لأوروبا وسيبيريا مقرها اوفا في بشكيريا، المذهب هو السني ولغتها تركية تترية. ثالثاً، ادارة المسلمين في شمال القوقاز وداغستان ومقرها مخاتشكالا في داغستان والمذهب هو السني، واللغة عربية. اخيراً هناك ادارة مسلمي ما وراء القوفاز. والسكان سنة وشيعة. مقرها باكو في اذربيجان. اما اللغة فهي الاذربيجانية التركية. اما المؤمنون، فبعد سبعين عاماً من الضغوطات الالحادية في ظل النظام الشيوعي باتوا اقل اهتماماً بالاختلافات المذهبية مما هم عليه المسلمون في البلدان الاخرى. وعندما يقولون انهم مسلمون مؤمنون لا يحددون ما اذا كانوا من السنة او من الشيعة. فيما المسيحي في الاتحاد السوفياتي سابقاً يبدأ بتحديد مذهبه فيقول انه اورثوذكسي او كاثوليكي او انجيلي. قال لنا محمد صادق يوسف مفتي آسيا الوسطى ان "العلاقة مع المسلمين في اذربيجان طيبة. وعلماؤهم تخرجوا من معهدنا. كثير من الائمة الاذربيجانيين درسوا في اوزبكستان. لكن الاحداث السياسية الاخرى شغلتنا وشغلتهم وستستمر علاقتنا بهم". الا ان العلاقة مع المسلمين في كازاخستان ليست على ما يرام. فتقليدياً، مسلمو كازاخستان تابعون لادارة المسلمين في طشقند. وأوضح لي المفتي: "في كازاخستان الحمية الاسلامية ضعيفة، وهناك انشقاق. بعض الاخوة الكازاخ بدأوا الانشقاق واعلنوا انفصال ادارتهم الدينية، جرياً وراء نصائح اخوانهم في موسكو. لكن سكان جنوب كازاخستان رفضوا ذلك ونحن نساعدهم. ونأمل بتحسن الوضع. وفي آلماآتا في كازاخستان اردت الاستفسار عن الامر من مفتي كازاخستان "المنشق"، لكنه كان في اجازة. فالتقيت بمعاونه زين الله بن احمدوف الذي قال انه "منذ 1948 كنا تابعين لمفتي طشقند، وخلال اكثر من اربعين عاماً لم تطبع اية كتب دينية باللغة الكازاخية. فكانت الكتب بالعربية اولاً ثم بالاوزبكية. لا نريد اطلاق الاحكام على الادارة في طشقند. لكن المؤمنين في آلماآتا يتساءلون لماذا يكون على جمهورية كبيرة مثل كازاخستان فيها مسلمون ينتمون الى 33 قومية، ان تتبع مفتي طشقند؟". وتابع احمدوف قائلاً انه "خلال كل هذه السنوات لم تفكر الادارة في طشقند ان تجهز الكوادر لمسجد آلماآتا. هناك فقط ستة اشخاص اعدوا من اجل ذلك. وعلى رغم اننا انفصلنا عن طشقند منذ سنتين، لكننا حافظنا على علاقات طيبة معهم. ومنذ انفصالنا نشطت ادارتنا من اجل تنظيم شؤوننا. الآن عندنا مدرسة قرآنية ومعهد اسلامي". ويقول احمدوف الذي سيسافر قريباً الى القاهرة لتعلم العربية، انه اتم دراسته الدينية في بخارى وانه طلب مراراً من ادارة طشقند ان ترسله الى بلد عربي، لكن من دون جدوى. فهل يعني ذلك ان الاسلام لن يقف حاجزاً امام المشكلات القومية؟ والجدير بالذكر انه في بداية الثمانينات لم يكن عدد المساجد المفتوحة للصلاة في كل الاتحاد السوفياتي يتعدى الألف مسجد. ايام القياصرة، كان هناك 25 الف مسجد ل 14 او 15 مليون مسلم. وقبل انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت المدرستان الاسلاميتان الوحيدتان موجودتين في مدينتي طشقند وبخارى. في بخارى فتحت مدرسة بمستوى مواز للدراسة الثانوية والجامعية عام 1945. وفي طشقند مدرسة بمستوى الدراسات العليا فتحت عام 1971. ويستطيع بعض الحاصلين على الشهادة ان يسافروا لاستكمال دراستهم في جامعة اسلامية اجنبية، غالباً ماتكون في بلد عربي. ويقول المفتي محمد صادق يوسف انه لا يمكن فرض تعليم الدين الاسلامي بصورة اجبارية. اما هو، فكان في بيته جو اسلامي. ووالده كان خطيباً في اكبر المساجد. فبعد تخرجه من المدرسة واصل الدراسة في مدرسة بخارى، ثم درس في كلية الدعوة الاسلامية في احدى الدول العربية وبعد عودته الى طشقند عمل في هيئة تحرير مجلة "المسلمون في الشرق السوفياتي" ثم اصبح مديراً لمعهد الامام البخاري في طشقند. ويقول ان الحكومة السوفياتية "كانت تريد ان تظهر للدول الاسلامية انها فتحت المساجد برهاناً على تسامحها وكدليل على منحها حرية الايمان. اكثر الذين كانوا يزورون المعاهد كانوا من الاجانب". اما الآن فقد ارسلت الادارة مجموعة من الطلاب الى الاردن وباكستان ومصر. وهي مستعدة لارسالهم الى دول اخرى كالسعودية والكويت. وعلى رغم الدعاية الماركسية فقد ظل الاسلام حياً في الحياة اليومية في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز. وهناك بعض الشعوب الرحل، كالقيرغيز مثلاً الذين كانوا اسلموا سطحياً في الماضي، لكنهم اعتنقوا الاسلام بشكل جدي بعد ثورة 1917، والبعض بعد الحرب العالمية الثانية. وهناك مناطق كانت محرومة من المؤسسات الاسلامية لكنها صارت معاقل للاسلام مثل جمهورية التشيتشين - إنغوتش وجمهورية تركمنستان، التي اصرت على ان يكون من بين الطلاب الذين سيتوجهون للدراسة في تركيا 175 طالباً يدرسون في كليات الشريعة. ويعود الفضل في استمرار الاسلام الى المدارس الاسلامية التي تأسس بعضها في بخارى في القرن الرابع عشر. وهذه المدارس هي التي ساعدت عامة الشعب ونخبته على المحافظة على الاسلام في وجه غزاة لهم ديانة اخرى المغول الشامانيون اولاً وبدءاً من سنة 1620 المغول البوذيون، ثم الروس الاورثوذكس في القرن التاسع عشر. وحتى في منطقة القوقاز فان الانتفاضات الشعبية، منذ ايام الامبراطورة الروسية كاترين الثانية، كانت نواتها نقشبندية، ثم قادرية. البطل الداغستاني الكبير، الامام شامل، كان نقشبندياً. وكذلك الامر بالنسبة الى "البسماتشي" الذين ثاروا ضد البولشفيك في تركستان بعد ثورة 1917 الشيوعية فقد كانت اعداد كبيرة منهم نقشبندية. وسمحت هذه المدارس للمسلمين ان يعيشوا في واقع غريب عنهم، محافظين على ذكر الله وصورة الكمال الاسلامي، مشتركين في حياة دينية جماعية عبر اجتماعاتهم السرية. وتعرض المسلمون لشتى انواع الاضطهاد من قبل السلطات السوفياتية، مما زاد في دفعهم في اتجاه السرية. وكانت هذه المدارس عاملاً اساسياً في توطيد الاسلام بين جماعات لم تكن اعتنقت الاسلام بشكل جدي، كما انها كانت عاملاً في انعاش الاسلام على صعيد عام وعلى مستوى اعمق. وفي ظل الاضطهاد، كان اطار عمل هذه المدارس هو الاطار العائلي او العشائري، الذي استمر ايضاً بفضل خلايا سرية. لكن ايضاً كل مكان عمل مغلق كان اطاراً صالحاً لنشاطها، كالكخوز والمشغل والمكتب، او الثكنة، او حتى مخيم الاعمال الشاقة. اما صلاة الجماعة، فغالباً ما كانت تقام في المزارات والاضرحة التي يحج اليها المسلمون من جميع الانحاء، والتي وقفت الاجراءات البوليسية ازاءها حائرة مكتوفة الايدي، لا تستطيع شيئاً ضدها. مياه تشفي المرضى واهم الاضرحة والمزارات ضريح القثم بن عباس بن عبدالمطلب في سمرقند. والقثم بن عباس هو الذي ادخل الاسلام الى آسيا الوسطى في القرن السابع الميلادي. ويعتقد اهل آسيا الوسطى ان القثم بن عباس قتل فيما كان يصلي وقطع رأسه. وضريحه يزوره جميع مسلمي آسيا الوسطى، ويحجون اليه. وفي الماضي لم تكن هناك علاقات ديبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي والمملكة العربية السعودية، فكان الحج الى مكةالمكرمة مستحيلاً، ناهيك عن تكاليف الرحلة. اما اليوم، فتتكفل السعودية بنفقات الحجاج من آسيا الوسطى. ويصف ابن بطوطة في رحلاته ضريح القثم بن عباس ويقول انه قتل اثناء فتح المسلمين لسمرقند. ويقول ابن بطوطة ان سكان سمرقند يخرجون لزيارة الضريح بين ليل الاحد وصباح الاثنين وبين ليل الخميس وصباح الجمعة، كما يؤمه التتار للحج ويقدمون النذور. وكانت هذه النذور تستغل لضيافة المسافرين ولاعالة القائمين على الضريح. وكان هذا الضريح تابعاً للادارة السياحية، لكنه اعيد منذ بضعة اشهر الى ادارة المسلمين في طشقند التي تشرف عليه الآن. وفي سمرقند مجموعة اخرى من الاضرحة، البعض منها غير معروف والبعض الآخر لافراد عائلة تيمور لنك. وبعد اجتياز باب المقام، يتوجب الصعود على سلم كبير. ومن العادات المرعية ان يعد الصاعد الدرجات، وان يعدها من جديد خلال نزوله. فاذا تطابق العدد، يعني ذلك انه بلا خطايا. اما اذا لم يتطابق العدد وهذا ما يحصل غالباً فيعني ذلك ان الزائر ارتكب بعض الخطايا. وفي ضريح القثم بن عباس يرتل جهانغي، إمام المقر الشاب، الذي لا يتجاوز العشرين من العمر، سوراً من القرآن الكريم مرة كل ساعة، كما يرتلها داخل ضريح القثم بن عباس اذا طلب احد الزوار ذلك. وارادت امرأة ان تعطيه بعد ذلك قليلاً من المال، فرفض وطلب منها ان تضع المال في صندوق الزكاة في الخارج. ويأتي الحجاج وفوداً الى هذا المكان، ومن المؤثر جداً ان ترى كيف يلتف هؤلاء الحجاج، المسنون اجمالاً، بلهفة حول جهانغي الشاب، يستمعون الى تلاوته والى شرحه لتاريخ المكان. جهانغي الإمام الشاب يدرس الدين في سمرقند منذ سنتين، في مدرسة "خودجا احرار". وهو يتكلم العربية بشكل لا بأس به. خلال السنة الدراسية يدرس صباحاً في المدرسة، وبعد الظهر يعمل في شاهي زيندا مقابل 700 روبل. وللاماكن والمساجد وابنية الاضرحة بحد ذاتها اهمية عند الناس. ففي بخارى مثلاً، هناك مزار يقصده كل من يمر بمحاذاته متجهاً الى البازار، فيضع يديه على حائط المزار من الخارج ثم يمسح وجهه، ويكرر ذلك مرتين او ثلاثاً. المياه في هذه الواحات التي تتوسط الصحراء لها مكانة خصوصية، فهناك آبار عدة لها اهمية كبرى في قلوب المسلمين في آسيا الوسطى. مثل البئر الموجودة داخل احد المزارات في بخارى، اذ يعتقد ان مياهها تشفي من الامراض. والواقع ان مياهها تحتوي على بعض المعادن المفيدة. كذلك في ضريح بهاء الدين نقشبندي في بخارى، الذي يجري الآن ترميم مسجده. يأتي الزوار لزيارة الضريح، ويشربون من ماء البئر الموجودة قربه. وفي اوزبكستان تقليد خاص بالعرسان الذين يتوجهون يوم عرسهم الى مكان قد يكون ضريحاً او نصباً للشهداء، ويدورون حوله ثلاث مرات، كي تتحقق جميع امنياتهم. فقد يذهبون الى ضريح الامام البخاري، او الى ضريح الملوك السامانيين في بخارى. خيفا عاصمة خوارزم هي قطعاً المدينة التي تجمع هذه التقاليد الاسلامية كلها. وهي لا تزال كما كانت عليه في الماضي داخل سورها. لم يتغير فيها شيء ولم يبن فيها اي بناء حديث. وقد فرغت في الماضي تدريجياً من سكانها الذين انتقلوا الى الاحياء الخارجية الجديدة. لكن لا يزال هناك سكان في القسم القديم من المدينة الموجود داخل السور. فقط قصور الملوك تحولت الى متاحف مهمة. اما المساجد فأعيدت لها الحياة واعيدت الى ادارة المسلمين. أسئلة للمستقبل ويلفت انتابهك في خيفا وجود أعلام بيضاء على سطوح بعض البيوت. وهذا يعني ان في هذا البيت صبياً ختن حديثاً. وطيلة الفترة التي يرفرف فيها العلم الابيض على سطح البيت، يبقى باب الدار مفتوحاً ويستقبل المارة ويستضافون. والى خيفا يأتي الحجاج والعرسان. ووجهتهم الاولى قبل زيارة المدينة مسجد وضريح "بهلوان محمود" الذي بني عام 3581. "بهلوان محمود" 1247 - 1325م كان دباغاً، وصار اهم شاعر في خوارزم. وتعتبر زيارة ضريح "بهلوان محمود" تقليداً مهماً. وما ان يدخل الزوار والحجاج الى الضريح حتى يتبركوا بلمس الجدار. في الداخل يقرأ عليهم احد الشيوخ آيات من القرآن. ولدى خروجهم، لا بد ان يشربوا من مياه البئر. فالذي يشرب منها كوباً او اثنين يعيش طويلاً. اما العرسان، فيأتون الى ضريح "بهلوان محمود" كي يبارك لهم الشيخ زواجهم. ويجلسون ارضاً من حوله، يكسرون رغيف خبز ويتقاسمونه. ومن ثم يقفون لحظات بصمت امام باب الضريح ويخرجون للشرب من ماء البئر التي ستطيل حياتهم. تقدم هذه البلدان صورة حية للثقافة الاسلامية كنسيج حياة وطقوس ومسلك، وكنظرة الى الاشياء والعالم وترسخت في المتخيل وتجلت في الفن والعلاقات. وقد استمر هذا البعد الثقافي حياً معيوشاً في الاتحاد السوفياتي على رغم تعميم الافكار والقوانين الشيوعية وعلى وطأة السلطة السوفياتية واضطهادها لمواطنيها. فقد شكل التمسك بالثقافة الاسلامية على هذا المستوى مقاومة صامتة فعالة وتمسكاً بالهوية، على رغم المنع الذي تعرض له اداء الفروض، وعلى رغم انحسار الوجه القانوني للاسلام. واليوم اذ تعود هذه الجمهوريات الاسلامية الى ممارسة الفرائض بحرية والى نشر التعليم الديني، والعودة ولو تدريجياً وبنسب متفاوتة هنا وهناك الى التشريع الاسلامي، يمكن ان نتساءل: الا تكون هذه الجمهوريات في طريقها الى انقلاب آخر، مناقض للاول؟ ذلك ان هذه التحولات جميعها تجيء في موكب الانفتاح على العالم من موقع انهيار اقتصادي وبلبلة سياسية، وهو ما يفتح الابواب على مصاريعها امام غزو الحياة الغربية بقيمها وثقافتها. ألا تكون هذه الثقافة امام احتمالات التغيير الذي تعرضت له ثقافات عريقة في العالم؟ سؤال آخر يطرح نفسه امام تزامن طابعين للتحركات في آسيا الوسطى،التحركات الاتنية القومية والتحركات الدينية. لماذا لا يكون الاسلام عامل توحيد؟ ام ان النزاعات القومية ستشكل بؤر نزاع تستدرج اليها الحركات الاسلامية السياسية؟ هذه هي بعض اسئلة المستقبل مع هذه الجمهوريات الاسلامية. الجمهوريات الاسلامية الست الجمهوريات الاسلامية التي حصلت على استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي هي ست جمهوريات، خمس منها في آسيا الوسطى أوزبكستان وطاجكستان وتركمنستان وكازاخستان وقيرغيزيا والسادسة تقع ما وراء القوقاز وهي اذربيجان. حصلت هذه الجمهوريات الست على استقلالها، تباعاً، في الفترة بين آب اغسطس 1991 وتشرين الثاني نوفمبر 1991. يتجاوز مجموع عدد سكان هذه الجمهوريات الست 55 مليون نسمة. ولهذه الجمهوريات حدود مع 3 دول اسلامية هي ايران وأفغانستان وباكستان ومع الصينوروسيا، كما ان احداها أذربيجان هي على مسافة غير بعيدة عن تركيا. وتعيش في آسيا الوسطى ست قوميات رئيسية، تنتمي جميعها الى الفرع التركي المغولي، وهي الأوزبك والكازاخ والتركمان والقيرغيز والكاواكالباك. أما الطاجيك، فهم من الهندو أوروبيين ولغتهم تنتمي الى الفارسية. وهناك أيضاً بعض الاقليات التترية والأويغور والكوريين والدونغان وهم مسلمون صينيون هاجروا الى الأراضي الروسية في القرن التاسع عشر، ونقلت لغتهم الى الأحرف الروسية. يتوزعون على ثلاث جمهوريات، ولا يتمتعون بوحدة أرض. كما ان هناك الروس والروس البيض من روسيا البيضاء والأوكرانيين لكن أغلبية السكان من المسلمين. وقبل الثورة البولشفية عام 1917 كانت هذه المنطقة تعرف باسم "تركستان"، وتضم قسماً من الصين الكسينجيانغ، أو ما يعرف اليوم بتركستان الصينية. وما يجمع بين هذه البلدان على الصعيد الاقتصادي هو غناها بالمواد الأولية ولا سيما النفط والمعادن، وتعتبر المنتج الثاني للقطن في العالم بعد الولاياتالمتحدة. ويتميز سكان هذه البلدان بأنهم يقطنون غالباً في الأرياف ويربون المواشي، وتعيش بينهم اقليات اتنية غير اسلامية، ولا سيما منها الروس والألمان والأوكرانيون. وترتفع نسبة المتحدثين بالروسية بينهم في كازاخستان اذ تتعدى 60 في المئة في حين تنخفض الى أقل من 30 في المئة في طاجكستان وأوزبكستان وقيرقيزيا ... الخ. وعانت هذه البلدان طويلاً من السياسة الروسية الرامية الى تدمير ثقافتها وهويتها القومية والاسلامية ومن سياسة استيطانية قاهرة تهدف الى تغيير موازين القوى الديموغرافية فيها، الأمر الذي أدى ويؤدي الى صراعات عرقية لم تنته. وفي ما يأتي لمحة موجزة عن كل منها. أذربيجان هذه الجمهورية تغلب فيها الأتنية الآذرية وتعد أكبر جمهوريات ما وراء القوقاز من حيث المساحة وعدد السكان. وتفيد احصاءات عام 1989، بان سكانها يناهزون السبعة ملايين نسمة. وفي اذربيجان ثروة طبيعية عمادها النفط والغاز. وكان أكبر الحقول النفطية يقع في جزيرة أبشرون حيث وفر منذ أواسط القرن التاسع عشر حاجات البلاد، ولكن سرعان ما تناقصت الاحتياطات النفطية الأمر الذي أدى الى استخراج النفط من آبار تزيد عمقاً عن 5 آلاف متر ومن قاع البحر. ويشتهر النفط في اذربيجان بجودته ونقاوته وخلوه من الخلائط الضارة. وتنتج بعض الحقول نفطاً أبيض شفافاً. مدينة باكو هي عاصمة اذربيجان الثقافية والادارية والصناعية. كازاخستان تعتبر كازاخستان بلداً منفصلاً عن جمهوريات آسيا الوسطى في التصنيف السوفياتي السابق، وذلك على رغم امتدادها الطبيعي لهذه البلدان، وهي خضعت لسياسة استيطان روسية مكثفة ولاجلاء سكاني من شمال البلاد الغني والمأهول بالكازاك الى الجنوب الفقير، وقد تمت هذه السياسة في عهد ستالين وتابعها قادة الكرملين فيما بعد بدرجات متفاوتة ونتج عنها مقتل حوالي مليون كازاكي. ويبلغ عدد سكان كازاخستان حالياً 5،16 مليون نسمة بينهم 5،6 مليون من الكازاك مقابل 2،6 مليون من الروس و956 الف نسمة من الألمان و895 الف اوكراني و332 ألف اوزبكستاني، وما تبقى من السكان يتوزع على حوالي 20 اتنية مختلفة بعضها لا يتعدى 100 نسمة. ويُفسّر تعدد الاتنيات في هذا البلد، بسياسة العقاب التي اتبعها ستالين ضد السكان الأصليين من الكازاك الذين كانوا يبلغون سنة 1897 8،3 مليون نسمة فوصل عددهم في عام 1934 الى 9،2 مليون نسمة. بالمقابل نقل ستالين الى البلاد أقليات اتنية مغضوب عليها، شأن التتار والألمان من الفولغا. فضلاً عن تشجيع الاستيطان الروسي فيها على نطاق واسع وبذلك اصبح الشعب الكازاكي اقلية في بلاده. وتبلغ مساحة كازاخستان أكثر من ضعفي مساحة الجموريات الاسلامية الآسيوية مجتمعة أي 715،2 مليون كلم2 وتغطي المروج والمراعي ثلثي مساحة البلاد وكانت تعتبر اكبر وأهم اقليم لتربية المواشي في الاتحاد السوفياتي. وتضم البلاد ثروات معدنية وطبيعية كالنفط والفحم والذهب والحديد والمنغانيز والبوكسيت والزنك والفضة. وأهم حقول النفط فيها تقع في أمبا ومانغيشلاق، لكن ثروتها النفطية غير محددة بدقة. آلما آتا هي عاصمة كازاخستان وتعني بالعربية أبو التفاح وذلك لكثرة بساتين التفاح المحيطة بها. وهي المركز الثقافي والسياسي لكازاخستان. ومنها انطلق أول تمرد إسلامي في العام 1986 وأول تمرد على نطاق واسع في الاتحاد السوفياتي حيث رفع سكان العاصمة شعارات معادية للنظام السوفياتي. وتكتسب كازاخستان أهمية استراتيجية لكونها تضم ثالث أكبر تجمع للاسلحة النووية في الاتحاد السوفياتي السابق. أوزبكستان تعتبر هذه الجمهورية الأكثر تطوراً اقتصادياً بين نظيراتها الآسيوية، فهي تضم 60 في المئة من الأراضي المروية في آسيا الوسطى وتعتبر المصدر الأول للقطن بين الجمهوريات السوفياتية السابقة مجتمعة. وتبلغ مساحة اوزبكستان 6،449 ألف كلم2، أما عدد سكانها فيبلغ 808،19 مليون نسمة يعيش بينهم 652،1 مليون روسي وأقليات اتنية اخرى أقل شأناً. العاصمة طشقند هي أكبر مدينة في آسيا الوسطى إذ يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة وهي أقدم مدينة إسلامية في المنطقة إذ يعود انشاؤها الى أكثر من قرن. وهي حاضرة اسلامية معروفة في التاريخ الاسلامي. وهناك ايضاً مدينتان شهيرتان هما سمرقند وبخارى. تركمانستان تعتبر تركمانستان ثاني أكبر جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية بعد كازاخستان إذ تبلغ مساحتها 1،488 ألف كلم2 لكنها الأكثر فقراً بسبب الصحراء الشاسعة التي تغطي قسماً كبيراً من مساحتها. ويبلغ عدد سكانها 5،3 مليون نسمة يعيش بينهم حوالي 334 ألف روسي. عاصمتها عشق آباد حديثة العهد نسبياً إذ شيدت في القرن التاسع عشر على أنقاض قرية تحمل الأسم نفسه. لكن تركمانستان غنية بالنفط والغاز الواقع غرب البلاد وتضم احتياطياً نفطياً كبيراً. يعتمد سكانها على تربية المواشي وزراعة القطن لكنهم الأكثر تخلفاً في آسيا الوسطى. قيرغيزيا قيرغيزيا أو قيرغيزستان جمهورية جبلية تبلغ مساحتها 5،198 ألف كلم2 تغطي المراعي أكثر من نصف مساحة أراضيها ويعاني سكانها البالغ عددهم 257،4 مليون نسمة، بينهم حوالي 916 ألف روسي، من تخلف شديد. فرونزة عاصمة البلاد وهي حديثة النشأة ومركز الحركة الاقتصادية فيها. وكغيرها من الجمهوريات الاسلامية تحتوي قيرقيزيا على ثروات نفطية حيث يستخرج فيها الزئبق والغاز وتصدر التبغ والخشخاش الطبي. طاجكستان طاجكستان هي الجمهورية الوحيدة في آسيا الوسطى التي ينتمي سكانها الى الثقافة الفارسية ويتحدثون اللغة الفارسية. وتنمو فيها حركة معارضة اسلامية متأثرة بايران ويمثلها حزب النهضة الاسلامية. سكانها 9،5 مليون نسمة يعيش بينهم حوالي 387 الف روسي، ومساحتها 1،143 الف كلم2. عاصمتها دوشانبة أو دوشامبة، وهي حديثة العهد اذ أنشئت في العام 1925 على أنقاض قرية صغيرة تحمل الاسم نفسه وتقع في وادي غيسار. عقدت الحكومة المحلية اتفاقات ثقافية وتجارية مع طهران عن طريق التبادل حيث تفتقر البلاد الى العملة الصعبة. وقد تم تعزيز موقع المعارضة في البلاد بعد الانتصار الذي حققه المجاهدون الأفغان بزعامة أحمد شاه مسعود على الحكومة الشيوعية في كابول. وهي الجمهورية الاسلامية الوحيدة التي تأثرت حتى الآن على نطاق واسع بما حدث في افغانستان بسبب الروابط الطبيعية التي تصلها بالطاجيك الأفغان.