افضل تجربة تصوير هاتف في فئته بالعالم: سلسلة CAMON 40 من TECNO    الهلال في صدارة تصنيف أندية قرعة دوري أبطال آسيا    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الرياض    تقرير أممي يتهم الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب "أعمال إبادة" في غزة    أمير جازان يشارك منسوبي إمارة المنطقة الإفطار الرمضاني السنوي    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة نورة بنت بندر بن محمد آل عبدالرحمن آل سعود    الجبران: مسلسل الزافر يعكس صراعات النفوذ والبقاء    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة السودان    مبادرة اليوم العالمي لمتلازمة الداون    خلال مبادرة "شرقيتنا خضراء".. زراعة أكثر من 3 مليون و600 ألف زهرة 550 ألف شجرة في 18 حي    مرور المدينة المنورة يؤمن كافة الطرق المؤدية من وإلى المسجد النبوي الشريف    الإمارات و قطر ترحبان باستضافة المملكة محادثات بين أمريكا وأوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب وسط مخاوف الرسوم الجمركية وبيانات التضخم المتفائلة    خسوف كلي للقمر يشاهد من أجزاء من الوطن العربي    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    القيادة تهنئ رئيس موريشيوس بذكرى استقلال بلاده    الاتفاق يودع دوري أبطال الخليج    الليلة تنطلق جولة "يوم العلم" ال 25 من دوري روشن.. الاتحاد يستقبل الرياض.. والهلال ضيفاً على التعاون    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    «السداسي العربي» يبحث مع ويتكوف خطة إعمار غزة.. ترامب يتراجع عن «التهجير»    بحضور عدد من قيادات التعليم.. انطلاق «قدرات» الرمضانية في جدة التاريخية    إدخال السرور على الأسر المتعففة.. «كسوة» تطلق سوقها الخيري الخامس    محافظ جدة يشارك أبناء وبنات شهداء الواجب حفل الإفطار    الشرطة تطيح بسارقة حليب الأطفال    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على هوية مسجد الجامع في ضباء    عناوينه وثّقت محطات مهمة في تاريخ المملكة.. الموت يغيب خوجه خطاط «البلاد» والعملة السعودية    «تعليم الطائف» يكرم المتأهلين لنهائي «إبداع 2025»    موجز    المفتي ونائبه يتسلمان تقرير فرع الإفتاء بالشرقية    77 حالة اشتباه بتستر تجاري    التسليح النووي: سباق لا ينتهي نحو القوة والردع    المملكة تدشّن مشاركتها في معرض لندن الدولي للكتاب    ملبوسات الأطفال في رمضان.. تعكس هوية الشمالية    أمير القصيم يزور شرطة المنطقة ويشارك رجال الأمن مأدبة الإفطار    ماركينيوس: لن نتوقف بعد الفوز على ليفربول    الحرص على روافد المعرفة    الجنين.. ودودة العلق    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي الصين واليابان    السمات الشخصية المظلمة في بيئة العمل    السهر في رمضان.. تراجع إنتاجية العمل    فيصل بن مشعل يرفع العلم على سارية ميدان التوحيد    أمير الشرقية يكرّم شركاء التأهيل.. ويطمئن على المرضى    «الملك سلمان للإغاثة» يواصل أعماله ضمن مشروع سلة إطعام    الأهلي يهدد بالانسحاب من الدوري المصري    الأمن العام والدفاع المدني يشاركان في معرض «الداخلية»    سعود بن مشعل يشهد «ليلة وقفة جود مكة»    مركز جراحة المخ والأعصاب بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يعيد الحركة لمراجعة وينهي معاناتها مع الآلام    الزواج من البعيدة أفضل!    52 خزانا تنقل وتوزع المياه المجددة    إدارة الحشود في المسجد الحرام بالذكاء الاصطناعي    آرت بروميناد تستهوي زوار جدة    سعوديات يدرن مركز الترميم بمكتبة المؤسس    الشباب شغوفون بالطائرة والمشي يستهوي الفتيات    اتفاق عربي أمريكي على مواصلة التنسيق بشأن خطة مصر لإعمار غزة    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    دلالات عظيمة ليوم العلم    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل آن للقمّة الإسلاميّة أن تكون كما نتمنى؟
نشر في الجزيرة يوم 19 - 12 - 2005

شغل المراقبون والمسلمون في الأيام الماضية بوقائع مؤتمر القمة المنعقد في مكة المكرمة .. ولعلّ أبرز ما يلاحظه المراقب الآن هو أنّ هناك شعوراً عاماً لدى الجميع من الزعماء والشعوب الإسلامية، أنّ المؤتمر الإسلامي في هذه المرة له طعم يختلف عن السنوات الماضية ومذاق غير مذاق الأيام الخوالي. وسبب ذلك أنّ حجم التحدِّيات التي تواجهها الأُمّة الإسلامية كبيرة جداً وهو يتعاظم كلَّ يوم وينمو كلَّ لحظة. ولعلّ مما يميِّز هذا المؤتمر هذه المرة كذلك، أنّ الدول الأعضاء نفسها صارت تنظر إلى نفسها نظرة متقاربة جداً، أي نظرة أكثر شمولية وحصافة نحو الأهداف المشتركة والمصائر المشتركة أكثر من ذي قبل، أو على الأقل دعنا نأمل ذلك إنْ لم نكن متأكدين منه. فالتحدِّيات كثيرة على المستويات الثقافية والاقتصادية والفكرية والسياسية...
ولعلّ من الجيِّد أن نتذكّر دائماً أنّ الأزمات قد توحِّد الخلافات، وربما يكون هذا هو ما نمرُّ به الآن، فتوحيد الرؤى والأهداف الاستراتيجية بين أطراف الأُمّة الإسلامية بات أمراً لا محيد عنه، وهو الخيار الوحيد للحفاظ على الهوية والبقاء، ويتعلّق به مستقبل هذه الأُمّة بكلِّ كياناتها وتكويناتها السياسية والاقتصادية والثقافية ... وأعتقد أنّه آن الأوان أن نكون أكثر حكمة ودراية، فندرك أنّ هناك اختلافاً وتنوُّعاً في كثير من التقاليد والموروثات المحلية الثقافية والفكرية بين أطراف هذه الأُمّة ... وما لم يقم الأمر على إدراك نقاط التوحُّد ونقاط التميُّز والاختلاف التي يجب أن تُحترم وتقدَّر، فلن يكون هناك أمل في مستقبل أفضل لهذه الأُمّة الإسلامية بوصفها تكويناً فكرياً ذا خلفيّة دينية واحدة وإرث مشترك ومقدسات واحدة.
أعتقد كذلك أنّ مكرمة خادم الحرمين الشريفين في تأسيس مقر دائم لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة هو أمر له دلالته في تفعيل دور المنظمة وتقوية حضورها الذي يتمنى الجميع من أبناء المسلمين أن يكون حضوراً فاعلاً على الساحة العالمية في كلِّ المجالات. وحسبنا أن نعلم أنّ المنظمة هي أكبر تجمُّع دولي بعد هيئة الأمم المتحدة على المستوى العالمي. وهذا يزيد في التطلُّعات نحو هذه المنظمة ودورها الذي كان ضعيفاً وغائباً في كثير من الأحيان، ونرجو الآن بعد هذا اللقاء أن يصبح فاعلاً وقوياً، على حد تعبير صاحب السمو الملكي وزير الخارجية حين قال: إنّ هذا اللقاء هو نقطة تحوُّل في تاريخ القمة.
لا يمكن أن يفتح المستقبل أبوابه ما لم تنطلق المنظمة وأعضاؤها ورؤساء الدول نحو الواقعية في حلِّ المشكلات، والواقعية في مواجهة الأزمات، والواقعية في دفع عجلة الإصلاح إلى الأمام. والواقعية تعني أن نعترف بالمشكلة ونقر بوجودها بحدودها وحجمها الواقعي الحقيقي، ونكون مصمِّمين على حلِّها ونعمل دائبين على ذلك. ولا يمكن تحقيق النظرة الواقعية العميقة إلاّ بخلق مؤسسات مدنيّة تضع هذا في هدفها ويشترك فيها الجميع وتعمل لخدمة الجميع.
وفي مقام الاجتماع يجب أن ننسى، ولو لبعض الوقت، بعض الفروق الموجودة داخل النسيج الفكري لهذه الأُمّة؛ فمشكلات الأُمّة التي تعاني منها هي المداخل التي يدخل منها من يريد الشر بها. مشكلات الفقر والبطالة والحريات المدنية، ومشكلات التعليم وتردِّي المستوى الثقافي ... إلخ، هي الهموم التي يعاني منها الشارع العربي والإسلامي، وهي في الوقت نفسه الحجج التي يحتج بها من يتدخّل في شؤون هذه الأُمّة، وهي المسالك التي يسلكها من يرغب أن يفرض عليها ما لا ترغبه أو ما هو غريب عليها بحجة الإصلاح وبحجة تساوي الفرص وبحجة خدمة العدالة والحرية ... ثم تصبح هذه المداخل آلة للتمزيق والتشتيت وبناء جيل جديد لديه استعداد للاندماج التام مع التشكيل الثقافي الغريب على الأُمّة كلّها والانطلاق في فضاء غريب على تراث هذه الأُمّة وواقعها.
إنّ استهداف الأُمّة الإسلامية بات اليوم استهدافاً للقيم الإسلامية والثقافية. وحسبي هنا أن أذكر لكم أنّ قيمة الاعتدال والتسامح والوسطية هي قيم إسلامية قديمة نزل بها القرآن ودعت إليها السنّة، ولكننا اليوم أصبحنا في حاجة إلى إقناع غير المسلمين، بل والمسلمين أنفسهم بها؛ لأنّها أفرغت في العالم الإسلامي من معناها القيِّم الثمين عبر ممارسات خاطئة غير صحيحة كالإرهاب والتطرُّف وعدم التسامح والقناعة بعدم جدوى الحوار ... وهذه الأفكار هي بحاجة إلى نشرها وتعزيز وجودها بيننا قبل أن نقنع الآخرين بها. وعدم تمثيل هذه القيم في البلاد الإسلامية هو من أكثر ما استغلّته آلة الدعاية الصهيونية في الغرب ضد المسلمين عموماً وضد العرب خصوصاً في الدعاوى العريضة التي روجت لها طوال أكثر من نصف قرن من الزمان، حتى كبر الصغير وشاب الكبير في الغرب على هذه الدعاوى وصار إقناعهم بغيرها من الأمور المشكلة الشاقة والتحديات التي تواجه الأُمّة وتعقد لها المؤتمرات والندوات.
أعجبني كثيراً ما تضمّنه البرنامج العشري للقمة من احتواء على تعزيز للتعاون الاقتصادي ومن اهتمام بقيم مغيّبة كثيراً في ساحتنا الثقافية كقيمة العناية بالبيئة ومحاربة الأُمِّيّة التي منذ أن كنا صغاراً في المدارس نقرأ عن ارتفاع نسبتها في العالم العربي والإسلامي، وإلى اليوم لم نر شيئاً جديداً .. الواقع هو الواقع والحال هي الحال!! والحديث عن حقوق المرأة والطفل والأُسرة حديث جميل ولازم وفي حاجة إلى تفعيل من خلال مؤسسات مدنية تقدِّم هذا العمل وتنقله إلى الممارسة حتى يصبح جزءاً من البناء الثقافي الفكري للأُمّة، وهو كذلك في أصولها الشرعية وتراثها الخالد.
في هذه الأُمّة يوجد تكامل فكري وثقافي واقتصادي إلى حد كبير جداً ويندر أن يوجد مثله في الكيانات السياسية المختلفة في العالم، ومع كلِّ هذا التكامل والتشابه الكبير، بل التطابق أحياناً في النسيج الاجتماعي والبناء الفكري ووحدة الشعائر والمقدسات، إلاّ أنّ العلاقات الاقتصادية والثقافية والتبادل الفكري محدود لا يرقى في الجانب الاقتصادي إلى أكثر من 13% من حجم التجارة البينية بين الدول الإسلامية!! ويحتار المتأمِّل في أسباب ذلك، هل هي الرغبات الداخلية؟ هل هو التأثير الخارجي؟، هل هو عدم الثقة الذي تم زرعه بين الدول الإسلامية والعربية منذ أمد طويل وآتى أكله الآن؟ أو ربما هذه الأسباب مجتمعة! فمتى نستطيع أن نعي هذه الحقائق المؤلمة وأن ندخل في مواجهة صريحة مع النفس ووقفة صادقة مع الواقع؟
إنّ ردم الهوّة الثقافية وبناء الجسور الاقتصادية بين أرجاء العالم الإسلامي اليوم من أهم الواجبات والضرورات لأنّ الخطر الفكري القادم طوفان لن يبقي ولن يذر، وسيصبح ما هو قريب منا اليوم أكثر بُعداً وأصعب منالاً بعد بضع سنوات بسبب ضغط تيار العولمة الفكرية الطاغية وسياسات الغرب في زعزعة الكيانات الفكرية الأخرى في العالم.
التفاؤل الآن كبير والأمل أكبر منه. وما على الدول إلاّ الالتزام بالمقررات وتنفيذها، لأنّ أكثر ما يعيب المؤتمرات واللقاءات الإسلامية والعربية أنّها ثرية في ذاتها ولكن عدم تنفيذها من قِبل المشاركين يحيل هذه المقررات إلى تاريخ وإلى مراجع تاريخية تصوِّر تطوُّر التفاعل الفكري والعمل المشترك، ولكنها لا تحوِّل هذه المعطيات إلى خطوط عملية وسياسات واستراتيجيات يستفيد منها أبناء الدول المشاركة.
إني لأرجو أن يكون هذا اللقاء العظيم للقمة الذي اختتمت أعماله، مفصلاً من مفاصل التاريخ الذي تدرسه الأجيال القادمة وتستلهم منه العبر والدروس النافعة ... دعونا نسأل الله تعالى ذلك، خاصة أنّ الأزمات توحِّد المشكلات وتجمع أقرب المتباعدين كما يقولون، ورُبَّ ضارّة نافعة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.