أتاح لي مجال عملي أن أتشرف بمعرفة المئات من مديري مدارسنا في منطقة الرياض التعليمية، وكان ذلك من خلال مشاركتي الطويلة في برامج لتدريب مديري المدارس، جمعتني الصدفة بأحد هؤلاء المديرين وقد بدا لي أنه أقل نضارة وحيوية وتدفقا مما عرفته عنه من قبل.. سألته - بعد السلام- عن (أخبار الشغل) فأجباني على الفور: لقد تعبت يا دكتور.. إنني أفكر جديا في التقاعد، قلت له معزيا ومسليا ومستعينا ببعض ثقافتي التربوية: لا شك أن العمل مع الطلاب أمر مضنٍ ومرهق بدنيا وفكريا، ويتطلب الكثير من الصبر والاحتساب، كما أن الانجاز فيه مدعاة للفخر والسعادة، لكنه عاد وقال لي: لا مشكلة لي مع الطلاب، مشكلتي مع المعلمين يا دكتور، فسألته مندهشا: ما مشكلتك مع المعلمين؟ قال: إنني أواجه معاناة ومصاعب جمَّة وقلقاً وهماً باستمرار بسبب لا مبالاة بعض المعلمين وافتقادهم للجدية والانضباط في عملهم وعدم اكتراثهم بتعليم طلابهم، حاولت إقناع صاحبي أن المعلمين الذين يتحدث عنهم ربما هم حالات فردية لا تُحسب على المجموع الجاد المنتمي، لكنه عاد ليقول لي إن الأثر السلبي لهؤلاء المعلمين على المدرسة لا يمكن تجاهله، ودَّعتُ هذا المدير وأنا أقلِّب في رأسي التساؤل التالي: إذا كان ما يقوله هذا المدير عن المعلمين في مدرسته يمثل ظاهرة تعليمية، فهل العلة في مؤسسات إعداد المعلم أم في الثقافة المجتمعية المتراخية أم في غياب مبدأ المساءلة والمحاسبة أم في المدير نفسه أم فيها جميعاً؟!