تعاطي المخدرات موضوع ذو ماض وحاضر ومستقبل: أما الماضي فبعيد يصل إلى فجر الحياة الاجتماعية الإنسانية، وأما الحاضر فمتسع يشمل العالم بأسره، وأما المستقبل فأبعاده متجددة وليست محددة. فلم تكن المخدرات وليدة هذا العصر، فقد عرفها الإنسان منذ القدم، وبدأت تتطور لتصبح تجارة عالمية ترعاها عصابات هدفها الاتجار غير المشروع، وتدمير الطاقات والقدرات. وأصبح لتجارة المخدرات العالمية ضحاياها ليس من الأفراد فقط ولكن من المجتمعات أيضاً، ولم يكد ينجو مجتمع من شر هذه المواد حتى المجتمعات التي كانت بعيدة عن هذا الخطر مثل المجتمعات الخليجية التي لم تكن تعرف أي نوع من المخدرات قبل أربعة عقود. ولمشكلة تعاطي المخدرات أبعاد سلبية مختلفة ومتعددة والحقيقة أننا لسنا في حاجة إلى توضيح مضار تعاطي المخدرات وآثاره السلبية فهي أوضح من أن توضح، وليست خافية على أحد بل هي ماثلة للعيان، فمضار تعاطي المخدرات واضحة على الجسم والنفس، على الفرد وعلى المجتمع، على المال وعلى النشء. ومع وضوح هذه الآثار السلبية اتجهت دول العالم إلى وضع آليات للتعاون والتنسيق فيما بينها بهدف الحد من انتشار المخدرات. لذا فالعديد من المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية أنشئت وأوكل لها مهمة سن التشريعات والقوانين الهادفة إلى محاربة هذا الوباء. ومشكلة تعاطي المخدرات تمثل ظاهرة مرضية تعاني منها كل مجتمعات العالم إلا أن درجة خطورتها تختلف من مجتمع إلى آخر، تبعاً لانتشار هذه الظاهرة ودرجة تعقدها. والمملكة العربية السعودية تواجه مشكلة انتشار تعاطي المخدرات بصورة ربما تكون أقل مما تعانيه بعض البلدان الأخرى، ولكن الأرقام الإحصائية في السنوات الأخيرة من حيث عدد المتعاطين أو كميات المواد المخدرة في ازدياد، وهذا عائد إلى مجموعة من العوامل منها: موقع المملكة القريب من دول منتجة للمخدرات، والمتغيرات والتحولات الحضارية السريعة، ودخول ثقافة متنوعة مع توافر العمالة من دول مختلفة، وانتشار مشاهدة القنوات الفضائية، وغير ذلك من الظواهر الاجتماعية السلبية المصاحبة لعملية التغير الاجتماعي السريع الذي شهدته المملكة وما زالت. وحكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظها الله- تعمل على مكافحة المخدرات، وفقاً لحرمتها الشرعية أولاً واقتناعاً بأضرارها الجسيمة على الفرد والأسرة والمجتمع. والمملكة العربية السعودية تقوم بمكافحة المخدرات وفق إستراتيجية ثلاثية الأبعاد: بُعد وقائي، وبُعد مكافحة، وأخيراً البُعد العلاجي وكل بُعد من هذه الأبعاد يقوم بالتخطيط والتنفيذ له عدد من الأجهزة الحكومية بطريقة تكاملية تسعى من خلاله إلى تحجيم هذه المشكلة والآثار المترتبة عليها إلى الحد الأدنى. وختاماً ينبغي أن نعي أن مشكلة تعاطي المخدرات وإدمانها لم تعد بالبساطة التي كانت عليها منذ بضعة عقود، لا من حيث عدد المخدرات المتنوعة المعروضة في السوق غير المشروعة، ولا من حيث أخطارها على الصحة البدنية والنفسية للمواطن، أو على مسيرة الحياة الاجتماعية بصورتها السوية، ولا من حيث كفاءة شبكات التوصيل والاتصال الإجرامية التي توضع في خدمة هذه المخدرات، ومن ثمَّ لم تعد تنفع في مواجهتها ردود أفعال الغضب الاجتماعي مقرونة بالاجتهادات العفوية. لذا يجب أن تكون المواجهة مع هذا العدو الخطير تستند إلى أساليب علمية تتسم بالشمول والكفاءة.