حديثي هنا لا يأتي من فراغ أو بناءً على تحليل شخصي، وإنّما هو حصر لمجموعة كبيرة من المشكلات. يشكو الرجل من الفتور العاطفي للمرأة وخشونة طباعها ومن ثم تمرُّدها على دورها الأنثوي، فيسمح لنفسه أن يغرق في غيابه وعجرفته دونما البحث عن سبب لهذه الأزمة النفسية أو علّة لهذا التغيُّر والنفور، ففي قناعاته الشخصية يبحث عن مخلوقة متكاملة من حيث تلوُّنها على جميع الأدوار كزوجة وأُم وعشيقة وصديقة تلعب بمهارة وتتشكَّل بمنتهى الدقة لتفوز بقلبه ولتحظى عنده بمكانة كبيرة، ولكن هذا المخلوق لم يفكر أنّ وراء هذه العملية دوافع ومحرك فاعلي نفسي، يستثير فيها تلك الرغبات ويفجر فيها حمم العاطفة، فالكلمة الطيبة بوجه الزوجة عبر ابتسامة راضية قانعة تثري في قلبها مشاعر الرضا وتغمرها بفيض من السعادة، ليجعلها ترضى بأقل القليل وقانعة بأدنى اليسير، فالرقة والنبل والاحترام لمواقفها إضافة لغفران أخطائها سيخلق من شخصيتها شيئاً جديداً ومتفتحاً للحياة. تشكو الكثير من الزوجات من سلبية الزوج وعدم اكتراثه بمتطلبات الزوجة وحاجاتها، فتراه يغيب عن البيت ساعات طويلة دون أن يتفقد أولاده وحاجاتهم وتحصيلهم العلمي. فمعظم الأمهات يقمن بدور كبير في تدريس الأولاد وإعداد لوازم البيت والقضايا المعيشية فتُستهلك الزوجة عصبياً ونفسياً وتود في قرارة نفسها لو تجد يداً رحيمة تربت على كتفها ولساناً شاكراً يهدهد أمانيها الجميلة فتتصرف بلباقة وامتنان. الرجل في مجتمعنا ينقاد لطبيعته الجافة، ضارباً عرض الحائط أحاسيس هذه المرأة التي تضطرب وتتشكل بفعل الظروف العامة القاسية التي تفرض عليها قسراً، وأمورها الخاصة التي تكتنفها في حالة الحمل والولادة والتربية القاسية مع المسؤوليات المتضاعفة عن كثرة الأولاد، وفي زحمة هذه الأمور يرغب الزوج امرأة عاشقة والهة قمة في الأناقة والإثارة تستطيع أن تفرمل وبمهارة هذه الضغوط لتتباعد عنها حسب رغبته لتبرز في صنعة جديدة تقذفها الحياة كالساحرة أو الأسطورة، ناهيك عن تحميلها مسؤولية فشل الأولاد في حياتهم الدراسية والتربوية. كل امرأة تتمنى أن يجمعها وزوجها حوار دافئ وإيجابي في أية أزمة أو مشكلة تنبثق فجأة ودون مقدمات، فسلبية الرجل وترفعه المفتعل يشعلان فتيل معركة كلامية حادة بينهما، وأمام أعين الأولاد تُقذف المرأة بالشتائم والسباب واللعنات وتهان كرامتها أمام الآخرين فيسقط اعتبارها كإنسانة محترمة لتحبط وتنتكس انتكاسة مرضية تنمو مع الأيام، هذا الرجل يبحث عن الراحة جاهزة معدة له إعداداً مرتباً ومنسقاً كما لو كان صبياً في بيت ذويه. أي رجل يستطيع أن يقرب المسافات بينه وبين زوجته عبر حالة شعورية متدفقة من ذاته ليحيط امرأته بكل صنوف الحنان والرعاية لتقترب منه وتخطو خطوات إيجابية نحو كل المتاعب لتتفاعل معها بتوازن وتجتازها بنجاح. المرأة في مجتمعنا أصبحت كالزهرة الذابلة لفرط الاجتهاد والجفاف والعناء، لم تشعرها حيوية الرجل العاطفية بأي شيء من الحب والدفء والارتياح. فالتودد العاطفي للمرأة ضروري جداً حتى تتفتح مساماتها العطشى لحب الحياة ولإشعال حرارتها بكل مشاعر السعادة لتعطي، لتضحي لتتنازل عن قناعة، وعن طيب خاطر، ولسنا بغافلين عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كزوج حينما يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). ويصف في مقام آخر النساء ترفقاً بهن (رفقاً بالقوارير). إن ما يُطلب من الرجل ليس بالأمر العسير، وليس بالشيء الذي يفوق الوصف والاحتمال، ففي لحظة خاطفة من عمر الزمن يغوص في ذاته ويتعمق في كيانه ليدرس نفسه ويغير من أسلوب معاملته حتى يذيب الحواجز الجليدية التي صنعها الروتين والرتابة، ثم يقف وقفة تأمل صامتة ليحاسب نفسه على مهل، ويتفكر ملياً ليفهم أن مفاتيح السعادة مخبوءة في أعماقه يستطيع أن يفجر مكامنها عبر وسائل يظنها تافهة ولا قيمة لها قد تكون غاية في الأهمية عند المرأة، فالكلمة الطيبة، التعبير عن الحب، الإقبال عليها بهدية بسيطة تسر قلبها وذلك عبر مناسبة يختلقها بحذاقة وذكاء لتشعل مشاعر الرضا كذلك تقدير متاعبها، ترتيب المسؤوليات بينهما وتنظيم الحياة لكي يخفف عنها الكثير من الأعباء، إطراء محاسنها، زرع ثقتها في نفسها، احترامها أمام الناس، كل هذه الأشياء قد تكون بلسماً شافياً لكثير من الجروح. فكثير من النساء بحاجة إلى هذا المخزون الروحي ليبدد ظلمة التعاسة والإحباط في نفوسهن الراكدة. إنها تتعب.. تلك المخلوقة الساكنة إلى قلبك.. تدور في دائرة من المسؤوليات: الوظيفة، البيت، الأولاد، تقوم بمهام مزدوجة في وقت واحد، هل فكر هذا الرجل في أن يمنحها قلبه، وقته، جهده، حبه، نوعاً من التقدير والاحترام؟ لِمَ أصبحت المرأة الأخرى التي يبحث عنها في الظل منتهى الحلم ومنتهى الغاية تلفها المزايا والحسنات كما لو كانت قطعة من الجنة؟! ربما كما قيل في الأمثال مغنية الحي لا تطرب.. قد يعيش الرجل مع المرأة سنوات طويلة دون أن يفهم نفسيتها أو حتى طباعها أو يتأقلم مع شخصيتها كأنها مخلوقة غريبة جاءت إليه من كوكب آخر، ويرى في غيرها من النساء المثالية المنشودة، وهذا قد يكون ضرباً من ضروب الوهم، لأنه لم يقترب من امرأته اقتراباً نفسياً، وبالتالي لم يفهمها، لم يتحسس مشاعرها الدفينة رسم على عينيه منظاراً قاتماً فتاهت عيناه عن حسناتها وجمالها الداخلي الحقيقي. الكبرياء المزيف الذي يفتعله وهو بصدد التعامل المعيشي مع الزوجة، الذي يعبر في مضمونه عن رغبة حقيقية ملحة في الترفع عن أنوثة المرأة، واعتبارها ضعفاً لا ينبغي النزول إليه لأنه انحطاط في الرجولة وضعف في الشخصية، وكلها مشاعر مزيفة ترسبت عبر عوامل تربوية خاطئة فتنمو الفجوة والقسوة والجفاء بينهما على مر السنين. الحل كامن في نفوسنا، يضطرب مع خلجاتنا، سهل يسير، لا عليك أيها الرجل إلا أن تحتوي المرأة لتحمي الحياة من الاضطراب وتمنح زوجتك قلبك لتعطي بسخاء وتتجدد حياتك وتعلم أنك قد فقدت عبر هذه السنين رحيقاً فواحاً وأنساً جميلاً وعيشةً هنيئةً.