تلم بالانسان أحداث وأرزاء ومواقف تلبسه اللوعة والأحزان وتستدر في عينيه الدموع ومن اعظم رزايا الإنسان الموت حيث يبقى المصيبة الأفدح في حياته ولكنها ارادة الله وما اراد الله فعل ومشيئة الله لا تقهر والرضا بالقدر من الإيمان ولا يملك الإنسان ازاء هذه المصيبة سوى أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ثم يتجلد بالصبر ويحتسب الأجر,, وفقد الولد (فقد ما له عوض) خصوصا إذا تميز بالصلاح وبالتقى وهذا (العتبي) أحد الشعراء حينما فقد ولدين ليس بين فقدهما سوى ليال عبر عن حزن فقد البنين فقال: ما عالج الحزن والحرارة في الأحشاء من لم يمت له ولد والأب يتمنى لو يفتدي بنيه ويدفع عنهم الشرور ولكن المنايا اذا حلت أوحلت واذا حضرت قضت أمرا كان مفعولا يقول ابو ذؤيب الهذلي: ولقد حرصت بأن أدافع عنهم وإذا المنية أقبلت لا تدفع وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع أبوذؤيب هذا فقد سبعة من الأبناء رثاهم بدمعه وألمه وبشعره لكن لم يوقف موت أبنائه خطواته على الأرض برغم ان الفاجعة سكنت حنايا قلبه وقال يرثي ابناءه السبعة: قالت اميمة ما لجسمك شاحبا منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع فأجبتها أن ما لجسمي إنه أودى بنيّ من البلاد فودعوا أودى بني واعقبوني حسرة بعد الرقاد وعبرة ما تقلع فبقيت بعدهم بعيش ناصب وإخال أني لاحق مستتبع أما المرأة الشاعرة من بني الحارث يقال لها الحارثية فقد أظلمت الدنيا في وجهها حينما حملوا لها خبر موت ولديها وكلكم تعلمون بواعث الحزن المتأجج داخل قلب الام المكلومة ولأنها أم قالت: يا من أحس بنييّ اللذين هما كالدرتين تشظّى عنهما الصدف يا من أحس بنييّ اللذين هما سمعي وطرفي فطرفي اليوم مختطف يا من أحس بنييّ اللذين هما مخ العظام فمخي اليوم مزدهف أما ذلك الأعرابي فقد حاول ان يحتزم بالصبر لفقده ولده فأبى الصبر واجابه الحزن والأسى فصور عظم المصيبة عندما يغلو الفقد. ولما دعوت الصبر بعدك والأسى أجاب الاسى طوعا ولم يجب الصبر فإن ينقطع منك الرجاء فإنه سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر وابن الرومي بلغ به الحزن مداه عندما انتزع الموت أوسط صبيته محمد وعندما تحرك وتر الألم في قلبه أسمعنا ألحان الرثاء حتى باتت انشودة كل ذي مأساة عندما تنفجر لواعج الفقد في حنايا القلب، لقد عبر ابن الرومي عن حزنه حينما أذهله المصاب فاستجدى دموعه أولا: بكاؤكما يشفي وان كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي ولأن الموت اختار أوسط صبيته فزاده أسى على أسى قال: توخى حِمام الموت أوسط صبيتي فلله كيف اختار واسطة العقد ولأن قلب ابن الرومي مهدود بما دهاه ومشغول بما رزاه فلقد اشتكى وبكى حتى نسي هل داعب ابنه ذات يوم ولاعبه: كأني ما استمتعت منك بضمة ولا شمة في ملعب لك او مهد ألام لما أبدي عليك من الأسى وإني لأخفي منك اضعاف ما أبدي لقد أبى قلمي الا ان ينثر مداده مشاطراً أحزان كل الذين فقدوا ابناءهم واقاربهم ونشرت الجزيرة عنهم ومن هؤلاء العميد أحمد الأزوري الذي فقد ثلاثة أبناء دفعة واحدة وهم في ريعان شبابهم وبرغم الفاجعة أبدى العميد وأسرته الصبر والجلد والتحمل يغذي كل ذلك الايمان بالله والتسليم بالقضاء والقدر رغم ان فقد الولد نكبة. واولادنا مثل الجوارح ايها فقدناه كان الفاجع البيّن الفقد لقد رحل أولاد العميد وبشائر الخير تسابقهم الى رضوان الله اقبلوا على ربهم في يوم عرفة وهم صائمون وقلوبهم بعدها طاهرة لم تلوثها أدران الحياة يقول الزهاوي في حتمية الموت: هو الموت لم ينج امرؤ ولو أنه في بروج تشيد يموت الكبير كما أنه يموت الصغير فهل من مخلد وما المرء الا رهين الردى فسبحان من بالبقاء تفرد هذه هي الحياة مزجت بالافراح والأتراح، لا يستقر لها حال فلله ما أعطى ولله ما أخذ وليس لكل انسان رزء في هذه الحياة إلاّ الصبر فعزائي لكل من فقد غالياً. محمد إبراهيم محمد فايع