الرائحة الجميلة تبعث على القرب من صاحبها والعكس صحيح، فإن من الناس من ينفر الآخرين برائحته، والطيب من المحبوبات عند الملائكة والأنبياء الصالحين. قال الإمام ابن القيم: (وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة وكل روح تميل إلى ما يناسبها فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، وهذا وإن كان في النساء والرجال فإنه يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح إما بعموم لفظه أو بعموم معناه)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر من التطيب وتعجبه الريح الطيبة، وكان يعرف برائحة الطيب إذا أقبل، قال العلماء: كانت هذه الريحة الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبا ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين، وأمر صلى الله عليه وسلم المصلين بالاغتسال وطيب الرائحة، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فقال: (من جاء إلى الجمعة فليغتسل). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا على الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم لو اغتسلتم. وفي صحيح مسلم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال وهو يخطب يوم الجمعة: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخا، وقد أمر المسلم بأخذ الزينة عند كل مسجد ومن الزينة طيب الرائحة قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} قال الإمام النووي: (ولذلك يتأكد الطيب للرجال يوم الجمعة والعيد عند حضور مجامع المسلمين ومجالس الذكر والعلم)، وفي رمضان حيث يجتمع المسلمون لصلاة التراويح كل ليلة وتزدحم المساجد بالمصلين فينبغي أن يحضرها المسلم على أكمل هيئة وأطيب رائحة ومن الملاحظ أن بعض المصلين هداه الله لا يعير ذلك اهتماماً وقد ينفر جاره في الصف من إكمال الصلاة أو يؤذيه برائحته دون أن يشعر وينبغي على المصلي أن يتذكر أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. ومما يجدر ذكره انه كما ان لإهمال الطيب وتركه أثره السيئ على الآخرين فإن المبالغة في الطيب والتكلف فيه قد ينفر أحياناً، والنظافة أصل في هذا الباب فلا طيب أطيب من الماء كما قال العرب، وان الاهتمام بطيب رائحة البدن عن طريق نظافة الملبس والاغتسال أولى وأهم من الاهتمام بطيب رائحته من خلال الطيب، وثمة أمر أخير وهو أنه ينبغي للمصلي اختيار العطور المناسبة التي لا يأنف منها غالب الناس.