فإن وفاة الشيخ العلاّمة عبدالله بن حسن القعود - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته ليست مصيبة على أهله وذويه فحسب، ولكنها مصيبة الأمة، فالشيخ فقيد أمة عرفته بما وهبه الله من الخصال الحميدة والصفات الحسنة والشمائل الكريمة التي لا تتوافر إلا في القلائل من العلماء. فقد كان عالماً فاضلاً ضرب من نفسه المثل القدوة في التواضع والكرم والإيثار والزهد والورع والتقوى والسعي في حاجات المسلمين أفراداً وهيئات والاهتمام بهم حيثما كانوا وقد بارك الله تعالى في علمه، فانتفع به خلق كثير، سواء أكان ذلك في حلقات التدريس أم في المحاضرات في الجامعات والمدارس والهيئات أم في جهوده في الدعوة إلى الله ونصحه وإرشاده في كل مناسبة أم في منزله العامر أم في خطبه المؤثرة التي يعالج فيه قضايا العصر منطلقاً من توحيد الله وتعظيمه والثناء عليه الذي هو مقصود الخطبة إلى ساحة الوعظ والتذكير بأيام الله وسنته.. ولهذا كان الشيخ يقصد من أطراف الرياض لحضور خطبه المفيدة التي يلاحظ فيها خشوعه وبكاؤه فقل أن تسمع له خطبة إلا وتزينها عبراته التي تخالط كلماته. كما أن الشيخ - رحمه الله - ذو عناية بالأدب يتذوق الشعر ويستشهد به في خطبه ودروسه ومجالسه، ومن خصال الشيخ - رحمه الله - النادرة صراحته ووضوحه في آرائه مما جعل له قبولاً في أوساط طلاب العلم فكثر محبوه، ولعل تلك الجموع الغفيرة من الناس الذين صلوا عليه صلاة الجنازة، ومشوا في جنازته في المقبرة شاهد على أن الشيخ - رحمه الله - ممن وضع الله له القبول في الأرض وأجمعت قلوب المؤمنين الصادقين على محبته. وهكذا عرفه الناس في علمه وفضله وحسن تعامله وسائر صفاته من غير مبالغة غير مشروعة في المديح، ولا إطراء في الثناء كموقفنا الوسط من علماء السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - نجلهم ونحترمهم، ونعرف لهم فضلهم وجهودهم، ونفيد من علمهم وندعو لهم، ولا نتجاوز ذلك. الشيخ العلاّمة عبدالله بن حسن القعود - رحمه الله - شخصية بارزة ليست في حاجة إلى تعريف، كما قيل (المعرّف لا يعرّف) فهو العالم العلاّمة والحبر الفهامة. ولد - رحمه الله - ليلة السابع عشر من رمضان سنة 1343ه في بلدة الحريق جنوبالرياض ونشأ في بيئة إسلامية ملتزمة مستقيمة، وفي بيت ثري بين والديه فتعلم مبادئ الكتابة وقراءة القرآن لدى الشيخ محمد بن سعد آل سليمان وذلك في آخر العقد الأول من عمره وأول الثاني تم حفظ القرآن الكريم وبعض مختصرات شيخ الإسلام بن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله تعالى - على يد قاضي المحافظة آنذاك الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم آل عبداللطيف - رحمه الله. وبعد أن شب وأدرك تاقت نفسه للعلم فرحل في طلبه إلى الدلم حيث الإمام الجليل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - فلازمة أربع سنين حفظ عليه متوناً علمية كالعقيدة الواسطية وكتاب التوحيد وبلوغ المرام والأجرومية وكثيراً من ألفية ابن مالك ونخبة الفكر وغيرها من المتون التي كانت تدرس في ذاك الزمن ولما افتتح المعهد العلمي عام 1371ه التحق به، وتخرج في كلية الشريعة عام 1377ه وكان من مشايخه في الدراسة النظامية محمد الأمين الشنقيطي والشيخ عبدالرحمن الأفريقي والشيخ سعد وقاص البخاري. وفي 4-5-1375ه عين مدرساً بالمعاهد العلمية وفي 9-5-1379ه انتقل إلى وزارة المعارف مفتشاً للمواد الشرعية بالمرحلة الثانوية وفي عام 8-11-1380 انتقل إلى دوان المظالم عضواً قضائياً شرعياً. وفي عام 1-4-1497ه عين خطيباً لجامع المربع وكان الملك فيصل - رحمه الله - ممن يصلي الجمعة في ذاك الجامع ويستمع لخطبه. بالإضافة إلى تأليفه مجموعة من المؤلفات منها رسالة بعنوان أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، ورسالة بعنوان وصايا للدعاة وديوان خطب بعنوان أحاديث الجمعة. ومن أبرز تلاميذه معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدكتور حبيب زين العابدين وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان والشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التويجري أستاذ مساعد بكلية أصول الدين قسم السنّة والشيخ سعد بن تركي الخثلان محاضر بكلية الشريعة. توفي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء الموافق 7-9-1426ه (ولد في شهر رمضان وتوفي في شهر رمضان). نسأل الله العلي القدير أن يتغمد شيخنا بواسع رحمته، وأن يغفر له، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يخلفه في عقبه في الغابرين، وأن يفسح له في قبره وينور له فيه. وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.