إن هذا الشيخ لا أستطيع أن أوفيه حقه ولن أحصي مآثره، ولا ذكر جميع شمائله لمن لا يعرفها عنه، وإلا فإن من عرفها سيقول قصَّرت. إنه الحافظ لكتاب الله العلامة الفقيه الداعية الصريح الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، الذي يغار عند انتهاك محارم الله، يبادر بالنصح، ويرغب في الحوار والنقاش، هو أبو محمد عبدالله بن حسن بن محمد بن حسن بن عبدالله القعود. ولد في محافظة الحريق جنوب مدينة الرياض بحوالي 235 كيلو متر في ليلة السابع عشر من شهر رمضان من عام 1343ه، ومات رحمه الله تعالى صباح يوم الثلاثاء الموافق 7-9-1426ه عاش وترعرع في كنف أبيه، وكان أبوه من تجار المحافظة في تجارة التمور، والحبوب، والمواشي، يتعامل في ذلك مع مزارعيها وباديتها، بالإضافة إلى أعمال الزراعة، إذ يملك ملكاً زراعياً معروفاً حتى الآن. ينتمي إلى أسرة كبيرة عرفت بالترابط فيما بينها والتكافل، يعرف عنها أن أولاد بناتها من غير أسرتها يعيشون مع أخوالهم كأبنائهم، وأبناء عمومتهم، رغم قلة اليد وصعوبة الحياة والمعيشة يؤثرونهم على أنفسهم قديماً، وسار على ذلك أبناؤهم من بعدهم، وبرهان ذلك أن والدتي هي ابنة عمة شيخنا، ووالدها ابن عم خالها، مات أبوها وهي في بطن أمها فتكفل بها خالها حسن وعمها عبدالله بن راشد بن حسن القعود إلى أن تزوجت في دارهم وغيرها كثير. من أولاد بناتهم من آل محسن وآل عبدالسلام، وآل الحوطي وآل سريع وغيرهم ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. وجد شيخنا لأمه هو سعيد بن عبدالله بن محمد بن عبدالسلام، ولشيخنا أخوان هما علي، ومحمد، وثلاث من الأخوات. درس شيخنا في كتّاب المحافظة على يد المطوع محمد بن سعد آل سليمان - يرحمه الله- مبادئ الكتابة، وقراءة القرآن الكريم في أول العقد الثاني من عمره وفي آخر العقد الثاني منه، ثم حفظ القرآن الكريم بعد ذلك على يد قاضي المحافظة آنذاك الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم العبد اللطيف من أهالي أشيقر وبعض مختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى. ولشيخنا نفْسٌ تواقة لطلب العلم بعد أن فطن فالتحق بالدراسة وتحصيل العلم، فنهل من ذلك على يد سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقاً الشيخ الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في محافظة الدلم التي تبعد عن محافظة الحريق بحوالي مائة كيلو متر فلازمه أربع سنين من شهر صفر سنة 1367ه وحفظ عليه متوناً علمية كالعقيدة الواسطية، وكتاب التوحيد، وبلوغ المرام، والأجرومية والكثير من ألفية بن مالك، ونخبة الفكر، وغير ذلك من المتون التي كانت تدرس في زمنه ذاك، ويذكر شيخنا أن شيخه الإمام عبدالعزيز بن باز يخرج بطلابه من الدلم إلى الصحنه القريبة من الدلم للتدريب على الرماية، وتعلمها، وكشف مواهبهم نحوها، وذات يوم بدأ بالرماية أحد الشخصيات المعروف بالفروسية، والرماية والصلاح إلا أنه لم يصب الهدف عدة مرات وارتبك، وجاء الدور من بعده لشيخنا عبدالله القعود، ورغم أنه لا يرى إلا بعين واحدة فأصاب الهدف بدقة في المرة الأولى. وكان شيخنا يقطع المسافة بين الدلم ومحافظة الحريق على أقدامه ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاء عندما يرغب في زيارة أهله، أو تعن عليه البلدة، وأهلها، والعودة منهم متأبطاً كتاب الله، أو كتاب رياض الصالحين، أو كتاب الكبائر، أو كتاب الطرق الحكيمة، أو زاد المعاد، أو الروض المربع، أو روضة الناظر، وغيرها من الكتب للمذاكرة في الطريق كما ذكر لي شيخنا، وكان يُحضر في عودته من أهله شيئاً من الطعام مثل يبيس التمر، ورقائق القمح، والسمن، والأقط، ماراً بشعيب السوط، فالخمس، فوثيلان، ثم درب عجلان النافذ على مركز نعام، ولم تفارق مخيلته وذكرياته مدينة الدلم، وأيامها وشيخها، وزملاء الدراسة فيها، وأهلها، واستمر شيخنا يزورها ما بين الحين والحين وكان له أصدقاء ومعارف بها يوالي الاتصال بهم. التحق شيخنا بعد ذلك بالدراسة النظامية بالمعهد العلمي بالرياض في مطلع عام 1371ه عند افتتاحه، وتخرج في كلية الشريعة في الرياض في الفوج الثاني عام 1377ه ومن مشائخه فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي، ومحمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبدالرحمن الإفريقي وتتلمذ في علم التجويد على يد الشيخ سعد وقاص البخاري في مكةالمكرمة بعد حج عام 1370ه، وأراد أن يلتحق في علم القراءة بالشيخ حسن الشاعر والد معالي وزير الإعلام سابقاً، والمستشار حالياً بالديوان الملكي علي بن حسن الشاعر بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فحال بين شيخنا والالتحاق بالشيخ حسن الشاعر كبر سنه. ومن زملاء شيخنا في الفوج الثاني من كلية الشريعة في الرياض فضيلة الشيخ فالح بن مهدي آل مهدي الذي كان ترتيبه الأول على الفوج وهو من قام بتأليف التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية، وكان أحد المدرسين بكلية الشريعة بالرياض، ومن زملائهما سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وعبدالله بن عبدالرحمن البسام، والشيخ الدكتور عمر بن عبدالعزيز المترك، والشيخ عبداللطيف بن محمد الشديد، والشيخ عبدالرحمن الرويشد، والشيخ سليمان بن محمد الحمّاد، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الخراشي، والشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الخراشي، والشيخ مقبل العصيمي، والشيخ يوسف الدغفق - غفر الله لمن مات من هؤلاء - وأحسن الختام للأحياء منهم. وقبل تخرج شيخنا في كلية الشريعة عُمّد مدرساً في المعهد العلمي بشقراء في 4-5-1375ه وبعد تخرجه أُريد على القضاء عدة مرات فأعرض عنه، فعُمد بالتدريس فباشره بمعهد إمام الدعوة العلمي التابع آنذاك للمعاهد العلمية والكليات التي يرأسها سماحة المفتي للبلاد السعودية آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المؤسس لها رحمه الله، وفي 9-5-1379ه انتقلت خدمات شيخنا إلى وزارة المعارف، حيث عمل مفتشاً للمواد الشرعية في المرحلة الثانوية، وفي 8-11-1380ه انتقلت خدماته إلى ديوان المظالم عضواً قضائياً شرعياً. وفي 1-4-1389ه انتقلت خدمات شيخنا إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وعمل عضواً في اللجنة الدائمة للإفتاء المنبثقة من هيئة كبار العلماء بجانب عضويته في هيئة كبار العلماء. وكان إبان بقائه في مسقط رأسه وأثناء التحاقه بالكتَّاب يأم مسجد حيه (مسجد الرميله) وبعد تخرجه من كلية الشريعة أم المسجد الجامع الكبير بالشميسي بالرياض (مسجد المشقيقق) المشيد على نفقة والدة الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمهم الله - فهو خطيب مفوه ألقى خطباً في هذا المسجد، كما أمّ المسجد الجامع الكبير بالمربع بمدينة الرياض مدة طويلة، ولخطبه وقع وتأثير وحضور كبير، تتسم خطبه بالنصح والمصارحة، ومعالجة ما يظهر من أمور في المجتمع يرتجلها ارتجالاً يعظ ويخوف من الله ويذكر الجنة والنار، والثواب والعقاب، وكان الملك فيصل بن عبدالعزيز - يرحمه الله - ممن يصلي الجمعة في هذا المسجد ويستمع لخطيبه. وشيخنا كتب وألف وجمع في خطب الجمعة كتاباً أسماه (أحاديث الجمعة) في جزئين قال شيخنا: إن الجزء الثاني نال منه عناية، ودقة، وكان شيخنا حين جمعه لهذا الكتاب يقوم بإملائه على الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن إبراهيم العبد السلام المستشار الشرعي سابقاً بأمارة منطقة الرياض إبان دراسته في المرحلة الثانوية لحسن خطه وسرعته في الكتابة. ويحب شيخنا الاطلاع على الجديد بالإضافة إلى عنايته بالقديم فهو أثري، ويحفظ الكثير من الشعر ويستشهد به دائماً، ويهوى التنقل والترحال في البرية والبلدان وخصوصاً عند نزول الأمطار، وخرير الجبال، وتتدافق الوديان، وأخذ الأرض لزينتها بأنواع النبت، وعلى علم وإحاطة بأسماء الجبال، والوديان والمحلات في محافظة الحريق، وله تمييز بين أنواع نباتها، وأخيلها، وعلى معرفة تامة بموارد مياهها وشعابها، وله ذكريات مع عزيب الرعاة وراء الجمال والأغنام فيها. ويعدد دائماً الأشخاص الذين يخرجون لهذا الغرض، وعلى علم تام بما يوضع على الجمال والأغنام من وسم، ولمن يعود من القبائل في محافظة الحريق، وغيرها؛ بحكم تعامل أبيه في تجارة المواشي لفطنته، ونباهته. وحج شيخنا بيت الله الحرام على الجمال عدّة مرات، ويعرف مسالك، وطرق ما يؤدي إليه منذ ترحاله من بلده وعودته إليه، وكان يورد عن ذلك أحاديثاً وقصصاً في مجالسه، وأسفاره، وأسماء من حج معهم، وبالذات السنة التي حج بأمه فيها ومنهم ناصر بن راشد بن ناصر الكثيري، وعبدالرحمن بن سعد العيسى ويذكر أن رحلة الحج على الجمال ذهاباً وإياباً من محافظة الحريق إلى مكةالمكرمة تستغرق سبعة وخمسين يوماً تقريباً. ويؤدي شيخنا الحج كل عام ويكرر العمرة، فهو دقيق في مواعيده، حريص على حفظ وقته إذا هم بسفر فإنه ينطلق مبكراً ويعد العدة اللازمة له مسبقاً، وبعد تقاعده قال لي الشيخ محمد بن إبراهيم بن راشد القعود مدير عام الدعوة في الخارج بالرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد سابقاً: إن فضيلة شيخنا اتصل به هاتفياً مساء ليلة عرفة من ذلك العام قائلاً: إذا تريد أن تحج معنا فصل معنا صلاة الفجر في مسجد الأميرة سارة بنت سعد فاستيقظت مبكراً وصليت معه الفجر وكانت السيارة جاهزة فانطلقنا إلى مكةالمكرمة، ومعنا بعض أولاد الشيخ وكان الفطور معداً من أهل بيته فحملناه معنا، ولم نفطر إلا بعد منتصف الطريق ثم واصلنا الرحلة مارين بميقات السيل فأحرمنا منه مفردين وبعد زوال الشمس كنا قد وصلنا إلى عرفة فصلينا صلاة الجمع مع بعض المخيمات القريبين منهم، ثم ذهبنا إلى مسجد عرفة فدعونا الله واستغفرناه وذكرناه كثيراً، ثم جلس يستمع إلى أسئلة بعض المصلين بعد أن تعرفوا عليه، وبعد الغروب نزلنا إلى مزدلفة وبعد صلاة الفجر ذهبنا إلى منى ورمينا جمرة العقبة ثم نزلنا إلى مكة وطفنا طواف الإفاضة، ثم ذهبنا إلى منزلنا في العزيزية وفي الليل توجهنا إلى منى وبتنا بها، وفي الصباح عدنا إلى البيت في العزيزية، وهكذا حتى يوم الثاني عشر الذي هو يوم التعجل وقد وكَّل في الرمي عنه أحد أبنائه فرمى عنه، وكان قد سبقنا إلى الحرم فلحقنا به، وطفنا طواف الوداع جميعاً وعدنا إلى سيارتنا وبها عدنا إلى الرياض، ووصلنا بعد صلاة العشاء من ذلك اليوم أي في الساعة العاشرة تقريباً، فاستغرقت الرحلة ذهاباً إلى مكةالمكرمة ورجوعاً إلى الرياض خمسين ساعة تقريباً. وما ذكرت عن شيخنا لم يقطعه عن العبادة وتحصيل العلم، والعناية بحفظ كتاب الله الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإفتاء الناس والاستعانة به في قضاء حوائجهم ويردد دائماً قول الإمام الشافعي: وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ تقضى على يده للناس حاجات وكان شيخنا حريصاً على صلة الرحم، وزيارة الأصدقاء، وعيادة المرضى، وتقدير الكبير ومداعبة الصغير، لا يمكث طويلاً في زيارته يهدي ويقبل الهدية ويثيب عليها. خطه جميل يعتني به رغم ضعف بصره منذ صغره فهو شغوف إلى طلب العلم، ويروي واحد من أشخاص ثلاثة رؤيا في نفسه، وفي شيخنا وفي شخص ثالث معهما فعرض هذه الرؤيا على شخص حافظ للقرآن الكريم على معرفة بالأشخاص الثلاثة وهو إبراهيم العويس في محافظة الحريق فقال الرائي: رأيت أن سني خلع، ورأيت أن عبدالله بن حسن القعود يشرب لبناً، ورأيت أن الشخص الثالث يشرب ماء من مكان تجتمع فيه السيول فيظل مستنقعاً ويرتاده شباب القرية للاستحمام فيه، وتعلم السباحة به يسمى (المزلّف) وأن الشخص الثالث يشرب منه ففسر هذا الرجل للرائي هذه الرؤيا أن الرائي سوف يظلم، وأن عبدالله بن حسن القعود وهو آنذاك شاب صغير سوف ينال علماً وفيراً، وأن الشخص الثالث سوف يصيب دنيا مخلوطة بشبهة، فحصل للرائي أن انتقل من محافظة الحريق إلى مدينة الرياض شاباً صغيراً لم يصل الخامسة عشرة من عمره طلباً للقمة العيش، وبعداً عن الفقر، وسعياً على أبويه وإخوته. وبعد أيام قليلة من وصوله مدينة الرياض وقبل أن يمارس بيعاً أو شراءً قابله في أحد أسواق مدينة الرياض أحد أبناء البادية الذين يجلبون أغناماً على الرياض لبيعها فاتهمه بشراء أغنام منه لم يدفع له ثمنها ووصل معه مجلس القضاء فتلعثم هذا الشاب حول الإجابة عن الدعوى ودفعها فتم القضاء عليه من قبل القاضي، وإلزامه بدفع المبلغ المطالب به الذي لا يملك منه شيئاً نفذ الحكم عليه بأن قام رجل من أهل الرياض يُدعى ناصر الحميد بدفعه، إذ أمر الشاب أن يذهب إلى أهل بيته ويحضر المبلغ من أهل بيته فأحضره الشاب ودفعه الشاب لابن البادية عندما وجد ناصر الحميد هذا الشاب على عتبة القضاء باكياً محكوماً عليه بمال لا يقدر على دفعه، وزوده الشيخ ناصر الحميد بخاتمه لأهل بيته لدفع النقود لهذا الشاب وكان ابن البادية محقاً في أنه باع غنماً ولم يستلم ثمناً لها إلا أن البيع كان على رجل آخر، حيث حضر المشتري الحقيقي من تلقاء نفسه إلى ابن البادية فعرض عليه دفع الثمن ودفع له الثمن فعاد ابن البادية يبحث عن المظلوم لرد المظلمة ولكن متى؟ وكان الأمر بما فسرت به الرؤيا، إذ وقع للرائي هذه المظلمة التي ادعى عليه بها وحكم عليه، وحصل للشيخ مواصلة الدراسة والتحصيل ونيل الشهادة العالية فدرس وخطب وأمّ وأفتى، وحقق وألّف كما حصل للشخص الثالث الحصول على أموال كثيرة بالقياس على الأموال والحصول عليها آنذاك. وشيخنا ربعه من الرجال يميل إلى الطول، متناسب الشكل، معتدل الجسم، بهي الطلعة، كث اللحية، حسن الهيئة، كريم النفس، جزل العطاء، طيب الرائحة، يغالي في امتلاك أطايب الأمور من بخور، وغذاء، وملبس، وفراش، ومركب، وأثاث، وآليات، سبّاق لامتلاك ما هو جديد، والاستفادة منه لا يمنعه من ذلك كله ارتفاع في ثمنه. شيخنا لمّاح حاضر البديهة، عف اللسان، يورد النكت العفوية، زاهد في حطام الدنيا، بعيد عن غشيان الأعتاب والمجاملة، وكان حس بيته إذا دقت الفتن الأبواب، وسمعت منه وصية بذلك لأبنائه. شارك في أعمال رسمية ولجان داخلية وخارجية لا يتكل على غيره، ويحرص على براءة الذمة بأن يقف بنفسه على الأمور التي له فيها مشاركة ولو آل الأمر لشد الرحال على نفقته. وذات يوم طلب مني أن أصاحبه على سيارتي إلى محافظة عنيزة، فوافقت دون أن أعرف الهدف من الذهاب، فذهبنا ووصلنا إلى هناك، ثم سأل عن مقبرة باسمها، فعرفها، وذهبنا إليها ونزل، واطلع على ما أراد، وكان موضوعاً يتعلق بها قد عرض على هيئة كبار العلماء عرفته فيما بعد دون أن يذكر لي ذلك ولم يمكث في محافظة عنيزة وعاد منها في الحال للرياض. سعى شيخنا لابتغاء المثوبة من الله، ولمراعاة حرمة الأموات فعزم أمره إلى جمع بعض المساعدات من القادرين على تسوير مقابر بمحافظة الحريق بالأسمنت والحجارة في عام 1385ه فتم له ذلك. ونوى، وهم شيخنا وعزم الأمر على إنشاء رباط بمحافظة الحريق لابن السبيل ووقع اختياره على قطعة أرض تعود للدولة، وفيما أظن أنه لما رأى أنها مجاورة لأحد الملاك عدل عن ذلك لئلا يضار المالك بتنفيذ ما نواه. عندما أحيل شيخنا إلى التقاعد لم تنقطع له صلة مع الكتاب، والرجوع إليه فانضم إليه نخبة طيبة صالحة (أحسبهم كذلك والله حسبي وحسبهم) فدرسوا عليه بعضاً من أمهات الكتب في جامع الأميرة سارة بنت سعد بالسويدي الواقع بجوار منزله وكان يأمّه في الفروض بجانب إمامته للجامع الكبير لصلاة الجمعة (مسجد المربع) وكانوا يدرسون عليه من بعد صلاة الفجر فترة، ومن بعد صلاة المغرب إلى العشاء فترة أخرى، ولم ينقطع عن الإجابة عن الفتوى التي ترده عن طريق الهاتف. تزوج شيخنا من خمس زوجات أولاهن لم يعش منها له ولدٌ فطلقها، وكذا الحال الزوجة الثانية قد طلقها قبل أن تنجب وله من الزوجة الثالثة - يرحمهم الله - المهندس محمد، وسعيد، وعمر، وحسن وخمس من البنات. وله من الزوجة الرابعة عبدالمجيد، وعبدالعزيز، وابنتان، أما الزوجة الخامسة فقد طلقها دون أن تنجب منه ولم تمكث معه طويلاً. وأصيب بانحراف في صحته، وعلى إثر ذلك أدخل مستشفى الملك فيصل التخصصي فأجريت له عملية جراحية في رأسه على أساس ما شخص من مرض في أعصاب رأسه وبعدها لا يستطيع المشي، أو الكلام فأصبح طريح فراشه مقعداً يحتاج إلى من يخدمه، ويطعمه، ويشرف على علاجه، وتمريضه وهو في منزله فوفر أولاده ممرضاً يعتني به إلى جانب ما تقوم به زوجته أم عبدالمجيد من خدمة عالية، وعناية مستمرة. وكان شيخنا على وضعه هذا وهو موضع عناية أولاده، وزوجته، وقد خصص أولاده مغرب كل يوم سبت طوال العام في داره لزواره واستقبالهم فيه، فصار يزوره الكثير من الناس، والجيران، وجماعة المسجد، ومن يعرفه، ومن لا يعرفه، وطلاب العلم. أسأل الله للجميع المغفرة والرحمة.