المتتبع لمفهوم التنمية التربوية يجد أنه تطور بتطور المقصود بكل من التنمية والتربية فكلما تطورت وظيفة التنمية وعملياتها خضعت التربية لتحول مناظر في الوظيفة والعمليات، أشارت إلى ذلك دراسة حول التنمية التربوية وأضافت أنه يمكن تلخيص مراحل تطور مفهوم التنمية التربوية خلال القرن السابق الى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى وتبدأ بعد الحرب العالمية الثانية، وفيها انبثق المفهوم الأصلي للتنمية حينما اكتشف العلماء الاجتماعيون ان بعض المجتمعات الصناعية قد اكتسبت مقدرة على الزيادة المنتظمة السنوية في إنتاجها القومي الإجمالي بشكل جعلها قادرة على تحسين أوضاعها المعيشية لسكانها بطريقة مؤكدة دون تغيير في البناء الاجتماعي فتبلور مفهوم التنمية كعملية نمو اقتصادي وكحل تقني يقوم على أساس عمليات اقتصادية تحدث تغييرات هيكلية في البنية الاقتصادية للمجتمع وفي أساليب الإنتاج المستخدمة وكذا توزيع عناصر الإنتاج بين القطاعات الاقتصادية المختلفة. وقد لفت هذا الانتباه إلى التربية التي توحدت مع التعليم النظامي باعتبارها إدارة لإحداث تلك التنمية بأسرع ما يمكن، وصارت التنمية التربوية نشاطاً يدعم ويعجل التنمية من خلال التوسع في المؤسسات التعليمية لإعداد جيل من العمالة المهرة في كل قطاعات الإنتاج والخدمات وتعزيز المعرفة في الميادين النظرية والتطبيقية وإنتاجها والاستفادة منها. وفي ضوء هذا التصور تم إعادة تنظيم المؤسسات التعليمية خاصة التعليم العالي والتعليم الفني والمهني بشكل يتناسب مع كون التعليم العصا السحرية للتنمية. المرحلة الثانية في نهاية الستينيات حيث تزايدت الشكوك حول المفهوم الاقتصادي للتنمية كنتيجة محبطة حيث لم تصل نتائج التنمية الى الغالبية العريضة من الجماهير المستهدفة بل تفاقم فقرها. ولم تتحقق العدالة الاجتماعية ولم تشارك الجماهير في صناعة القرارات التنموية ولم تلعب حاجاتها المادية وغير المادية وزادت معدلات الأمية وقد كشفت هذه النتائج ان التربية عجزت عن تحقيق أهدافها الحقيقية ولم تؤد الى تعظيم العائد منها، كما أنها لم تحافظ على الهوية الثقافية لمجتمعاتها بل تقمصت نماذج ثقافية غربية. وحيال هذه الانتقادات أصبح من الضروري تكميل المفهوم الأولي للتنمية وللتنمية التربوية كنمو اقتصادي بفكرة التوزيع العادل للثروة الجديدة بين الجماعات السكانية المختلفة واستبدل بإنتاج أعداد ضخمة من المتعلمين وتوفير الحد الأدنى من التعليم للمواطنين الكبار، كما برز اتجاه لتأكيد مناهج التعليم على الإنجازات الثقافية للمجتمع. كل هذا سياق تنموي يشمل التوزيع العادل للثروة الجديدة ومشاركة ملائمة في صناعة القرار بواسطة الجماعات المشاركة في الأنشطة التنموية والحفاظ على الهوية الذاتية والثقافية للمجتمع النامي. أما المرحلة الثالثة فظهرت في السبعينيات حينما تبلور تفسير نظري بديل لعملية التنمية قوامه مراجعات نظرية نقدية وفحواه ان الاستراتيجيات التقليدية للتنمية قد استنفدت الموارد الطبيعية غير المتجددة بشكل خطير وأنها تستند الى تشكيلة من الحلول في الخارج، وأنها مجرد تطوير لعناصر الثقافة المعنوية للمجتمع من الداخل، وان الفاقد الصناعي الناتج عن تطبيق العلوم والتكنولوجيا في الأغراض الإنتاجية قد لوث البيئة. وتذكر الدراسة انه قد طرحت تساؤلات حول هدف التنمية هل هو زيادة كمية أم تحسين لنوعية الحياة، كما أظهرت تلك المراجعات ان التنمية تفتقد التطور التاريخي فوضع التنمية في بعض المجتمعات المتقدمة تم الوصول إليه على حساب مجتمعات أخرى تخلفت بالتالي بنفس العملية التاريخية العالمية مما يحتم على جهود التنمية ان تصحح عدم التوازن في التوزيع العالمي لفوائد التنمية. وطبقاً لهذا التحليل تم في أواسط السبعينيات ان التنمية عملية عالمية للتغير المجتمعي تتميز بأنها مخططة بصورة تتعاون فيها الحكومات مع الشعوب والمنظمات الدولية وتقوم على الاعتماد الجماعي على النفس وتمتلك القدرة على الزيادة المطردة في الناتج الإجمالي القومي وتحافظ على الهوية الثقافية لمجتمعاتها، وتنظم بحكمة استهلاك الموارد غير المتجددة، وتؤكد على إعادة ظهور الموارد المتجددة وتعطي نصيباً عادلاً من الثروة الجديدة الناتجة لكل المشاركين في إنتاجها. وفي هذه الحدود ظهرت الدعوة لتنمية تربوية شاملة تشارك في تحقيق تنمية بشرية ذاتية التنظيم وقيمة تلبية الحاجات الأساسية وغير الأساسية للإنسان واطلاق العنان لفكره وحريته وطاقاته الإبداعية. وتؤكد الدراسة ان الإنسان هو غاية لوسيلة التنمية التربوية الحالية تلك التنمية التي تتكامل مع جميع مجهودات التنمية حيث تسعى الى المشاركة في حل الاختلافات الاقتصادية بحفز روح الإبداع لدى المتعلمين والمتدربين وتطوير الخصوصية الثقافية والإسهام في التنمية الذاتية المتجددة وإعطاء أولوية لتعليم الكبار والراشدين والبحث عن سبل جديدة لنظم التعليم المدرسي وغير المدرسي وإعادة توجيه التعليم للعمالة الكاملة والتركيز في المناهج الدراسية على علاقة العلم والتكنولوجيا بالحياة وتعبئة الجهود والمبادرات الشعبية لتحقيق ديمقراطية التعليم وفعاليته معاً، هذا الى جانب تطوير دور جديد للإعلام التربوي المستنيرالمسهم في قضايا التنمية. كل هذا في ظل تعاون إقليمي وعالمي مشترك. وعلى رب العالمين الاتكال.