إن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي كمنظمة إقليمية في الرابع من فبراير سنة 1981م بمبادرة الرياض ثم ولادته الرسمية في مايو 1981م بأبوظبي، قد جسد تحقيقاً لحلم طالما انتظره أبناء الخليج، يتمثل في السعي الجماعي إلى توافق اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي عبر عن وحدة خليجية تتوافر لها جميع المقومات التاريخية والبشرية والمادية بين ست دول هي: المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين، دولة قطر، دولة الكويت، الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عمان، مما أهلها لأن تكون قادرة على مواجهة كافة العقبات والتحديات التي تواجه مسيرتها وتقدمها الحضاري والثقافي، بكل كفاءة واقتدار، واستطاع المجلس خلال أكثر من عقدين من العمل الخليجي المشترك، من تحقيق حلقة واسعة من الإنجازات في شتى المجالات وعلى كافة الأصعدة ، وتجدر الإشارة هنا إلى دور المملكة العربية السعودية في دعم وتقوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بصفتها ضامنة الاستقرار إبان حرب الخليج الأولى (الحرب الإيرانية العراقية) وكذلك العدوان العراقي على الكويت وحرب الخليج الثانية التي تلته (1990-1991م). وأول من طالب بتأسيس قوة عسكرية خليجية مشتركة، وكانت ترجمة ذلك تشكيل قوة درع (الجزيرة) والتي تمركزت في مدينة الملك خالد العسكرية بالمملكة العربية السعودية وساهمت في عمليات تحرير الكويت وظلت متواجدة داخل الكويت في الفترة التي أعقبت التحرير وتحولت فيما بعد إلى مقرها بمدينة الملك خالد، كذلك ساهمت المملكة في إنشاء هيئة التسليح الخليجية واعتبار الهيئة السعودية نواة لهذه الهيئة الإقليمية، وكانت المملكة من أوائل من نادى بالسوق الخليجية المشتركة وتوحيد التعرفة الجمركية بين دول المجلس، ولا نغفل دورها البارز في انبثاق منظمة المعايير الخليجية في نوفمبر 1982 عندما تحولت المنظمة السعودية للمعايير والقياسات إلى مؤسسة إقليمية تخدم كافة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية وتقوم السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية - تاريخية - دينية - اقتصادية - أمنية - سياسية وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الإنحياز وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. وتنشط هذه السياسة من خلال عدد من الدوائر الخليجية، العربية، الإسلامية، الدولية وسنركز هنا على الخليجية محور بحثنا: الدائرة الخليجية منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والدائرة الخليجية تعتبر من أهم دوائر السياسة الخارجية السعودية وذلك لأسباب عدة أهمها أواصر القربى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية إلى جانب تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها. وإيماناً من المملكة وباقي دول الخليج بالقواسم المشتركة بينها ورغبة منها في توحيد وتنسيق السياسات المشتركة وأهمها الأمنية والدفاعية في خضم أزمات وصراعات تحيط بالمنطقة وتؤثر عليها بأشكال عدة، اتفقت إرادات قادة دول الخليج الست على إنشاء (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) في عام 1981م، ليكون الإطار المؤسسي لتحقيق كل ما من شأنه الوصول إلى صياغة تكاملية تعاونية تحقق كل رغبات وطموحات دول المجلس الست على المستوى الرسمي والشعبي على كل الأصعدة (السياسية - الأمنية - الاقتصادية - الاجتماعية - العلمية - الثقافية... إلخ). * والسياسة الخارجية السعودية في الدائرة الخليجية ترتكز على أسس ومبادئ من أهمها: - إن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مسؤولية شعوب ودول المنطقة. - حق دول مجلس التعاون في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها بالطرق التي تراها مناسبة وتكفلها مبادئ القانون الدولي العام، وذلك في مواجهة أية تحديات خارجية كانت أم داخلية. - رفض التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول والعمل على الوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أي من هذه الدول، معتبرة إياه إعتداءً على البقية. - تعزيز التعاون فيما بين المملكة وبين دول المجلس وتنمية العلاقات في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية، الاجتماعية، الثقافية... إلخ، من خلال تعميق وتوثيق الروابط والصلات التي تجمعها مع هذه الدول. - تنسيق السياسات الخارجية لدول المجلس قدر الإمكان وبخاصة تجاه القضايا الإقليمية والدولية المصيرية، وقد برز هذا التنسيق والتعاون جلياً في الأزمات التي مرت بالمنطقة وخاصة الحرب العراقية- الإيرانية، والغزو العراقي للكويت. - العمل الدؤوب والجاد على تصفية كافة الخلافات (خاصة الحدودية) بين دول المنطقة بالتفاهم القائم على مبادئ الأخوة وحسن الجوار. - الحرص الشديد على أهمية التنسيق الاقتصادي بين دول المجلس من خلال الحث المستمر على توحيد السياسات الاقتصادية وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة مع إيلاء عناية خاصة للتنسيق حول السياسات النفطية لدول المجلس بما يخدم مصالحها باعتبار أن النفط سلعة إستراتيجية لهذه الدول. وقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- من أوائل من نادوا بالوحدة العسكرية بين دول المجلس حيث قال -رحمه الله- في الجلسة الافتتاحية للدورة العشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض في شعبان 1420 ه الموافق 27 نوفمبر 1999م. بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب الجلالة والسمو أشقاؤنا قادة مجلس التعاون الخليجي. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : في رحاب وطنكم المملكة العربية السعودية، وبين أهلكم شعبا وحكومة، تسعد الرياض بكم، مرحبة بقدومكم، تحفها دعوات أهلها وشعوب منطقة الخليج أن يكلل الله مساعينا لما فيه رخاؤهم وأمنهم واستقرارهم. وإنها والله لأمانة في أعناقنا تستدعي منا الرقي بآلية العمل إلى مستوى طموحات شعوبنا. أيها الإخوة : إن منطقتنا الخليجية قد أنعم الله عليها بخيرات كثيرة، وخصها بالموقع الاستراتيجي، كانت ولا تزال محط الأنظار من كل مكان. وما لم نتمكن من تحقيق قوة عربية موحدة، فأقل ما يجب أن نحققه تحقيق وحدة عسكرية شاملة لمنطقتنا الخليجية لكي لا يبقى أمن دولنا وشعوبنا رهن الأهواء والمصالح الدولية، وهذا وضع لا نرضاه لدولنا وشعوبنا. * كما كان خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد من أوائل من نادوا بإقامة سوق خليجية مشتركة ومن دعا كذلك إلى وحدة الرؤية الخليجية، ووحدة المواقف مؤكدا أنها المنطلق الصحيح الوحيد لكل تحرك خليجي على أية ساحة من الساحات. حيث قال -حفظه الله - في القمة الخليجية بالدوحة للفترة 26-28رجب 1417ه للدورة السابعة عشرة للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي: إننا نقف على أبواب حقبة تاريخية جديدة حبلى بالتطورات المذهلة، والتعامل مع هذه الحقبة يتطلب منا تجنيد كل قدراتنا على التفكير والابتكار لنبني دولة الرفاه والتنمية، فالتحديات اليوم هي الأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إذ إن الغالبية العظمى من مواطني الخليج، هم من الشباب الذين لم يبلغوا بعد سن العشرين، ومستقبل هؤلاء الشباب في دراستهم، وتدريبهم، وإيجاد فرص العمل لهم، يجب أن يكون له مكان الصدارة في أولوياتنا. ومن هذا المنطلق، يبرز هدف إقامة سوق خليجية مشتركة، لا تعرف أي نوع من أنواع العوائق مطلباً ملحاً لشعوبنا، وضرورة من ضرورات الانتقال إلى اقتصاد ناضج قادر على المنافسة في كافة الأسواق العالمية. إننا نتطلع، في هذه الدورة لمجلسنا، إلى اتخاذ خطوات جادة في هذا الاتجاه، تنطلق من الإمكانيات المتاحة، والقناعة المتوفرة، تبني على نقاط الالتقاء بعزم أكيد، وتواصل السعي إلى التغلب على نقاط الاختلاف التي لا تزال عالقة، بتصميم شديد. أيها الإخوة قادة مجلس التعاون، أرجو أن تسمحوا لي بأن أنهي كلمتي هذه، كما بدأتها، بالحديث عن الخليج. إن مجلس التعاون مدعو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تبني نظرة واحدة إزاء المخاطر المشتركة. إن وحدة الرؤية هي أساس الموقف، ووحدة المواقف هي المنطلق الصحيح الوحيد لكل تحرك خليجي على أية ساحة من الساحات. إن ما نحتاج إليه اليوم هو أن ننطلق قدما بروح جديدة، روح تبث الأمل الجديد في شتى نواحي التعاون وأجهزته. روح تتسم بالثقة والتفاؤل، مسلحة بالإيمان بالله عز وجل، مستهدية في كل أمورها بهدي الكتاب ونور السنة النبوية الشريفة، متطلعة إلى غد يحقق لمواطن الخليج ما يتمناه من أمن وأمان، وتقدم ورخاء وازدهار. أشكركم أيها الأخوة، وأدعو الله جلت قدرته أن يلهمكم السداد والرشاد، وأن يجعل مداولاتكم وقراراتكم منطلقا جديدا من منطلقات الخير لخليجنا الحبيب وشعوبه العظيمة الوفية. * كذلك كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أوائل من نادوا بعولمة التجارة والاستثمار مؤكدا رفضه القاطع عولمة الفكر الفاسد وعولمة الانحراف كما أكد على ضرورة إيجاد اتحاد جمركي موحد حيث قال حفظه الله -حينما كان ولياً للعهد - بالدورة 19 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في ديسمبر 1998م: إننا نرحب بعولمة التجارة، وبعولمة الاستثمار، ولكننا نرفض عولمة الفكر الفاسد ونرفض عولمة الانحراف الذي يختفي تحت أسماء براقة، وهذا لا يعني الجمود في الحركة فصدورنا وبيوتنا مفتوحة لكل جديد مفيد، ولكنها موصدة في وجه الرياح التي تحاول زعزعة معتقداتنا وخلخلة مجتمعاتنا، فمنهجنا يستمد قوته من وسطية الإسلام الذي نتخذ بها موقفاً معتدلاً من القديم والجديد مستنيرين بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وبسنة نبيه المختار عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا يراودني أدنى شكل - إن شاء الله - أن سراج العقيدة السمحة كفيل أن يبين لنا الطريق المستقيم عندما تلتبس الطرق وتتلبد الأجواء بالغيوم. أيها الإخوة الكرام : لايساورني أدنى شك بأنكم جميعاً تدركون بأن السبيل الوحيد نحو البقاء في غابة المصالح الاقتصادية المتضاربة هو إقامة اقتصاد خليجي موحد يستطيع الصمود ومنافسة الكيانات الاقتصادية الكبرى. ولنتذكر دائماً أن مواطن الخليج يتساءل ومن حقه التساؤل عن السبب الذي يحول دون ظهور السوق الخليجية الموحدة، كما أن الإنصاف يقتضي منا أن نشيد بما استطاع المجلس تحقيقه من منجزات في ميدان التعاون الاقتصادي إلا أن النظرة الموضوعية تحتم علينا أن نسلم بأننا في حاجة إلى تحقيق المزيد فالسوق الخليجية الموحدة لا يمكن أن تقوم بدون اتحاد جمركي واحد، وهذا الاتحاد لا يمكن أن ينهض إلا على أساس تعرفة جمركية موحدة. * كما كان حفظه الله من أوائل القادة الذين دعوا إلى التعاون لمكافحة الإرهاب ووضع اتفاقية دولية في إطار الأممالمتحدة تكفل التعاون للقضاء على هذه الظاهرة حيث قال -حفظه الله- في ذات المؤتمر. أيها الإخوة: في ضوء هذه التحديات التي تطل من كل مكان، لابد لنا أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ، ولقد قطع التعاون الأمني شوطاً كبيراً ولابد من متابعته نظراً لأهمية الاستمرار في تنفيذ كافة الجوانب المتعلقة به والمسارعة فيها واستكمالها، ومن ذلك الاتفاقية الأمنية بين دول المجلس. وأنوه بالتعاون الذي تم بتوقيع الدول العربية على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والموقعة من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب بالقاهرة بتاريخ 25-12-1418ه الموافق 22-4-1998م. وإنني أدعو جميع دول العالم إلى التعاون في مكافحة الإرهاب والعمل على وضع اتفاقية دولية في إطار الأممالمتحدة تكفل التعاون للقضاء على هذه الظاهرة. ولندرك أن الوقت قد حان لتحويل التعاون العسكري الخليجي من قوة رمزية إلى قوة فاعلة تحمي الصديق وتردع العدو، فأمن الخليج في قوته، وقوة الخليج في وحدته، هذه بديهية يفرضها علينا منطق التاريخ، ومنطق الجغرافيا، ومنطق المصالح المشتركة، إلا أنه لابد أن نقول ونكرر أن أي قدرة خليجية في أي ميدان ليست سوى رافد ينصب في المجال العربي الأكبر، ومن ورائه المجال الإسلامي الأوسع، فمجلس التعاون يفقد كل مقومات وجوده إذا فقد هويته العربية الأصيلة وروحه الإسلامية العريقة. وفقكم الله، وكلل جهودكم بالتوفيق والنجاح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.