لقد شرَّفتني صفحة (عزيزتي الجزيرة) بقبول مشاركتي كقارئ محايد يدلي بدلوه (المنطقي - الموضوعي - الموثَّق) ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لا يثنيه عن ذلك محاولات استذكاء مَن أراد أن ينحى بالنقاش يمنة ويسرة؛ لذا فإنني أضع في اعتباري وأنا أعرض عليكم تعقيبي هذا أمرين: أولهما عدم الوقوع إن شاء الله فيما تعمَّده المنيف أو وقع فيه بالخطأ وأحسبه كذلك ، وثانيهما أنني لن أخرج عن (موضوعية نقاشي) المحرجة لأطراف كثيرة بدليل أنني أرد عليه من خلال ما كتبه هو في العدد 12035 الصادر في 6-8-1426ه. أولاً: بدأ في الهجوم مستخدماً أسلوباً أكل الزمان عليه وشرب وهو التقليل من شأن طرح الآخر باستعلائية لا تتجاوز أفق مداده الفارغ من الحجة، معتقداً أنه يفتُّ من عضد الرأي الآخر، متناسياً أن الحقيقة الدامغة كالشمس تُرى بالعين المجردة مهما طال أو قصر نظر مَن يقول: إنها ليست بشمس. وهذا نص ما قاله: (مقالة مهلهلة ضعيفة السبك فقيرة المعاني، تواجدت فيها عقلية المحامي، وحضرت عقلية الشاعر في الهيام في كل وادٍ). فإذا ما علمنا أن الموضوع المطروح للنقاش عن الدولة العثمانية فهل لمهنتي أو موهبتي شأن في ذلك؟! يا حفظك الله، ومع هذا أتشرف بمهنتي؛ لأنها عملي، و(العمل عبادة) كما يقول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورحم الله المتنبي إذ يقول: وكم من عائبٍ قولاً سليماً وآفته من الفهم السقيم أما عن فهمك الخاطئ لتفسير الآية الكريمة واستعارتك للهيام في كل وادٍ، فإنني أدعوك للاطلاع على أي من تفسيري القرآن الكريم لابن كثير أو الجزائري؛ حتى لا تَهْرِفَ بما لا تعرف مرة أخرى، لأن هذه الآية نزلت في (شعراء المشركين) الذين كانت (قريش) تهبهم الهبات لهجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لوأد الرسالة المحمدية في مهدها، وكان الأولى بك أن تسأل مَن تثق في علمه، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. ثانياً: لقد تهكَّم وسخر من الصحفيين مع الأسف بكل استعلائية من خلال طرحه أدنى مقوماتها بقوله عن مصطفى أمين: (خبر منقول عن صحفي!! مصطفى أمين). وأقول له: إنني أعتد بالصحافة والصحفيين، وبينهم قامات أدب وفكر وعلم لا يملك أن ينظر في شأنهم لكل الأسباب، وكنت أتمنى أن تكون تجربته المعرفية متبلورة تماماً ليعلم أن من أسماء الصحافة السلطة الرابعة وغيرها من الأسماء التي تليق بمكانتها وتنصف دورها، وإذا كان لم يجد من موقفه ومأزقه إلا الهجوم على شخصي تارة وعلى مصطفى أمين تارة أخرى فلماذا يحرج نفسه؟! لقد كان الأولى به الذهب؛ لأنه الصمت، بدلاً من الفضة إذا كان حولها مآخذ. ثالثاً: قال ما نصه: (يا رعاك الله، سيغضب كلامك هذا قوماً قد انبريت للدفاع عنهم، ولست أراك أهلاً لضعف بضاعتك)، وهل نصب المنيف نفسه جهة إدارية أو قضائية ليترافع أمامه صاحب الدعوى!! عش رجباً ترى عجباً!!! ثم إن الأستاذ محمد آل الشيخ والأستاذ عبد الله بن بخيت ليسا متهمين حتى أدافع عنهما، بل أشيد بما يطرحانه؛ لأن لهما من التجدد وسعة الأفق وعمق الرؤيا الاستشرافية الدقيقة والمهنية العالية ما ينوء به كاهل قلمك المتواضع. أما نظرية إن لم تكن معي فأنت ضدي والإقصاء والتهميش فهي لا تنفع ولا تضر؛ لأنها أضغاث أحلام مع احترامي لشخص المنيف. رابعاً: لن أناقش الكاتب في حبِّه غير المبرر للدولة العثمانية، بدليل استشهاده اليتيم بكاتب (واحد) هو عبد العزيز محمد عوض الذي لا تبتعد إيديولوجيته بحال من الأحوال عن سيد قطب - رحمه الله - وغيره، وإذا (عُرف السبب بطل العجب). ولكنني أقول للمنيف: ألم تعانِ أرض الوطن الكريم الذي يستحق الحب والتضحية والفداء من حملات أهلكت الحرث والنسل في الدرعية وضرماء والقصيم وجنوب المملكة في حملات إبراهيم باشا وغيره من جيوش الدولة العثمانية (المستعمرة)؟! أليس هذا هو التاريخ والواقع؟! أليس من المخجل أن نغمض أعيننا عن الحقيقة والتاريخ؟! إن ولائي لوطني وولاة أمري هو باعثي الأول لكره الدولة العثمانية شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. ثم كان هجومك على مصطفى أمين لأنه جاء بدليل من أدلة كثيرة على علمانية الدولة العثمانية، وهو أن جنود الدولة المستعمرة الآفلة كانوا يضعون طرابيشهم الحمر على أبواب البيوت كشعار على احتلالها، فمنذ متى كان دم المسلم وعرضه حلالاً؟! أليست هذه هي (العلمانية) التي يتشدق بها مَن لا يضعها في مكانها الصحيح؟! خامساً: حول ما تطرَّقت إليه في طرح سابق عن تحية العلم قال خالد: (أحسب أنك لستَ مؤهلاً للحديث عنها، وخصوصاً أن عدداً من المشايخ قد أفاضوا في هذا الجانب). والرد هو مَن قال لك إنني لست مستنداً في رأيي هذا إلى فتوى الشيخ العبيكان، أم أن المسألة لا تعدو كونها هجوماً وإساءة وتسفيهاً أنار الله بصيرتك. ثم يضيف الكاتب - المنيف - العبارة التالية: (الأخ عبد العزيز ليس بند للدكتور الهويمل ولا يجاريه في علم وثقافة ولا لغة ولا سعة فهم! وكان الخلاف على العرضة!!!). لاحظوا كيف أقحم الهويمل وأقحمني في مقارنة للتعتيم على نقطة الاختلاف الموضوعية، هذه المراوغة المكشوفة لا تُنجي الكاتب من الهرب، وإلا فإن (الخلاف في العرضة) الذي أشار إليه بعد (أن خلق المقارنة) بيني وبين الدكتور الهويمل في محاولة يائسة منه للتعتيم على الموضوع هو مربط الفرس، وعلى افتراض أنني جاريته فيما ذهب إليه ألم يقل الإمام مالك حين وقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلنا رادٌّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر؟! أم أن مناصرة المنيف للدكتور الهويمل يتطلب تكميم الأفواه والاكتفاء بوجهة نظر المنيف بشكل قسري؟! وعودة إلى موضوعي واختلافي الرئيس مع الدكتور الهويمل والمنيف، فالعرضة السعودية من مآثر تراثنا وفخر أمجاد الوطن، فهي تخلد توحيد الوطن على يد مؤسِّسه الملك عبد العزيز، وهي تبدأ بحمد الله وشكره، مثل: (نحمد اللِّي عزنا في وطنا) وغيرها من قصائد ابن صفيان وابن دحيم والعوني وغيرهم، وتدريسها كمنهج فيه حفظ للتراث وتوثيق لأمجاد الوطن وتخليد لمواقف رجاله. وسبق أن قلتُ: إنني أحترم خبرة وأكاديمية الدكتور الهويمل، وهذا في حد ذاته ردٌّ حتى على مراوغة الأخ خالد المنيف في أسلوبه، قال تعالى في سورة يونس الآية 36: {وَمَا يَتَّبِعُ أكثرهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. وألفت نظر الأخ العزيز الكاتب خالد المنيف إلى أنني كنتُ أتمنى أن أستمتع بنقده لو كان موضوعياً؛ لما فيه صالح الطرح والإثارة الهادفة في حياديتها المثرية في معلوماتها، ومع هذا أقول له بكل محبة وأخوية كما قال موسى عليه السلام لأخيه في سورة الأعراف الآية 151: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عبد العزيز سعود عبد العزيز المتعب مستشار قانوني وشاعر * المحرِّر: بهذا الرد من الأخ عبد العزيز المتعب سيتم إغلاق الباب حول هذا الموضوع الذي أُشبع تعقيباً بعد أن منحنا كل الأطراف فرصتها للنقاش والمداخلة وتناوله العديد من الإخوة في ردود متباينة وآراء مختلفة أثرت صفحة (عزيزتي الجزيرة).. شكراً للجميع، وإلى نقاشات أخرى في موضوعات مختلفة، فديدننا دائماً وأبداً هو (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية).. وللجميع تحياتي.