لا يوجد قيمة بدون جمهور، ولا رغبة بدون استمرار، ولا صدى بلا صوت ولا عقل بدون عاطفة ولا عاطفة صادقة بدون عمل، أصبحنا اليوم لا نعاني من البطالة المقنعة فقط، بل امتد ذلك أيضاً إلى ما أستطيع تسميته بالبطالة العاطفية أو البخل العاطفي، وذلك على الصعيد الأسري والتربوي والإداري. فرغم الكم الهائل الذي نملكه من المخزون العاطفي إلا أنه لا يستغل أبداً، فكلنا مثلاً يرى في أجهزة التلفزة بعض الدول التي أعيتها الزلازل والبراكين أو نرى قصة لرجل معاق صارع الإعاقة أو حادثاً مرورياً مروعاً أو انفجاراً قوياً.. فنبكي أو نتباكى.. وقد يسعد أحدنا عندما يقدم أحد أبنائه إنجازاً باهراً أو عندما يكرم في محفل دولي أو محلي، ولكن ماذا أنتجت هذه العاطفة؟ كما أن ذلك المدير قد يشعر بعظم فاعلية أحد موظفيه في الأداء وإدارة الأزمات، ولكن ماذا أنتجت تلك العاطفة وذلك الشعور!! ربما يتساءل القارئ كيف تنتج العاطفة؟؟ فنحن لا نستطيع منع حدوث الزلازل، ولا شفاء معاق، ولا إيقاف حدوث حادث مروري. فأقول تستطيع فعل ذلك كله بعمل بسيط لا يحتاج منك إلا الإخلاص التام والثقة الجمة بالله عز وجل، لا يحتاج منك إلا أن ترفع أكف الضراعة وتدعو لمن تشاء. كما أنه بإمكانك التبرع ولو بمبلغ رمزي، كما أنه باستطاعة ذلك المدير تقديم عبارات الشكر والثناء لموظفه أو تقديم مكافأة رمزية، إن هذا التصرف وتحويل الشعور إلى طاقة عاملة دون ابتذال يضمن لنا مبدأ التكافل الإنساني.يقول وليم جايمس: (إن أعمق مبدأ في طبيعة الإنسان هو التماس التقدير). إنني أتعجب من بخلنا العاطفي، الذي لا يجلب وراءه إلا البلاء والوبال، فما المانع من تحويل ذلك الدفق الشعوري إلى سلوك قويم يرتقي بعلاقاتنا ومعاملاتنا إلى مستوى أفضل. أنا لا أدعو إلى الانجراف أو الاندفاع نحو العاطفة دون تدبر وتبصر ورؤية، ولكنني أدعو إلى توظيف العاطفة بما يرضي الضمير الإنسان الحي، نريد أن تكون العاطفة السوية على اتصال دائم مع خصائصنا السلوكية. ولا ننسى في ذلك توظيف العواطف والمشاعر الحادة كالغضب، والظلم فباستطاعتنا تحويل المشاعر الملتهبة إلى سلوك عملي هو الحذر والاجتناب، الحذر من بواعث ذلك الشعور واجتناب عملها في الطرف الآخر، فتحويل العاطفة إلى سلوك معاكس في هذه الحالة هو الشيء الوحيد الذي يحقق معادلة الاتزان الشعوري ويخفف من (تورم) العاطفة. تماماً كما يستخدم أكسيد الديوتريوم في تلطيف طاقة النيوترونات السريعة في المفاعلات النووية، فكل مرض يعالج بضده، إن أعظم ما نملك في هذه الحياة قلب طاهر ينبض لا يضخ الدم إلى خلايا الجسم فقط، إنما يضخ معه الخير والولاء إلى الإنسانية جمعاء. همسة: تستطيع أن تميت الزهور تحت قدميك، ولكن لا تستطيع أن تزيل رائحتها.