مضت الأيام كأنها قرون بعد رحيله، تصارعني الحيرة وتقتلني العبرات، عجزت كثيراً.. بماذا أبدأ.. وماذا أقول!! وهل الصفحات تكفي لذلك!؟ فالإنسان يعيش أحياناً في حياته أوهاماً قد لا تنقطع، فأنا في ذاك المنزل المتواضع من مكان إلى مكان ليس لشيء آخر، غير أنه يسوقني إحساس غريب للبحث عنه، وقد يكون ذلك الإحساس شوقي اليتيم والحار للقياه.. نعم للقياه، رغم إيماني الكامل بأنهم إليها لا يرجعون. يا غائباً في الثرى تبلى محاسنه الله يوليك غفراناً وإحساناً لم يغب عن مخيلتي كله - رحمه الله - فذكر الله الدائم والمعاملة الحسنة والنصيحة الطيبة والابتسامة الحنونة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والزهد في الدنيا والتواضع والرأفة والرحمة وحسن الظن شعاره، لا يخاف في الله لومة لائم، دائماً سباقاً إلى الخير واصلاً رحمه رغم ارتباطه الدائم بعمله، لم يكن المربي لأبنائه فقط، وإنما للكل من عائلة وزملاء بل حتى مجتمعه، كان أباً للجميع بأخلاقه الحسنة فالكل يثني عليه في حياته فكيف بعد الوفاة؟ وكما جاء في الحديث (إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض) ولعل ما كان في المسجد والمقبرة من مئات المصلين والمشيعين من مختلف الجنسيات، وفي المنزل من زائر له في مرضه ومتصل دليل على ذلك، حتى إن الكثير منهم ذكر أنها المرة الأولى التي تكون جنازة بهذا الحجم، الكل يريد أن يرد ولو قليلاً من جميله والله يعلم أكثر مما نعلم، وأجاد من قال: تخالف الناس إلا في محبته كأنما بينهم في وده رحم لم يغب عني سؤال الطبيب له هل من شكوى؟ فيرد بإيمان صادق محلى بالصبر أشكو من ذنوبي، هو ذاك - رحمه الله - كان في حال السراء يشكو حاله إلى خالقها، فكيف عند الابتلاء؟ كان جل همه الآخرة (الجنة) وماذا قدم لها؟ لم تكن الدنيا وزخرفها.. أي رجل ذاك الرجل؟ نعم أي رجل هو؟ إنه والدي الشيخ الفاضل عبدالله بن علي ابراهيم الحمود - رحمه الله - رحل إلى ربه.. نعم رحل وسيبقى ما زرع من المعروف يجنيه القريب والبعيد كما كان في حياته إن شاء الله.. واشكر فضائل صنع الله إذ جُعِلت إليك لا لك عند الناس حاجا نحمد الله أن ثبتنا على الرضا والصبر كما ربانا عليه، كما نسأله المغفرة والرحمة لوالدنا وأن يطيل في عمر والدتنا وأعمارنا على طاعته سبحانه ويجمعنا في عليين وجميع المسلمين {نَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.