إنّ تاريخ الكتاب والمكتبات عند أسلافنا تاريخ ممتد وطويل، وكم من كتب ومكتبات أُحرقت وأُهملت وفُقدت لأنّها تُركت في أيدٍ لا تعرف قيمتها، وورثها أناس لا يعرفون قدرها وقيمتها العلمية .. لقد شغف علماؤنا بالعلم والكتب وجمعها حتى كانوا يرون نكتبهم في أموالهم أيسر عليهم من نكبتهم في كتبهم ومصنّفاتهم. يقول غوستاف لوبون (إنّ حب العرب للعلم والكتاب كان عظيماً وأنّهم بلغوا درجة رفيعة من الثقافة بعد أن أتموا فتوحاتهم بزمن قصير حتى استطاعوا أن يبدعوا حضارة أينعت فيها الآداب والعلوم والفنون وبلغت الذروة). إنّ كثيراً من العلماء عاجلتهم المنية وحالت دون إصدار كتبهم وكان لبعضهم صولة وجولة وخبرة ودراية وبذل جهوداً مضنية ولم يمهله العمر لطباعتها، وكانت هذه الكتب عزيزة على أصحابها وهي كذلك من أدرك قيمتها من أمثال المحدث عبد الفتاح أبوغدة المتوفى 1417ه المعروف بكتاباته العلمية وتحقيقاته التراثية الجليلة، ترك آثاراً مهمة في علوم الحديث واللغة العربية، والشيخ الألباني ت 1420ه ترك أكثر من 80 أثراً مخطوطاً بينها معجم الحديث النبوي في 40 مجلداً وأحمد شاكر، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ت 1389ه ما زالت بعض فتاويه مخطوطة، والشيخ عبدالله بن حميد. وهناك علماء في اللغة العربية من امثال محمد العدناني ونجيب إبراهيم خلف الذي ألّف معجماً يقع في 60 مجلداً جمع فيه مادة المعاجم العربية الكبرى، فدفعه ورّثته إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة بعد وفاته وما يزال مخطوطاً. وهناك آخرون من أمثال يوسف أسعد داغر ومحمد بهجة الأثري ومحمد أسد وجمال الدين القاسمي وفؤاد حمزة وبهجة البيطار .. وفي الشعر دواوين لا تُعد وقد ترك عدد من الشعراء أكثر من عشرين ديواناً مخطوطاً، ومجال التراجم حدث ولا حرج .. وفي اللغة والتاريخ هناك أعداد من العلماء لهم كتب لا تزال مخطوطة وبالبحث عنها يتبيّن أنّ معظمها مفقود. وهنا يأتي دور المكتبات ودور النشر ومراكز الأبحاث في الاهتمام بذلك وحفظها ونشرها وفهرستها وبث الوعي للاهتمام بها وتصويرها. ولقد قرأت كثيراً عن مؤلفات لبعض العلماء وهناك علماء لم تطبع لهم كتب في حياتهم وبقيت كل آثارهم مخطوطة ومركونة في زوايا الإهمال والنسيان، وهذا مما يؤسف له أشد الأسف .. وبقي أن نعمل شيئاً ونمسح الغبار المتراكم على تلك الكتب والمخطوطات فهي كنوز تراثية وحضارية وفيض من العطاء الفكري والإبداع العلمي والمعرفي في كلِّ المجالات ينبغي أن نستفيد منه. عضو جمعية التاريخ والآثار بجامعات دول مجلس التعاون