تظل حياة الناس في هذه الدنيا، وعلاقاتهم الاجتماعية نَهْباً للخلافات والمنافرات، والتَّدابر والتقاطع ما دامت القلوب مسكونةً بالرِّيبة والشك، مطويَّة على الكراهية والبغضاء، فإنَّ القلوب هي التي تُملي على الناس طرائق التعامل فيما بينهم، وأساليب التنافر أو التآلف في علاقاتهم العامة والخاصة. إنَّ جميع المشكلات الاجتماعية تنشأ من غَبَش القلوب، واضطراب المشاعر، وتذبذب الإحساس نحو الآخرين، فما من مصالحة تمَّت بين متخاصمين إلاَّ وكشفت عن أثر القلوب فيما حدث من خصام، بحيث يصبح الإنسان في لحظات اضطراب مشاعره في حالة من عدم التوازن تضخِّم في نفسه صغائر الأمور، وترسم في ذهنه صوراً مشوهة لمن يخالفهم أو يخاصمهم لا يرى فيها بصيص نورٍ من أُلفةٍ ومودَّةٍ وتقارب، وإذا انجلى القتام، وانقشع الظلام تبيَّن للإنسان خطأ ما كان عليه من الشك وسوداوية النظرة، وسوء الظن بالآخرين، وتساءل متعجباً: كيف استطاع الشيطان أن يحول بين قلبي والإحساس بالحقيقة فترة من الزمان؟. من هنا عُني الأنبياء والمصلحون على مدى الأزمان بسلامة الصدور، وصفاء القلوب، وحرصوا على ذلك، وقامت دعواتهم على تجليته، والترغيب فيه، والحثِّ عليه. إنَّ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب) ما يؤكد تلك الأهمية الكبرى لدور القلوب في بناء علاقات الناس، أو هدمها، وفي قربهم أو بعدهم عن بعض. إن الخلافات بين البشر، تقوم على أمور معلومة، علاقتها بالقلب واضحة، فالحقد والحسد والبغضاء، وسوء النيّة، والكراهية، كلَّها صفات سيئة ذات علاقة بقلوب البشر، إن تغلغلت فيها أفسدتها، ودفعت أصحابها إلى الإساءة، والاعتداء، والقتل، والسلب والنَّهب، والخصام المتواصل الذي لا ينقطع. قال أحد الذين خاصموا بعض أقاربهم سنوات طويلة: حينما أراد الله بي الخير، استجبت لأحد المصلحين، وكسرت حواجز العناد وكبرياء النفس، وبادرت بالمصالحة فوجدت نفوس من كنت مخاصماً لهم مستعدة للصلح، وكأنما كانوا ينتظرون البداية، وأقسم لي أحدهم لو أن المصلح بيننا جاء إلينا أولاً لما وجد منا إلا الاستجابة كما فعلت أنت، ويتابع الرجل حديثه قائلاً: والله ما هي إلا لحظة المصافحة بيني وبين أولئك النفر حتى شعرت أن كلَّ ما كان يَغُمُّ نفسي، ويؤلم قلبي قد أزيح عن مشاعري كما يُزاح ظلام الليل عن صدر الكون حين يتبسم الفجر. لقد شعرت بالراحة والهدوء والرِّضا حينما صفا قلبي، وزال ما كان ثقيلاً عليه من الكراهية والبغضاء. صفاء القلوب، صفة المؤمنين الأتقياء، الأخيار الأصفياء، بها تهدأ النفوس، وتسمو المشاعر، وتتقارب القلوب، ويزول ظلام الشك والرِّيبة والخلاف. صفاء القلوب، صفحة إذا شاعت بين الناس أراحتهم من إضاعة أوقاتهم في السب والشتم والكيد والمكر والقيل والقال، صفة عظيمة تستحق منا الاهتمام بغرسها في قلوبنا وقلوب أهلنا صغاراً وكباراً. إشارة: إذا كان قلبك صخراً فإني لأحمل قلباً حَنوناً صَفوحا