تقرأ لبعض الكتاب فتعجب بسعة اطلاعه على الثقافة العالمية وامتداحه لما فيها من الانفتاح والحوار والعمق في بعض الأحيان والموضوعية.ولكن ما أن تجالسه وتحاوره حتى يخيل إليك أن ما قرأته ليس من كتابته.وأن امتداحه لحسن الحوار ليس منطلقا منه؛ حيث تراه متعصباً لرأيه فقط وأنه قد نصَّب نفسه حكما ليس على الأشخاص فقط بل وعلى الأمم والتاريخ الماضي حيث ينطلق في أحكامه من هوى وقناعة معينة في نفسه تجعله يزدري كل الأدلة والحقائق التي تعود لما يخالف ما في نفسه، وحينما تحاوره فإنه لا يدع المجال للآخرين للحديث، وكأنه في مجلس أمي لم يقرأ، ولم يطلع على الثقافات إلا هو وحده.والأغرب من هذا إنه في الوقت الذي يقاطع الآخرين ويغتصب الحديث من الجميع يرفع صوته بطريقة عجيبة، ثم لا يلبث أن يعتذر من رفع الصوت - وهذا جيد - فهي عادته كما يقول؛ لأن الآخرين ليسوا ملزمين بالعادة السيئة، أعانه الله عليها، وأما اغتصاب الحديث من الآخرين وأخذ الوقت عليهم أو السيطرة على الأطروحات ففي نظره لا يستحق الاعتذار لأنه في تصوره (وحيد الاطلاع) بين الحضور، وفي تصوره أنها فرصته لبث كنوزه الثقافية التي لا مثيل لها عند الآخرين.بينما في الحضور من يغلبه الحياء واحترام الآخرين.. وإلا فلديهم من الاطلاع وبلغات شتى أضعاف ما لدى هذا المغترِّ بنفسه، ولديهم من الزيارات والاحتكاك العالمي أكثر مما لديه، وحُقَّ له أن يفخر باطلاعه، لكن عليه أن يعلم أن آراءه قابلة للمناقشة كما هي آراء الآخرين كذلك. وهو مطلع لكن الآخرين مطلعون كذلك! وهو مثقف ويقدرون له ذلك، لكن الآخرين كذلك!! ويرفع صوته وربما الآخرين ليسوا كذلك وفي تصوري أن علو الصوت لا يقنع إن كان يحاول الإقناع. ومصادرة آراء الآخرين لا تعطيه الحق في فرض رأيه. وكثيرون يدعون للمحاورة والحرية والانفتاح وقبول الرأي الآخر وليتهم يطبقون هذا الأمر على أنفسهم؛ فهو الأدعى ليكونوا مقبولين وليكونوا من أصحاب الرأي من أصحاب!!! مصادرة الرأي (ما أريكم إلا...).. والله المستعان.