ذكر برندان كوكس المتحدث باسم أكبر جمعية إغاثة بريطانية (أوكسفام) (إنّه لو قارنا ما ينفقه العالم على شراء الأسلحة وما ينفقه للغايات الإنسانية، فإنّ النتائج تكون كارثية). وقد كشف مؤخراً تقرير صادر عن معهد سيبري للبحوث السلمية بستوكهولم أن حجم ما صدّرته البلدان المصنّعة للأسلحة يتجاوز مبلغ التريليون دولار أمريكي (1.035 بليون دولار)، ونصيب الأسد من الإنفاق العسكري يعود للولايات المتحدةالأمريكية، بسبب حربها التي تواصلها على الإرهاب .. ويشير التقرير إلى أنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية أنفقت في عام 2004م ما يقارب 455 بليون دولار على التسلُّح، وميزانية البنتاغون في حربها ضد الإرهاب أعلى من الميزانية الدفاعية لكلِّ دول العالم النامي، وتشكِّل المساعدات الخارجية الأمريكية للعالم ما نسبته فقط 4.1% من فاتورة تسلُّحها، وكما تشكِّل إيرادات مائة أكبر اتحاد للصناعات الحربية في العالم ما يوازي الإنتاج القومي لواحد وستين بلداً إفريقيا، فإريتيريا (البلد الإفريقي الفقير) وحدها تخصص ما يقارب ربع إنتاجها القومي لشراء الأسلحة. ولو تم رصد مبلغ التريليون دولار هذا لحلِّ مشكلات البشرية المتفاقمة، بدل صرفها في شعاب الدمار والقتل، لكانت البشرية تنعم بالرخاء و تسير على طريق التنمية، وتم حل قضايا الفقر والتنمية البشرية والصحة العالمية، فيكفي العلم أنّ احصاءات المنظمات العالمية تشير إلى وجود أكثر من 40 مليون شخص (كباراً وصغاراً)، يحملون مرض الإيدز (نقص المناعة المكتسب) يحتاجون للعلاج. إنّ ثقافة القوة العسكرية في أيديولوجية الدول الصناعية الكبرى G8 (الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان وروسيا الاتحادية وكندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا .. والتي تُعَدُّ سبعة دول منها من أكبرعشرة مصدري أسلحة في العالم للدول النامية)، تقود إلى إشعال فتيل الصراعات المسلحة التي تزج بالشعوب في أتون العنف الطاحن، وحسب تأكيد منظمة الأغذية والزراعة في الأممالمتحدة (فاو) فإنّ النزاعات المسلحة في العالم تتصدّر الآن أسباب ظاهرة الجوع في العالم، وحالة انعدام الأمن الغذائي تشير أيضاً إلى وجود أكثر من 850 مليون شخص في العالم يعانون من ظاهرة الجوع المزمن. ناهيك عما تسببه هذه الحروب من كوارث اجتماعية و صحية أيضاً، ترزح معظم دول العالم الثالث تحت نير ثالوث الهلاك ? الفقر والفساد والإهمال - وإذا كان الفقر حربة التسلُّح الذي يستنزف موارد الدول، فإنّ فساد السلطة هو ما يجعل الفقر يستشري في كلِّ أوصال المجتمع ليكون الإهمال وعدم التركيز على التنمية سبباً من أسباب تردي الحالة الصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذه الدول .. على الإرادة الإنسانية أن تتحد لتلعب دوراً أكبر في صراع قوى الشر والطمع وعليها تجنيد وتسخير قوى الخير لتحقيق التوازن وتجنيب الإنسانية الكوارث التي يكون غالبها من صنع البشر. فكما كتب مرة مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، بريجنسكي في كتابه (الانفات) واصفاً القرن الماضي بأنّه أكثر القرون دموية وسمّاه (قرن المذابح المليونية) .. وعلى الأممالمتحدة أن تعيد ترسيخ قطبي السلم والأمن للسياسة الدولية لتعيد عمل بوصلة العدل الدولي المعطلة والتي ترزح تحت تأثير المغناطيسية القوية لحق الفيتو في مجلس الأمن. وكما تطالب الدول الصناعية الكبري G8 - وهي مقبلة على اجتماعها في شهر يوليو المقبل - من القارة الإفريقية والعالم باتباع سياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والقضاء على الفساد، لا بد من أن تغير هذه الدول من عقيدتها للحد من ظاهرة التسلُّح في العالم ووقف تجارة شركاتها الحربية التي ترعاها سياسياً ومالياً مما يساعد في نجاحها في تصدير أدوات الموت، والتركيز على تهيئة مناخ السلم الذي تنمو في كنفه البذور الصالحة من الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. وترنو عيون 18 بلداً من القارة الإفريقية كالأيتام إلى مائدة العظام G8 في بريطانيا الشهر القادم، وذلك بعد الاتفاق مع البنك الدولي، صندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الإفريقي لتعفيها 100% من ديون تبلغ 40 بليون دولار، ومع أن هذه الخطوة ستوفر مبلغ 1.5 بليون دولار سنوياً قيمة مصروفات خدمة الدَّين، فما زال حجم الديون التي يتطلب الإعفاء منها أكثر من 550 بليون دولار والتي تثقل وتلقي بظلال سوداء على كاهل القارة السمراء. إنّ إيمان الدول الزائف بالأمن والمستند على شراهتها للتسلُّح يشبه لحد كبير قصة الهرة والمبرد التي كانت تلحس الدم على المبرد متلذذة دون أن تدرك الهرة أن الدم الذي على المبرد هو نزف الدم من لسانها. [email protected]