صوته يلاحقني أينما ذهبت، وحيثما اتجهت، كنت أتبضّع في حفظ الله ورعايته، حتى ابتليت بطفل في العاشرة من عمره، كان يتوسل أن أمنحه بعضاً من النقود؛ من أجل شراء دواء لأمه المريضة.. كنت أتجاهله، وانصرف لهدفيّ الذي من أجله جئت إلى السوق، قد أنعت بالجفوة والقسوة، بل قد تلصق بي تهمة الأنانية والبخل وتحجّر القلب؟! لكن.. لو تعلمون السبب سيبطل العجب بإذن الله،لتتساءل كل قارئة أو ربما قارئ.. هل هذا المشهد المسرحي التراجيدي الذي سردته لكم، والذي أيضاً يتكرر عشرات المرات أمام مرأى ومسمع من الجميع.. أقول: هل هو مشهد حقيقي صادق؟! أم أنه أكذوبة وقعنا في شباكها؟! لنفكر ملياً في إجابتنا على هذا التساؤل.. والذي أعلم مسبقاً أن إجابتكم ستكون واحدة، فالجميع يعرف طبيعة هذه المشاهد!! ويعرف كم نصيب هذه المشاهد من الجدل والكذب؟! وإن اختلفت الأساليب، وتباينت الطرق؛ فالدجل نفسه.. عفواً.. القضية نفسها لن تتغيّر أو تتبدّل!.إن عمليات التسول التي بدأت تجتاح عالمنا المجتمعي؛ لهي عمليات نصب واحتيال محترفة، بل استغلال لمشاعر المسلمين النبيلة، الذي حثنا عليها ديننا الحنيف، كيف لا!! والإسلام قد أمرنا بمساعدة المحتاج، وكفالة اليتيم، وإطعام الجائع، وغيرها من مبادئ التكافل الاجتماعي، والتعاون على البر والتقوى.. لكننا.. أصبحنا نطعم الغني الشبعان، ونساعد القادر، ونتعاطف مع أناس هم في حقيقة الأمر في أحسن حال، وفي غنى عما نقدمه لهم من عون؟!. لا نقول: إن الموازين انقلبت، والمعادلات تعقدت، إنما هو وضع ساهمنا - نحن - في تعزيزه وانتشاره.. قد يندهش البعض من هذا القول!! لكن عندما تقف المركبة على أحد جانبي الطريق، ويأتي من يطرق نافذتها، فتفتح لتخرج منها حفنة من المال؛ يأخذها شحاذ متقاعس عن العمل، هاجر رحلة الكسب الحلال... فماذا سيكون تعليقكم على هذا المنظر حينها؟!. بل عندما تقف امرأة أحكمت غطاء وجهها، وليس حجابها؛ لتخفي حقيقة عن الأعين، وقد اتخذت مكاناً بالقرب من المصرف أو المتجر من أول النهار إلى آخره، حيث اعتادت على الربح المريح.. تاركة بذلك كرامة العمل الشريف، وحفظ ماء الوجه؟!! فماذا سيكون قولكم؟. وإذا كان كل إنسان سيدلي بمحفظته لمثل هؤلاء، فيدفع لهذا، ويعطي لتلك!! ستذهب أموال كثيرة هباء منثوراً.. من دون أن تصل إلى مستحقيها الأصليين الذين يتعففون عن طلبها.. نعم.. ستهدر ثروة لا تستحق أن تصرف على هذه الفئة، والتي هي عالة على مجتمعاتها، حيث انتشرت بين أظهرنا كانتشار الوباء في بيئة مناسبة صالحة لنموه وانتشاره، فهلاّ وعينا على ما نحن عليه، وأدركنا دورنا تجاه هذه الفئة، بل ومسؤوليتنا نحوهم من محاربتهم، وتطهير مجتمعنا من براثن العجز والكسل والتواكل على الغير.. أنها أمانة أنيطة بنا جميعاً.