لطالما كانت أصابعي تجوع وتعرى في وادٍ غير ذي زرع مِن أجلِ أن تستبقي حالة اللا وعي وتُغذيها، ليبقى هذا القلق المُحفز عائمًا في ظُلماتِ دماغي، ويترك الأفكار كنُقطٍ بيضاء أعود إليها حين يأتي الوقت المناسب لكتابتها - بالطبع لن أتجاهل تدوينها بشكلٍ أو بآخر في مُفكرتي الصغيرة، أو ملاحظات جهازي المحمول، أو حتى على راحة يدي في أحيانٍ كثيرة - حتى لا تذهب كالهباء المنثور مع ازدياد حجم المشاغل، وضغوطات الحياة. أكتب هذا المقال وأنا أتذكر سؤال أحد القُراء ذات يوم عن مصدر إلهامي، وقد تعجب حين قلت له: - «كُل شيء مُلهم، كل شيء يحث على الكتابة، كل شيء يحرضني في الوقت نفسه على التوقف عن الوجود!» لقد كان يتوقع أنَّ الإلهام موقف ثابت في حياة كُل روائي أو شاعر لا بد أن يستدعيه في كُل مرة يعاود فيها الكتابة، بينما في حقيقة الأمر فإن الموقف الثابت هو أكثر الأمور المحبطة التي تدعو إلى التفكير ألف مرة قبل اقتراف فعل كالكتابة، فماذا تُجدي الكتابة عن ذات الأمر مرارًا وتكرارًا..؟ لذلك فإن أهم أداة أملكها لأُحيي الإلهام عندما يخبو هي القدرة السحرية على السفر إلى مدائن اللا وعي ممتطيًا صهوة فكرة عابرة رُبما لا تبدو مثيرة في بادئ الأمر، لكنها الطريقة الوحيدة للكتابة، وإنَّ أكثر ما أخشاه هو البقاء في هذا الواقع على الدوام، إذ لا يُمكنني تصديق حقيقة الأشياء إلى الأبد، وهذا ما تعمل أصابعي على نفيه دائمًا وتعريته من حقيقته لتبدو الاحتمالات أوفر، وترتفع حظوظي في البقاء ولو على قيد كتابة - حتى وإن كانت رديئة جدًا -. يقول أوسكار وايلد: سيطيرُ الفنُّ لو أمسكناه بقبضةٍ واهنةٍ، سيموتُ الفنُّ لو أمسكناه بقبضةٍ شديدةٍ. ** ** - عادل الدوسري