إذا كنت ممن يتمالكون أعصابهم، ويتمتعون بطاقة هائلة من الصبر، يمكنك قراءة العبارات التالية، والتي تلخِّص (إبداعات) مفكري الغرب وغلاة الصهاينة في وصف المسلمين والعرب: (هم جرذان وأفاعٍ)، (إنّهم يلوِّثون القارة الأوروبية)، (نفايات ومغتصبون)، (يتكاثرون كالجرذان)، (من الخطأ مقارنة قيم الغرب المسيحي الراقية بقيم الشرق المسلم المتخلفة)، (القرآن كتاب يعلِّم الحقد)، (الإسلام ديانة مرعبة)، والقائمة تطول .. وتطول ..هذه - وبدون رتوش - الصورة التي يحاول أن يرسمها لنا بعض المفكرين في الغرب والمتطرفين من اليهود، وهي صورة تعكس بلا شك الظلال القاتمة والنفس المريضة للمصوِّر، والتي يبررها البعض بأنّها أتت انعكاساً لأحداث الحادي عشر من أيلول - سبتمبر، في حين يرى البعض الآخر بأنّها نوازع دفينة تنم عن حقد غربي متوارث عبر الأجيال على المسلمين والعرب، وبطبيعة الحال أميل إلى الرأي الثاني، لأنّ هذه الأفكار العدائية متأصّلة في نفوس مروجيها، وإن ارتدت ثوب الأزمة حيناً وثوب التناقضات التي يشهدها عالمنا المعاصر أحياناً أخرى، خصوصاً بعد انهيار الكتلة الشرقية (العدو التقليدي للغرب) وطرح بعض المنظرين الغربيين للإسلام ك (عدو مفترض للغرب) في إطار ما بات يُعرف بصراع الحضارات. طيبون ومنصفون وما يؤيد رأينا السابق، هو أنّ هذه السموم، والمسماة (نظريات وأفكار)، لم تصدمنا وحدنا بصفتنا الطرف المفترى عليه، بل صدمت كلَّ الشرفاء والطيبين في العالم، فكاتب الافتتاحيات الشهير بمجلة (باري ماتش) الفرنسية (جيل مارتان شوفييه) قال إثر اطلاعه على كتاب الصحفية الإيطالية اريانا فالاتشي (الفخر والغضب): (لست مسلماً، ولكنني وبعد قراءة هذا الكتاب الذي يقطر حقداً، أكاد أفكر بالانتساب للإسلام)، وهذه كلمة حق في زمان أغبر، وهي تعطي مؤشراً جديداً على أنّ غلاة الغرب واليهود ربما (يستطيعون خداع كل الناس بعض الوقت، ولكنهم لن يستطيعوا خداع كلِّ الناس كلّ الوقت). ويرى (بول فندلي) - العضو السابق بمجلس النواب الأمريكي وأحد المتعاطفين مع قضايانا وصاحب الكتاب الشهير (من يجرؤ على الكلام) - يرى في كتابه الجديد (تحدي أفكار أمريكا الخاطئة عن الإسلام) بأنّ (المواطن الأمريكي ينساق وراء الصورة النمطية التي تحاول وسائل الإعلام الموجَّهة في الغرب، والمسيطَر عليها من قِبل اللوبي الصهيوني، تكريسها عن المسلم والعربي، دون أن يكلف نفسه عناء الاطلاع على تعاليم الإسلام السمحة) .. ويستطرد فندلي: (معظم الأمريكيين لم يسبق لهم أن قرأوا القرآن، أو التقوا بأي مسلم، كما أنّهم لا يملكون أدنى فكرة عن مبادئ الإسلام العظيمة ومعقتداته التي تتجلى في الإيمان بالله الواحد، والسلام والعدل وبالإحسان والتسامح مع الأديان الأخرى وبحقوق المرأة، وهي المبادئ التي يجب أن تلزم المسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء) .. هذان الرأيان سيقا للمثال لا الحصر، ومن الملاحظ أنّ هؤلاء المنصفين يكثرون يوماً إثر يوم، بعد أن تزول غشاوة الدعاية الصهيونية المضلّلة عن أعينهم، وينعتقوا من حبائلها.. من يغذِّي (صناعة الكراهية)؟ لا يشك عاقل بأنّ اليهود استطاعوا، وخلال قرون مضت، أن يحولوا بوصلة الصراع من الاتجاه العالمي المعادي لهم في شتى أصقاع المعمورة، إلى اتجاه جديد يتمثَّل في خلق حالة عداء دائم بين الإسلام والمسيحية، رغم أنّ العكس تماماً هو ما يجب أن يكون، لأنّ جوهر تعاليم الدين الإسلامي أتى بالتآخي مع النصارى على أنّهم أصحاب شريعة سماوية، حتى أنّ القرآن الكريم وصف قربهم منا وصفاً جميلاً: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}(82) سورة المائدة. وتكفي لتأييد هذه الرؤية الآيات التي ذكرت السيد المسيح عليه السلام وأُمه البتول مريم ابنة عمران، وما كان من أمر النجاشي في الحبشة والراهب بحيري في الشام وموقفهما المؤيد لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم .. واليوم نجد - وبكلِّ أسف - أنّ اليهود استطاعوا خداع العالم، بما فيهم النصارى، لكسب التأييد لهم في حربهم ضد المسلمين والعرب، حتى أنّنا رأينا في الآونة الأخيرة كيف أنّ بعض المسيحيين المحافظين في الولاياتالمتحدة - وتحت تأثير خداع اليهود - يوصون بمباركة هجرة اليهود إلى فلسطين بدعوى تعجيل ظهور المسيح المخلص!!. مقصلة (اللاسامية)..!! لقد أصبحت كلمة (اللاسامية) مقصلة منصوبة دائماً لكلِّ من تسوِّل له نفسه أن يأتي بفعل أو حركة أو مجرد تفكير من شأنه أن يعارض توجُّهات الصهيونية العالمية، بل المطلوب أن يردد العالم ببغاوياً، ويتمثَّل غريزياً لجميع ادعاءاتها، فإن قالوا: (هولوكوست) - أي المحرقة؛ أو (شعب الله المختار) أو (مأساة اليهود)؛ أو (شتات اليهود)؛ أو (الاضطهاد الديني لليهود) .. إن قالوا هذا أو غيره يجب أن يقول العالم كله (آمين) .. ومن يرفض فهو معاد للاسامية..!!!وإن تجرأ شخص أو جهة أو دولة فقال (تباً لكم)، فإنّ اللعنة سوف تحل عليه، وسوف تنصب له المقصلة، وهي هنا تأتي بأشكال غير متناهية، فحيناً تكون المقصلة في الصحافة ووسائل الإعلام، وآخر في أسواق المال، وثالث في الانتخابات والأحزاب، ورابع في الفضائح والدسائس والاغتيالات .. وهكذا دواليك.لقد رسم اليهود خططهم وأقروا بروتوكولاتهم، وهم مهمشون ومتقوقعون على أنفسهم داخل ال(غيتو) وهو (الحي اليهودي الذي كانوا يعيشون ضمنه منعزلين عن الوسط المجتمعي المحيط بهم حتى يضمنوا عدم اختلاطهم بغيرهم)، وكانوا يومها لم يتمكنوا بعد من امتلاك وسائل السيطرة والنفوذ بالشكل الذي نراه اليوم، فما بالك الآن وقد استحوذوا على أسواق المال وقطاع الأعمال ووسائل النشر والإعلام، ويضاف إلى تلك الإمكانات الهائلة عقيدة فاسدة منبعثة من نفوس مريضة تصنف العالم، كلّ العالم، اليهود و(غوييم) والمقصود بها (الأغيار، أي كلّ ما هو ليس بيهودي)، وطبعاً حسب التلمود والكتب المحرفة عن شريعة سيدنا موسى عليه السلام، فإنّ الحقوق والواجبات والظلم والعدل وجميع تلك القيم هي قيم لا يجب الأخذ بها إلاّ عندما يتعلق الأمر بعلاقة اليهود فيما بينهم، أمّا علاقة اليهودي بال (غير) فهي علاقة في حل (بكسر الحاء) من أية التزامات أخلاقية، لأنّها أشبه ما تكون بعلاقة السيد بدابته، نعم فالأغيار في نظر اليهود بهائم ليس إلاّ..!!! الشعرة التي قصمت ظهر الغرب قد يقول قائل إنّ الغرب ما كان ليناصبنا العداء لولا ما كان في الحادي عشر من أيلول - سبتمبر من أحداث ألّبت كتّاب الغرب ومفكريه على المسلمين والعرب بشكل غير مسبوق .. وأرى أنّ هذا الطرح سطحي يأخذ بظاهر الأمور دونما الغوص في جوهرها، فنحن بداية لا نتكلم عن سنة أو سنتين، بل نتكلم عن الشرق والغرب، وعن علاقة ممتدة عبر قرون من المد والجزر، من الحروب والتجارة والتلاقح المعرفي والحضاري .. هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فإنّنا حتى لو اتفقنا مع الغرب بأنّ اعتداءات نيويورك وواشنطن هي جريمة نكراء، وأنّ منفذيها قتلة و (إرهابيون) وما إلى ذلك .. ولكن هل يجوز للغرب أن يجرم ديناً أتباعه مليار مسلم، وأُمة قوامها (300) مليون عربي، وأن يأخذهم بفعلة ربما قام بها بعض أبنائها!؟ .. ثم متى كان (الإرهاب) مقتصراً على أُمة بعينها أو على دين بعينه؟ لقد قال السيد المسيح عليه السلام: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).وأرى أنّ رد الغرب على هذه التساؤلات بالإيجاب هو في مصلحته ومصلحة التاريخ والحقيقة في الآن معاً، لأنّ رده عليها بالسلب يعني أن يجيز لنا طرح عشرات، بل مئات الأسئلة التي تدور في خلدنا، ويضيق بها صدرنا منذ قرون وقرون ولعل بعضها وليس كلها الآتي: إذا كان الإرهاب صفة تلازم الإسلام والعروبة، فهل كان هتلر وموسوليني وستالين ونيرون مسلمين أو عرباً؟ وهل يجوز أن نحكم على الشرائع والأديان والأمم لمجرد ظهور بعض الأشخاص والقتلة فيها؟ وهل شربت الولاياتالمتحدة إلاّ من ذات الكأس التي أترعتها لليابانيين في هيروشيما وناغازاكي ولشعب فيتنام ظلماً وعدوانا؟ وهل كنا إلاّ ضحية لهذا الغرب عندما قسّمنا إلى دويلات قطرية حسب هواه ومقتضى مصالحه؟ .. وأين كان ضميره عندما أعطت من لا تملك (بريطانيا العظمى) أرضاً (فلسطين) لمن لا يستحق (الصهاينة)؟ أليس مطلوباً من الغرب صحوة ضمير - ولو متأخرة - للتكفير عن هذا الجرم الذي كلُّ معاناتنا منه وبه وعليه؟ .. وهكذا من السهل أن نبدأ هذه التساؤلات، ولكننا لا نملك قرار التوقف عنها، فالكأس طافحة أصلاً .. * إضاءة .. - كنت فخوراً بنجاح مهمتي..!! - كان هدفي عودة رجالي سالمين فقط..!! - لست نادماً أبداً، ومستعد لتكرار التجربة..!! - لم أر أية أحلام مزعجة..!! (هذا بعض ما قاله الطيار الأمريكي الذي ألقى القنبلة النووية على اليابان فقتل (73.000) ألف شخص بأعصاب باردة وأباد الزرع والضرع..!!؟؟). [email protected]