مهما اجتهدت في درس فكر المسيحيين الصهيونيين ونشاطهم أظلّ مقصّراً عن الخبراء الحقيقيين فيهم من نوع القس ستيفن سايزر الذي صدر له أخيراً كتاب بعنوان"المسيحيون الصهيونيون على طريق ارمجدون"، وجدته مرجعاً أساسياً في موضوعه، فالمؤلف هو رئيس كنيسة المسيح في بلدة فرجينيا ووترز في انكلترا، ويترأس الجمعية الدولية للتوراة. الكتاب صدر في انكلترا، ولا يزال المؤلف يبحث عن ناشر أميركي، وكانت الزميلة سوزانا طربوش حضرت حفلة تقديم الكتاب في مكاتب مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني، وزوّدتني بعرض وافٍ للكتاب الذي قرأت أجزاء منه بعد ذلك وكنتُ قبل أشهر قرأت ملخصاً له على شكل كتيّب أصبح الآن كتاباً أساسياً. قال الدكتور سايزر انه حاول إبراز ثلاثة أمور في كتابه: الأول، ان الجذور التاريخية للنزاع العربي - الاسرائىلي سببها مسيحيون في بريطانيا، في القرن التاسع عشر، خلطوا أفكارهم التوراتية بمصالح سياسية للسيطرة على الشرق الأوسط، بعد ان وعدوا العرب واليهود بالأرض نفسها، كما وعدوا فرنسا بالاحتفاظ بتلك الأرض. الثاني، يدرس كيف انتقلت هذه الحركة من بريطانيا الى الولاياتالمتحدة وطوّرت لاهوتاً يجعل اليهود في مرتبة فوق غيرهم من الشعوب، ويعتبر القدس عاصمتهم وحدهم، ويرى في المستقبل نهاية فظيعة للعالم، ما يعرقل السلام، ويشجّع في الواقع على التطهير الاثني في فلسطين. والثالث، وهو الجزء الأكثر جدلاً، درس العواقب السياسية لمثل هذا التفكير اللاهوتي. قال سايزر انه جمع ما كتب عن الصهيونية، وما كتب عن ان اليهود شعب الله، وفوق بقية الشعوب، وأوضح ان هذا تفكيرهم وهذه عواقبه. وبإيجاز، يمكن القول ان كتاب القس سايزر يعتبر المسيحيين الصهيونيين كفرة بالمفهوم المسيحي، وانهم أكثر الجماعات المسيحية تدميراً في العالم اليوم، والكتاب يحاول تحدي أفكار المسيحيين الصهيونيين، الا انها رحلة موحشة، جدلية، ومن دون نهاية. وهو حذّر من ان الكنيسة العربية المسيحية في فلسطين تكاد تنقرض، وان الوضع سيسوء في المواجهة الدائرة مع المسيحيين الصهيونيين. ربما كان مفيداً هنا ان نسجل بعض أبرز النقاط في كتاب القس سايزر: حركة المسيحيين الصهيونيين أكبر عشر مرات على الأقل من الحركة اليهودية الصهيونية، وهي أكبر لوبي في الولاياتالمتحدة والأبعد نفوذاً أسمع باستمرار عن عضوية بين 50 مليوناً و60 مليوناً. الفكر الصهيوني للمسيحيين الصهيونيين يقوم على قراءة مستقبلية وانتقائية للتوراة، وتعود جذوره الى الحركة الاصلاحية البروتستانتية في مطلع القرن التاسع عشر. المسيحية الصهيونية الداعية الى قيام دولة يهودية في فلسطين سبقت الصهيونية اليهودية بأكثر من 60 عاماً. في حين ان القيمة الاستراتيجية لوطن يهودي في فلسطين كانت عنصراً في السياسة الخارجية البريطانية في القرن التاسع عشر، فإنها أصبحت عنصراً في السياسة الخارجية الأميركية قرب أواخر القرن العشرين. الأرجح انه من دون دعم المسيحيين الصهيونيين اسرائىل سياسياً، ومن دون دعم دولتهم المادي، ما كانت اسرائيل استطاعت الاستمرار بعد 1948، ناهيك عن التوسع واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1967 . الدكتور سايزر يشرح"الصعود"في شكل أدق مما فعلت في حلقات سابقة، ويتحدث عن مرحلتين، قيام المسيح الدجّال واتباع معظم الناس له وعودة المسيح لينقذ المؤمنين وحدهم. والكتاب يسجّل أسماء منظمات صهيونية تستبعد فناء اليهود مع بقيّة الناس غير المؤمنين بالمسيح، كما في رؤيا القديس يوحنا، أو على وجه الدقة في فهم المسيحيين الصهيونيين لهذه الرؤيا، وهو فهم يعارضه أساتذة الدين المسيحي. ويحاول سايرز في كتابه ان يكون موضوعياً، وهو يعرض النواحي الايجابية والسلبية لفكر المسيحيين الصهيونيين، وهل هم بركة أو لعنة للشعب اليهودي. وثمة خمس نواح ايجابية يراها سايزر هي تشجيع الحوار بين المسيحيين واليهود، وهو ليس وقفاً على هؤلاء وحدهم، والالتزام بمشاركة اليهود في الدين، والوقوف في وجه اللاسامية، وتثقيف المسيحيين عن الأصول اليهودية للدين المسيحي، ومساعدة المهاجرين اليهود. غير انه في مقابل هذه الايجابيات الخمس، هناك سبع سلبيات في رأي سايزر هي تبرير الفصل العنصري داخل الدولة اليهودية، وتعطيل الدور المسيحي في الشرق الأوسط بالانحياز الى أحد طرفي النزاع، وتشجيع التحامل الديني ونشر الكره للإسلام، والقبول الضمني بالتطهير الاثني للفلسطينيين بتشجيع بناء المستوطنات، والهجوم على اليهود المعتدلين الذين يريدون تسوية على أساس الأرض مقابل السلام، والتحريض على التطرّف الديني بتأييد بناء المعبد في مكان المسجد الأقصى، والايمان بنهاية العالم، وهو طلب يسعى المسيحيون الصهيونيون لتحقيقه. ستيفن سايزر ليس وحده، فهناك كثيرون يرون رأيه، وقد قدّم المؤلف وكتابه في مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني غارث هيويت، وهو رئيس جمعية وقف اموس الخيري ومغنٍ وكاتب أغانٍ معروف. قال هيويت ان مسيحيين كثيرين لا يعرفون من أين أتى المسيحيون الصهيونيون ولا يقدرون مدى نفوذهم. وبما ان سايزر نفسه قس وخبير في اللاهوت، فإن كتابه فرصة ليدرك جميع الناس ان هناك رأياً آخر، رأياً يعارض فكر المسيحيين الصهيونيين. وشدد هيويت على أهمية التاريخ في الكتاب وقال انه عندما قرأه شعر بأن المسيحيين الصهيونيين مجانين ينبحون. الا انه عاد فركّز على أهمية ان يعرف المسيحيون الآخرون، والعالم كله، فكر هؤلاء الناس، فهم يؤثّرون في السياسة الخارجية الأميركية، ما يعني انهم يؤثرون في كل بلد حول العالم، لا بلدان الشرق الأوسط وحده. ولاحظ هيويت انه على رغم دعم المسيحيين الصهيونيين لليهود، فإنهم في الواقع يعاملونهم بفوقية لأنهم يعتبرونهم جزءاً ضرورياً من خطة عودة المسيح، وبعد ذلك إما ان يؤمنوا أو يهلكوا. في مقابل تأييد هيويت وجمعيات مسيحية من أميركا وبريطانيا، وحتى الأراضي المقدسة، هناك معارضة. فأكمل بالحلقة الأخيرة غداً.