وصلت السيدة كوندوليزا إلى الكيان الإسرائيلي. وقد طالبت قبل وصولها إلى تل أبيب بالتزام الفلسطينيين بوقف إطلاق النار الذي شابه اندلاع أعمال عنف ودعت إسرائيل إلى عدم خلق تعقيدات من خلال توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. قول كبيرة الدبلوماسية الأمريكية هذا لا يفي بالغرض ولا يعبر عن الحالة التي وصلت إليها عملية السلام في فلسطين، وهو (سطر واحد) في تقرير طويل عن أسباب الجمود الذي سببه التحالف غير المقدس وغير المعلن . . بل وحتى غير المبرم بين اريل شارون والمتشددين من الفلسطينيين . . . ونقول غير المبرم لأنه ليس هناك تفاهم أو اتفاق بين الطرفين، إلا أن أفعالهما وما يقوم به شارون وجماعته من الليكوديين في الطرف الإسرائيلي، الرافضين للتسوية السلمية والمتشددون في الطرف الفلسطيني يتفقان في الأهداف النهائية وهي إجهاض أي تسوية سلمية . . ! كيف . . . ؟ في تقارير مراكز البحث التي تعمل من أجل السلام في الشرق الأوسط، داخل إسرائيل وخارجها في أمريكا وأوروبا وحتى في الدول العربية هناك قناعة، تفيد بأن الشريك الجديد لاريل شارون هم المتشددون الفلسطينيون . . ؟ ! هذه المقولة تبدو شبه خيالية ولكنها عملياً تعتبر الحقيقة اللاذعة، فلشارون وللمتشددين الفلسطينيين مصلحة مشتركة - كلاهما لا يريدان رؤية مفاوضات على تسوية دائمة، تؤدي إلى اتفاق نهائي بين إسرائيل ودولة فلسطينية، وكلاهما معني بالحفاظ على الوضع الراهن. شارون معني بذلك لأنه غير مستعد لأن يحقق الخيار الوحيد الذي سيجلب الفلسطينيين إلى التوقيع على اتفاق سلام وإنهاء النزاع مع إسرائيل. وهو غير مستعد لأن يكون شريكاً لاتفاق يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس العربية وحدودها تضم كل قطاع غزة وكل الضفة الغربية. شارون غير مستعد للتنازل عن غور الأردن لصالح السلام وغير مستعد لإزالة مستوطنات كريات أربع وشيلو وبيت إيل في صالح السلام وغير مستعد للسماح بسيادة فلسطينية في القدسالشرقية في صالح السلام. وهكذا يقف شارون والمتشددون في تحالف واحد ضد أبو مازن، الذي يطالب بمفاوضات فورية على التسوية الدائمة. دعوة رئيس السلطة الفلسطينية في أثناء زيارته في واشنطن إلى الشروع بأكبر سرعة ممكنة في مفاوضات جدية على التسوية الدائمة، بقيت معلقة في الهواء وفي إسرائيل فسروا هذا كتهديد. تقريباً عشر سنوات وبعد اغتيال رابين وصل الأمر إلى أن يدعو فيها زعيم فلسطيني إلى السلام على أساس مفهوم الدولتين للشعبين وانطلاقاً من الإيمان الكامل بأن هذا هو الخيار الوحيد لنجاح التسوية السلمية، وهذه الدعوة واليد الممدودة من أبي مازن لم يكن لها رد من تل أبيب والأسوأ من ذلك، فإن الرد الوحيد هو محاولة بشعة لتحويل أبو مازن إلى عرفات آخر . . . هكذا يقول الإسرائيليون من معسكر السلام. الآن المؤسستان الإسرائيليتان السياسية والعسكرية أمامهما خياران بعد الانسحاب من غزة يتطلب الأخذ بهما دون وجود غيرهما، وهذان الخياران أولهما: أولئك الذين لايريدون المزيد من الدم والمزيد من القتلى لا يوجد في الحقيقة سوى طريق واحد . . من ناحية الفلسطينيين البدائل في هذه اللحظة هي إما السلام أو الكفاح. السلام الذي يقترحونه اليوم، بقيادة أبو مازن، هو السلام الأفضل الذي يمكن لإسرائيل أن تأمل به. الفرصة التاريخية التي يسيطر فيها - حالياً - تحالف سلمي فلسطيني، آخذة في الإفلات من بين اليدين. فلن يكون هناك شريك فلسطيني أفضل من أبو مازن - الرجل الذي قاد منذ عام 1988 المؤسسة الفلسطينية نحو خطوة استراتيجية لاختيار الخيار السياسي على حساب الخيار العسكري. أبو مازن يتخذ موقفاً يقضي بأن الحقوق المشروعة الفلسطينية قابلة للتحقق بواسطة المفاوضات مع إسرائيل. وثانيهما إذا ما فشل الخيار الأول فسيتوصل الفلسطينيون إلى الاستنتاج الفظيع بأن إسرائيل لا تريد السلام. وفضلاً عن ذلك، فإنه إذا ما فرضت إسرائيل على الفلسطينيين تسوية انتقالية بلا أفق سياسي هام فستتعاظم الأصوات التي تضرم النار في الشارع الفلسطيني. وهو ما يسعى إليه المتشددون. الجمهور الإسرائيلي الذي يؤمن بالسلام والأغلبية الساحقة مستعدة للتنازل عن معظم المستوطنات في صالح السلام، مستعدة لتقسيم القدس في صالح السلام ومستعدة للتنازل عن غور الأردن في صالح السلام. بتعبير آخر: معظم الجمهور الإسرائيلي كان سيوقع هذه الليلة الاتفاق الذي يعرضه عليه أبو مازن. إذن أين الشريك الإسرائيلي؟ وهل شارون على الاستعداد للمضي قدماً لتنفيذ بنود شراكة حقيقية . . أم يستبدلها بشراكة مع المتشددين . . والذين يتفقون معه على إجهاض مسيرة السلام لإطلاق العنان لعنف دموي يزهق أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. السحر انقلب على الساحر . . . هل يملك الإسرائيليون شريكاً للسلام ؟ ! ! !