إن الشباب هم ركيزة التقدم في كل أمة، وهم عماد نهضتها، ولذا تتبارى الأمم فيما بينها لتأهيل هذه الشريحة المهمة في كل مجتمع لتحجز لها مكانا في المستقبل، ومن الحقائق التي تقدمها الخريطة السكانية العالمية، ان أمتنا تقف على اعتاب فرصة تاريخية عظيمة، وذلك بامتلاكها أكثر من 40% من سكانها شبابا في وقت تشيخ فيه باقي الأمم، وتتضخم شريحة الشيخوخة فيها. وإن هذا يجعلنا ننظر بعين الأمل الى المستقبل المشرق بأمر الله بشباب استقام على طاعة الله، وننظر بعين الخوف والحذر عندما نرى الأخطار الكبيرة التي تحدق بشبابنا، ومن تلكم الأخطار التي قضت مضاجع الغيورين والمسؤولين عن التربية والمصلحين، تلكم المشكلة التي تطل علينا برأسها نهاية كل عام دراسي، لتحزم الأمتعة والحقائب لشد الرحال من قبل مراهقين ومراهقات الى سياحة خارجية مع ما يصحب ذلك من حملات دعائية تجارية عبر وسائل الإعلام المختلفة وأفول تجارية، لأنه لا هم لها إلا جني المال واستدرار الأرباح حتى ولو كان على حساب قيم وأخلاق شبابنا والإضرار بهم. ويشتد أوار نار هذه المشكلة عندما تتولى شركات السفر والسياحة ومكاتبها المنتشرة في كل مكان من بلادنا تقديم الاعلانات السياحية والتخفيضات الموسمية على أسعار تذاكر السفر والإقامة، الى اين يا ترى!؟ الى بلد الله الحرام أم الى مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم أم إلى بعض مصايفنا البرية النقية!؟ لا للأسف، بل هي تدعو شباب الأمة من مراهقين ومراهقات وبعض الأسر إلى بلاد ليست من أرضنا، وأهلها ليسوا على ملتنا وقيمنا، أخلاقهم تختلف عن أخلاقنا ليقع أولئك الشباب في مغبة هذه الدعايات البراقة والاعلانات المضللة، التي يبذلون فيها الجهود والأموال للدعاية لتلكم البلاد لتصبح مهوى أفئدة ابنائنا وبناتنا، ولتصرف الأمول ولتضيع الأوقات ويخدش الحياء وتكثر الشبهات، وتقل الحشمة وتتضرر الأخلاق، وتهتز القيم، وكل هذا سوف يحفظ في ذاكرة اولئك المراهقين والمراهقات ليعودوا به، ويسعون في تطبيق ما اعتادوه في سفرهم، فإذا بهم يفتون في قيم الأمة وأخلاقها دون ان يقصدوا، ولكنه الألف والعادة فيما عملوه هناك، لماذا لا يعملوه هنا. قد يقول قائل: إن هذا الكلام فيه مبالغة كبيرة وان السفر والسياحة بالخارج فيها فوائد كثيرة ومصالح تتحقق، وترفيه بريء تقوم به الأسر دون أن تتضرر أخلاقها وقيمها. فأقول: إن هذا الأمر لا يجادل فيه أحد وبالذات إذا كان الإنسان راشداً وقد نضج عقله، فنحن لن نعيش معزولين عن العالم بحال من الأحوال، ولكن المشكلة الحقيقية في نظري هي في أولئك الشباب المغرر بهم، الذي لا يقف عند حد، ولا يمنعه سد، فكيف تلقيه في اليم ثم تقول له: إياك إياك أن تبتل بالماء!إن لنا في هذه البلاد نظرة خاصة فيما نراه من تجارب السياحة الخارجية في سنوات مضت ما هو كفيل بإعطائنا الدروس والعبر لنستشرف بها المستقبل حماية للأمة بالمحافظة على أقوى أسلحتها بعد الإيمان بالله، وهم شبابها. ولهذا فإني أناشد الهيئة العليا للسياحة وفي مقدمتها الأمير سلطان بن سلمان بحكم مسؤوليتهم عن السياحة الداخلية بذل الجهد ووضع الخطط المناسبة لترغيب الشباب في السياحة الداخلية من خلال دعوة رجال الأعمال والمستثمرين بعمل مشاريع سياحية تتواءم مع قيمنا وأخلاقنا، إضافة لما تتميز به هذه البلاد الطيبة، وتقديم التسهيلات اللازمة لهؤلاء المستثمرين لكي يقوموا بدورهم بالاستثمار الأخلاقي والتجاري، بأماكن سياحية محافظة وأسعار منافسة في متناول الجميع، لكي لا تضيع أخلاق شبابنا ولا تهدر أموالنا فقد ذكرت جريدة الوطن في العدد رقم 234 أن السعوديين ينفقون ما يقارب30 مليارا على السياحة الخارجية.جميعنا يتابع الخطوات الطيبة والملموسة التي تقوم بها هيئة السياحة في سبيل معالجة هذه المشكلة وتهيئة المناخ المناسب للسياحة الداخلية المتوافقة مع الشرع المطهر قلباً وقالباً، مع مطالبتنا لها ببذل المزيد وان تشرع الأبواب لقبول الاقتراحات والآراء، وهذا ما نحسبهم عليه، وسوف أتكلم في المقال القادم - إن شاء الله - عن أبرز الانحرافات التي تقودنا إليها السياحة الخارجية.