في قرية متوسطة المساحة، غنية بالأشجار الخضراء المنتشرة على مروجها وسهولها وعلى حواف أنهارها الجارية,, بحيث لا تستطيع الكلمات الذهبية أن تصف ذلك الجمال الأخاذ، يعيش مجموعة من الناس،وهؤلاء الناس هم مايعيب تلك القرية لما يتصفون به من الظلم والحسد، فالشخص منهم لايكف شره عن جاره ولاحتى قريبه الذي هو أقرب الناس إليه، وقلّما يتفقون على رأي واحد فيه الخير لهم جميعاً، فآراؤهم متضاربة ومختلفة، فالواحد منهم يبخل على نفسه الخير ليمنع الآخر الاستمتاع به عندما يكون هذا الخير مشتركا بينهم، حتى كثرت المنازعات والخصومات فيما بينهم، إلا انهم مجبورون ببعضهم البعض لانهم يعيشون في قرية واحدة. كان من بينهم رجل في الخمسين من عمره، مختلف عنهم جميعاً متفق مع الطبيعة في جمالها, وله من الصفات الحميدة ماتجعله يرتقي عنهم، لهذا السبب قاطعوه واعتبروه شاذاً في تصرفاته، ليس هذا هو السبب الحقيقي انما الغيرة وشعورهم بأنه افضل منهم, لم يتوقف الأمر للمقاطعة، بل أخذوا في توجيه الاتهامات له واخراج الشائعات للتقليل من شأنه، غير انه لم يكن ليعيرهم ادنى انتباه لثقته الكبيرة بنفسه, كان يقضي جل وقته في رعي الغنم، وفي مزرعته الصغيرة التي يزرع بها بعض الشجيرات المثمرة معتمداً عليها في جلب الرزق له ولزوجته وأمه العجوز أما ابنه فيعمل في المدينة لمساعدته. ولأن الإنسان بطبيعته اجتماعي فقد كان لهذا الرجل ولنتفق على ان اسمه (حمدان,, العم حمدان) أصدقاء إلا انهم من فئة الشباب لأنهم وجدوا فيه الأب الرحيم والناصح العاقل وقاص الحكايات الجميلة والمسلية, يأتون إليه باحثين عن حلول لمشاكلهم التي لاتنتهي وخاصة تلك التي تحدث بينهم وبين اهاليهم،وبالفعل كان يجدها لهم ودائماً ما يذكرهم ببر الوالدين لأن رضى الله من رضى الوالدين، واستمرت العلاقة الحميمة فيمابينهم، بل تعدى الامر وتوسعت حدود صداقاته مع الشباب من خارج القرية للقرى المجاورة لأن سمعته العطرة انتشرت وكأنه الطبيب النفسي الحاذق لأولئك الشباب غير أن آباءهم لم يكن يروق لهم ذلك فسعوا لمنعهم من الذهاب إليه,, لكن هيهات فمن يستطيع أن يفصل الروح عن الجسد غير خالقها، فقد تعلقوا به ووجدوا ضالتهم فيه. وكان صديقاً للحيوانات أيضاً يشفق عليها من أفعال الإنسان القاسية تجاهها، ففي احدى المرات عندما كان يسير بين الهضاب البعيدة اذ به يجد حماراً عالقاً بينها قد اصيب اصابة بالغة في احدى قدميه من قبل اهالي القرية، ففي ذلك الوقت بدأ الاهالي في الاستغناء عن الحمير في مواصلاتهم ونقل أمتعتهم واستبدلوها بالسيارات، لذلك حاولوا التخلص منها باعتبارها ضالة ولم يعد منها اي فائدة وذلك بإطلاق الرصاص عليها او رميها من اعالي الجبال الشاهقة. وهذا الحمار الذي وجده العم (حمدان) هو أحد ضحايا التقدم العلمي الذي لم يسلم منه حتى الإنسان، ولأنه يصعب عليه حمله ونقله لبيته حتى يكون قريبا منه يداويه ويقدم له الطعام، فقد كان يقطع المسافات والصعاب يومياً حاملاً له مايحتاج من طعام وعلاج ويظل معه لبعض الوقت ثم يعود لبيته، واستمر علىهذا الحال إلى أن شفي الحمار وأصبح يستطيع الاعتماد على نفسه، وهكذا كان طبعه مع جميع الحيوانات التي تقابله او التي يمتلكها, من اجل ذلك كله ازداد حسد وحقد أهل القرية عليه مما جعلهم يفكرون ويخططون للتخلص منه إلا أنهم يفشلون في كل مرة. ففي إحدى المرات اجتمع عدد منهم ليدبروا له مكيدة، فاتفقوا على تلفيقة تهمة تجارة المخدرات لمجرد شكهم به, فأوكلوا الأمر لأحدهم في تبليغ الشرطة، كان هذا الشخص قريباً للعم (حمدان) وبالفعل ذهب الى الشرطة وأبلغ عنه, فأمر رئيس الشرطة مجموعة من رجاله بالتوجه لمنزل العم (حمدان) وتفتيشه وعند وصولهم استقبلهم وأفسح لهم الطريق لتفتيش المنزل عندما علم بالأمر, غير أنهم لم يجدوا مايثبت التهمة الملفقة له, وبعد التحقيق معه في مركز الشرطة ثبتت براءته، ثم سأل رئيس الشرطة العم (حمدان) إن كان يريد معاقبة صاحب البلاغ الكاذب كرد شرف له، لكنه أجاب بالنفي ليقابل السيئة بالحسنة ولأن من سمته الصفح والعفو خاصة وان ذلك الشخص قريبه. مرت الأيام بالعم (حمدان) على هذا النحو، وفي آخر هذه الأيام عندما انشق عمود الفجر استيقظ العم (حمدان) لأداء صلاة الفجر وبعد أن أتمها، أحس بدوار كاد يحطم رأسه وألم عام ببدنه فاستلقى على سريره متوجهاً للقبلة واضعاً يديه فوق بعضهما تحت رأسه وماهي إلا لحظات حتى فارق الحياة وانتقل إلى جوار ربه. مات العم (حمدان) وبقيت اخلاقه وقيمه ومبادئه, فاستيقظ الأهالي باكراً على خبر الموت فحزن عليه معظمهم ليبرهنوا أن الظلم والحسد الذي بداخلهم ليس من فطرتهم وإنما توارثوها من بيئتهم الملوثة وقد حدث مالم يتوقعه احد من الحضور الكبير الذي أتى للعزاء من داخل القرية وخارجها, فلم يسبق من قبل أن حضر مثل هذا العدد الهائل في اي عزاء داخل القرية, لذلك فقد حسده على هذا الحضور الكبير عدد قليل من الموجودين: هم يحسدوني على موتي فوا أسفي حتى على الموت لا أخلو من الحسدي وعند نهاية العزاء علقوا لوحة كبيرة على مدخل القرية ووضعوا عليها صورة العم (حمدان) مكتوب تحتها (مطلوب حياً أوميتاً). عبدالله محمد القرني نعرف الصديق عبدالله القرني من خلال مجموعة من القصص الجميلة التي كتبها,, ولكنه في هذه القصة يتراجع عن الخط الذي رسمه لنفسه,,واعتدنا عليه,, ففي هذه القصة إن صحت التسمية لاتوجد حبكة,, ولا إثارة,, ولاحتى معالجة فعالة للأحداث,, بالاضافة الى ان هناك عبارة استوقفتني كثيراً وهي :(فقد كان هذا الرجل ولنتفق على ان اسمه حمدان)!!,, فهذه العبارة قد شطحت كثيراً عن سياق النص,, وتثير علامات التعجب حقاً! المعنى الذي تطرحه القصة لم يكن متوازناً مع الاسلوب الذي كتبت به القصة,,وهو مايدعونا إلى أن نوجه عتابا رقيقا للصديق عبدالله ليتجاوز هذه القصة,, ويعود ليكتب إلينا قصصه الجميلة التي عوّدنا عليها منذ زمن.