محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جازفنا في تغيير هيكلة سابك ونجحنا رغم حذر المستشار
محمد الماضي في محاضرة أمام لجنة شباب الأعمال:
نشر في الجزيرة يوم 25 - 05 - 2005

طريق النجاح في الحياة لا يكون مفروشاً بالورود والزهور، وخصوصاً إذا كان الإنسان يتوق إلى تحقيق حياة مليئة بالنجاحات العلمية والعملية. فعلى الإنسان أن يتصدَّى لجميع المعوقات والعقبات التي تقف أمام تحقيق غاياته ورغباته وتطلعاته، حتى لو اضطر إلى أن يجازف في اتخاذ بعض القرارات التي يرى أنها تختصر المسافات في الوصول إلى قمة الخطط والاستراتيجيات التي رسمها لنفسه أو لمنشآته، ويتخطى من أجل ذلك بعض خطوات الطريق إلى ما كان يصبو إليه.
هذا ما أكَّده المهندس محمد بن حمد الماضي الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) حينما كان يروي سيرته العلمية والعملية وتجربته الشخصية في عالم الصناعة خلال لقائه مساء أمس الأول مع لجنة شباب الأعمال المنبثقة عن مركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، وحضره عدد من رجال الأعمال والأدب والفكر، وكانت السيرة العملية نموذجاً من نماذج أبناء الوطن المخلصين الذين يسعون إلى تحقيق التقدم والازدهار لبلدهم ومواطنيه.
****
السيرة الذاتية
بدأ المهندس محمد الماضي في الحديث عن تلك المسيرة قائلاً: نشأتُ في مدينة نجران؛ إذ كان والدي أميراً لتلك المنطقة، وكان مولدي سنة 1948م، وكانت والدتي امرأة بدوية من الربع الخالي، وترعرعتُ في منطقة الربع الخالي، وعدتُ إليها مراراً في سن المراهقة، وعشتُ فيها أياماً جميلة، وهي صحراء قاسية وتتميز بالشتاء البارد والصيف الحارق، والصيف ليس فيه إلا صرير الجنادب وحفيف الثعابين والرمضاء، وكانت حياة قاسية تعلمتُ منها الصبر والتواضع والشجاعة والوفاء وأشياء كثيرة كان لها تأثيرات على مسيرتي الإدارية لاحقاً، ولا يفوتني أن أذكر أنه عندما عرَّف بي معالي الوزير هاشم عبده يماني عند استلام منصب رئاسة سابك إلى سيدي صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز فُوجئتُ أنه يعرِّف الجزء الذي ولدتُ فيه في الربع الخالي، وكانت مفاجأة كبيرة أن شخصاً بهذا المستوى يعرف أحد مواطنيه ويعرف مكان مولده، وقد أثَّر ذلك في مسيرتي وتعاملي مع زملائي الآخرين.
السيرة العلمية
واستطرد الماضي في سرد سيرته العلمية قائلاً: درستُ في الصف الأول الابتدائي بالمدرسة السعودية في نجران، وكانت الدراسة صعبة جداً بالنسبة لي؛ لأنني كنت أتوق إلى حياة الصحراء، ووالدي - رحمه الله - يحاول إبقائي في المدرسة بشتى الطرق، فدرستُ حوالي 6 أشهر، ثم انتقلتُ مع والدي إلى روضة سدير قبل أن أكمل الصف الأول، وكنتُ أذهب من مزرعتنا إلى مدرسة حوطة سدير التي لا يُوجد بها سوى معلِّم واحد، وكنتُ أذهب على إحدى الدواب إلى المدرسة التي تبعد حوالي 3 كلم، فيوماً أرجع على الدابة ويوماً ترجع دوني، فكانت دراستي صعبة. ثم انتقل الوالد إلى مدينة الطائف قبل أن أكمل الصف الأول الابتدائي، والتحقتُ بإحدى مدارس الطائف، وكنتُ أغيب عن المدرسة معظم الوقت، وعند نهاية السنة الدراسية رجعتُ بشهادة أُحيطت فيها درجات معظم الدروس بدوائر حمراء داخلها حرف (غ)، أخذتُ الشهادة وعرضتها على والدي، وبعد ساعة عرفتُ ماذا تعني تلك الرموز.
وأضاف: ظللتُ في دراستي بالطائف وقد تغيَّر أسلوبي في التعامل مع الدراسة؛ حيث أخذتها بجدية، وظللتُ في الابتدائية، ولكن لم يكن تحصيلي بالشكل المطلوب. وفي المرحلة المتوسطة كان هناك مدرسون على مستوى عالٍ؛ فقد كانت المملكة تجلب مدرسي اللغة الإنجليزية من أسكتلندا، والفرنسية من تونس، ووجدتُ رغبة كبيرة في تعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية، فكنتُ أقرأ كل ما تقع عليه يداي من قصاصات، وأتحدث مع المدرسين، وشوَّقوني إلى الاستمرار في الدراسة العليا.
ظللتُ في الدراسة في الطائف إلى الصف الأول الثانوي، ثم انتقلتُ إلى مدينة أبها، ودرست فيها إلى منتصف الثالث الثانوي، لكنني وجدتُ أنني لو ظللتُ في مدينة أبها وأكملت التوجيهي قد لا أحصل على درجات عالية؛ لأنني لمستُ عدم المنافسة، وليس هناك مدرسون على مستوى عالٍ يحثُّون الهمة ويجعلونني أحصل على ما كنتُ أتوق إليه، وهو أن أكون أحد العشرة الأوائل. وهذه نقطة توقُّف وأعتبرها من النقاط الإدارية الأولى في حياتي؛ إذ إنني تركتُ الدراسة في أبها في منتصف الفصل لأرجع إلى مدينة الطائف وأكمل الثانوية، ثم أحصل على أحد المراكز المتقدمة في التحصيل العلمي. وفي نهاية السنة الدراسية ظهرت النتيجة في الصحف، وكنتُ أتوقع أن أصبح من العشرة الأوائل، لكن كانت النتيجة مفاجئة؛ حيث حصلتُ على الترتيب 54 على مستوى المملكة، وكان مجموعي في ذلك الوقت 84%، واليوم تعتبر هذه النسبة بمثابة مقبول، بينما كانت تعادل في ذلك الوقت تقدير ممتاز، السبب عدم وجود علامات منتصف الفصل أو الواجب، إنما كان فيه نجاح ورسوب، فكان الطالب تحت الضغط، لكن مَن يحصل على 54% يعتبر ممتازاً، وكانت رغبتي في دراسة الطب، كنتُ دائماً أريد أن أكون طبيباً، وكانت الشروط لدراسة الطب أن يكون الطالب من العشرة الأوائل، وليس هناك شفاعات في ذلك، وكان الأمر البديل هو الذهاب إلى وزارة الدفاع؛ لأن لديهم بعثة للطب في باكستان. وذهبت من الطائف إلى الرياض، وحضرتُ إلى وزارة المعارف وقابلتُ الوزير وشرحتُ له ما حصل، وخصوصاً بعد فقدان الأمل في الطب من أجل أن يوجِّهني الوزير إلى ما يراه، فقال: لدينا بعثة في الطب إلى باكستان، والآن سجِّل اسمك. وسمعتُ واحداً يقول للوزير: إن هناك 60 بعثة من أرامكو إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الهندسة. وبعد أن خرجتُ من مكتب الوزير قابلتُ أحد الإخوان في البعثات، وسألني عن تغيُّر ملامح وجهي، فأخذني عنده في المكتب وقال: إذا أردتَ دخول الهندسة فأنت مقبول. فكنتُ في حيرة من أمري بين طبِّ باكستان وهندسة أمريكا، فاخترتُ الثانية. وكان ذلك القرار الإداري الثاني، وذهبتُ إلى أمريكا، وبدأت التحدث باللغة الإنجليزية، وكانت الحياة صعبة بحكم بُعد والدي ووالدتي عني وعدم إمكانية الاتصال بهم، ليس كما هو الحال الآن في عصر الإنترنت والاتصالات الفضائية، وكنا نكتب مكاتيب تصل بعد شهرين، ولكن بعد فترة تأقلمتُ وتعرفتُ على بعض الأصحاب، وكان اختياري للأصحاب مهم جداً؛ حيث تم اختيارهم من الطبقة الوسطى؛ لأن اختيار الصديق يحدِّد تجاهك فيما بعد، وظللتُ في الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الأمريكية، ثم انتقلتُ إلى جامعة أخرى، ودرستُ البكالوريوس في الهندسة الكيميائية، وحصلتُ فيها على تقدير جيد جداً، ومهد هذا التقدير إلى أن أستمر في الماجستير، وفعلاً واصلتُ دراستي في الماجستير، ولكن في جامعة أخرى؛ لأنه من الشروط لاستمرار الدراسة هو تغيير الجامعة، ودرست الماجستير في حوالي سنة ونصف السنة، وحصلتُ على الدرجة في الهندسة الكيميائية. وكان هناك قرار ثالث أمامي، وهو هل أستمر في إكمال دراسة الدكتوراه أم أرجع إلى بلدي؟ وكان قراراً شبه محسوم؛ لأنني وجدتُ في حالة استمراري في الهندسة وحصولي على الدكتوراه لن يمكنني العمل في مجالات كثيرة، إما أن أكون مدرساً في الجامعة أو باحثاً، وأجد أن العمل في المصانع هو أقرب شيء إلى نفسي، ورجعتُ إلى المملكة، وجاءت المرحلة الثانية.
البحث عن العمل
بحثتُ عن العمل في عدة جهات، أولها شركة سابكو، وحصلتُ على قبول من تلك الشركة براتب 3700 ريال، وكانت الوظائف في ذلك الوقت وفيرة، ثم انتقلتُ من شركة سابكو إلى أرامكو، وعملت مهندساً براتب يقارب الراتب الأول. ثم رجعتُ إلى الرياض وذهبتُ إلى بترومين؛ لأن فيها بتروكيماويات، وعرضتْ عليَّ راتباً أقل من السابق، ثم انتقلتُ إلى مركز الأبحاث والتنمية الصناعية واستقبلني مدير شؤون الموظفين فيها الأخ فهد الرشيد استقبالاً باهراً، وعرَّفني إلى جميع كبار موظفي المركز، ونظرتُ إلى الموضوع فوجدتُ أن أصحابي الذين كانوا يدرسون معي في أمريكا بقوا في الرياض، وبما أني معجب بمركز الأبحاث والتنمية الصناعية ضحَّيت بالراتب الكبير الذي كنتُ أتقاضاه في السابق، وعملتُ في مركز الأبحاث والتنمية الصناعية مهندساً. ظللتُ في هذا المركز حوالي سنة ونصف السنة، وأراد الله أن تنتقل البتروكيماويات من بترومين إلى وزارة الصناعة، وكان وزيرها الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي، وعهد إلى الأستاذ عبد العزيز الزامل نائب مدير عام مركز الأبحاث تولِّي إدارة البتروكيماويات، فكوَّن الأستاذ عبد العزيز الزامل وحده مركز الأبحاث، ولم يكن يعرفني كثيراً، فاختار عدداً من الشخصيات لم أكن من بينهم، مع أنني المهندس الكيميائي الوحيد في المركز، والمهندس الكيميائي الوحيد الذي حصلتُ على هذه الدرجة، ولو فشلتُ لكانت ضربة قوية بالنسبة لي، ولم أرضَ بالواقع وذهبتُ إلى مدير المركز وشرحتُ له مسيرتي وظروفي، وفي أثناء الحديث دخل عبد العزيز الزامل، وسأل عمَّ أريد، وأبديتُ له رغبتي، ثم ضمَّني إلى الوحدة، وعملنا في المركز حوالي سبعة شهور، ثم أُنشئت شركة سابك 1976م بمرسوم ملكي، وانتقلنا إلى مبنى صغير في شارع الجامعة، وعملنا حوالي سنة ونصف السنة كلها تحضير للمبنى، كنا حوالي ستة أشخاص، وبدأنا التوظيف بشركة سابك، وأصبح الموظفون يتكاثرون، ثم ذهبتُ إلى أمريكا وعملتُ في شركة (شل) في معامل الكيماويات لمدة سنتين، ثم رجعتُ إلى الرياض وعملتُ من عام 1978م إلى عام 1981م مديراً لإدارة قطاع الكيماويات، وانتقلتُ بعدها إلى الجبيل في شركة (صدف)، وعملتُ فيها ثماني سنوات ونصف السنة نائباً للرئيس، وتعلمت فيها أشياء كثيرة؛ الالتزام وحسن التعامل مع الموظفين وثقافة الصناعة، ثم عملتُ مديراً عاماً للمشاريع ب(سابك)، وربحنا مليارات الدولارات من المشاريع، وكان ذلك بين عامي 1987 - 1998م، وقد شهدت هذه الفترة نهضة كبيرة في نمو سابك، وأصبحت الشركة كبيرة. وصدر قرار بتعييني نائباً للرئيس وعضواً منتدباً للشركة عام 1998م، وعندما استلمتُ الشركة جلستُ مع زملائي ووضعنا خطة: ماذا نريد أن نعمل في الفترة القادمة؟ ووجدنا أن أول عمل يجب أن نقوم به هو وضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لسابك، ولها عناصر كثيرة، فأولاً لا بد أن نعرف ماذا نريد أن تكون سابك، وخططنا لأن تكون إحدى الشركات الخمس الأولى عالمياً، ولتحقيق ذلك يجب أن يكون لدى الشركة هيكل إداري متطور، وتحويل الشركة إلى وحدات استراتيجية، ثم تم عمل وحدة للأبحاث والخدمات المشتركة، وهي خدمات المشاريع، وكل هذه الأحلام لن تتحقق ما لم يكن هناك قوى بشرية مدرَّبة ولديها من الخبرة والحنكة ما يؤهل سابك إلى أن تصبح في مصاف الشركات العالمية، وتم تكوين منظومة القيادات الإدارية بسابك، ومركز قيادي لتطوير القيادات، وإنشاء نظام مكافآت للموظفين لحفزهم على ما نحن مُقدِمين عليه، والتركيز على التدريب، ومحاسبة الموظفين المقصرين. والتعامل مع العنصر البشري من أصعب التعاملات، ولذلك أنشأنا إدارة مستقلة ترجع إلى الرئيس، وكانت إدارتها في السابق ترجع إلى مستوى الصف الثالث؛ لأن القوى العاملة والقيادات يجب التركيز عليها في المرحلة التي سبقت، وكذلك المرحلة المستقبلية. كما تم عمل خطة للنمو، وخلال الخطة اتضح صعوبة الوصول إلى مستوى الشركات الخمس الأولى عالمياً بالنمو الذي تسير به الشركة، وهو ما يقارب 5%، وجاء التخطيط لشراء شركات عالمية تتماثل وتنسجم مع توجه سابك وفي نفس المحيط وتمنحنا نقلة في التسويق والقوى العاملة والإنتاج والمبيعات والتخطيط الاستراتيجي.
وبعد دراسة عدة شركات عالمية جاء الاختيار على أهم شركة، وهي شركة (دي إس إل) الهولندية، ومن حسن الحظ أن الفترة التي تم شراء الشركة فيها كان قطاع البتروكيماويات في كساد ونزول، وقد كانت هذه الشركة هي الأفضل؛ لأن نجاح سابك في أوروبا يعتمد على وجود موقع إنتاج فيها، كما أن وجود موقع الإنتاج يجعلنا نربط سابك في الداخل بالخارج، بالإضافة إلى قوتها في السوق والتعامل مع الزبائن والتخطيط الاستراتيجي، وكذلك يكون داعماً لنا في حالة دخولنا في منظمة التجارة العالمية، وتم دمج الشركة مع مكاتب سابك في أوروبا، والشركة رابحة، واستفدنا منها الكثير.
الأمر الآخر أنشأنا إدارة للتخطيط الاستراتيجي للشركة، وأهم أمر هو جعل سابك منتشرة حول العالم، فكان من الضروري أن يكون لديها نظام معلومات متطور، وأفضل طريقة لربط الشركة هو أخذ أفضل نظام عالمي طُبِّق على أحدث شركات العالم وننقله كما هو ونعمل عليه، ولكن تغيير الهياكل فيه نوع من المجازفة، و60% من الشركات التي بدأت بهذه المشاريع فشلت، وكان الفشل غير بعيد من مشروع تغيير الهيكلة في الشركة، وقد قادنا حذر الاستشاري إلى ضرورة تهيئة أنفسنا والأرضية لمثل هذا المشروع، فكوَّنَّا فريقاً اسمه إدارة التغيير، أنا أنصح أي شخص قبل أن يدخل في أي مشروع كبير يجب أن يعمل بما يسمى إدارة التغيير، وإدارة التغيير هي تعريف بالمشروع، والحصول على التزام من الموظفين جميعاً وتدريبهم تدريباً تاماً، ونشر المعرفة بالمشروع على جميع طبقات العاملين، وهذا كان من أهم أسباب نجاح النظام المعلوماتي.
واستطعنا تعميم هذا المشروع في جميع شركات سابك في الداخل والخارج، وارتبطت بحلقة معلوماتية تم الاستفاد منها كثيراً، وستستمر الاستفادة منها مستقبلاً، واستطعنا أن نكون قريبين من عملائنا، ومعرفة حركة البضائع ووصولها إلى الزبون، ويعرف العميل نوعية المنتج في الباخرة والمخزون والإنتاج.
وشركة ك(سابك) فيها 16 ألف موظف، وتبيع لأكثر من 100 بلد من العالم لآلاف العملاء، لا يمكن أن تُدار بنظام بسيط ما لم يكن هناك نظام على هذا المستوى، وهذه كانت مغامرة كبيرة بالنسبة لنا، أن نغيِّر النظام السابق بنظام جديد، وننتقل من مبنى متواضع إلى مبنى كبير، ونغير الهيكل الإداري ونغير موقع كل موظف بالشركة في وقت واحد، وهذا يعدُّ أكبر مجازفة قُمنا بها، ولكن مجلس الإدارة بقيادة صاحب المعالي الوزير هاشم يماني كان داعماً لنا على الدوام.
والحمد لله نجحنا في تجربتنا في تكوين شركة متطورة بهيكل إداري متطور ونظام معلوماتي قوي بقوى عاملة مجهَّزة.
المستقبل
المستقبل هو الاستمرار بنفس الإنتاجية، الاستمرار في النمو عن طريق النمو الداخلي والخارجي. لدينا توجهات للاستثمار في الدول التي تمتلك الأسواق الكبيرة، كما أن لدينا توجهات للاستثمار في الدول التي تمتلك المواد الخام، وأهم عنصرين مستقبلاً هما السوق والمواد الخام. الأسواق الكبيرة مثل الهند والصين، أما الدول التي تمتلك مواد خاماً مثل المملكة ومصر والجزائر وإيران. وستكون هناك منافسة داخلية لقيام عدد من الصناعات البتروكيماوية بالمملكة، وسابك تفخر أن حوالي 99% من رؤساء الشركات الصناعية البتروكيماوية هم من خرِّيجي سابك.
ومن أهم الأمور التي تركز عليه سابك هو البحث والتطوير، وتم إنشاء مراكز أبحاث في الرياض والجبيل وهيوستن وتكساس والهند وهولندا، واستطعنا بجهود ذاتية ابتكار تقنيات متعددة، أول تقنية أخذت 7 سنوات في البحث والتطوير، وهي صناعة حمض الخل، أيضاً هناك تقنية ثانية في مدينة الجبيل الصناعية، وهي مصنع جديد بطاقة 150 ألف طن سنوياً مشاركةً مع شركة ألمانية. وهناك تقنيات في الطريق سوف ترى النور، ومرتكزات نجاح سابك رجالها في المقام الأول ونموها وأبحاثها والسند الدائم من حكومة المملكة. أما التحديات التي تواجهها سابك فأهمها دخولنا في منظمة التجارة العالمية، والمحافظة على نجاحاتنا ومكتسابتنا.
ثم قدَّم المهندس محمد الماضي بعض النصائح والحكم الإدارية التي استقاها من تجربته ومصادره الخاصة، ومنها:
- أساسيات النجاح التحصيل العلمي الجيد والهدف المنشود والتوفيق.
- اسأل نفس سؤالاً بسيطاً عندما تجد نفسك في حاجة إلى الحظ: ماذا عليَّ فعله حتى يزداد الحظ؟
- الأشخاص الذين يعتقدون أنهم رديئو الحظ في الحقيقة هم ليسوا كذلك، بل تنقصهم روح المبادرة، فالأقوياء يعملون والضعفاء يحلمون.
- تسويق الشخص أدعى لقبوله من الآخرين.
- عندما تكون دؤباً على طلب ما تريد بأدب فإنك تفرض احترامك على الآخرين وتلفت انتباههم دون مضايقتهم.
- فكِّر بذكاء وتصرَّف بغباء؛ أي لا تضع نفسك فوق الآخرين.
- المبدعون والناجحون يحبون الأشخاص ذوي المعرفة، ويجدون الحلول الناجعة والخلافة للمشكلات والعقبات والتحديات.
- يجب التحضير المسبق لأي عمل.
- محاربة التمثيل السلبي والاختلاط بالسلبيين وأصحاب الهمم الضعيفة.
- من المستحيل أن تصبح محبوباً على أكتاف الآخرين عن طريق غمط محاسنهم. وغيرها من الحكم الإدارية المفيدة.
ثم أجاب المهندس محمد حمد الماضي عن أسئلة الحضور، وتركزت إجاباته حول نصائح الشباب في المجالات الاستثمارية والحياة الإدارية، مشيراً إلى أن أهم المعايير الأساسية لقيام أي مشروع تعتمد على تكوين الرؤية الحقيقية للمشروع، ووجود رأس المال المناسب، والسوق المستوعب للإنتاج، ودراسة الجدوى الاقتصادية، والتقنية المناسبة، والعمالة المدربة.
وعن رأيه حول الجمع بين الاستثمارات في جهات متعددة قال الماضي: ليس هناك ما يمنع من تعدُّد العمل، ولكن يجب أن يكون بينهما رابط؛ فالتركيز ضرورة ملحة ومهمة.
وحول دور سابك في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة أفاد أن سابك دعمت صندوق المئوية بحوالي 80 مليون ريال، كما أن الشركة على استعداد لتقديم الاستشارات والفرص الاستثمارية لتلك المنشآت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.