أذكر أنني كنت في زيارة لأحد الأصدقاء، وكما جرت العادة طلب من أولاده أن يأتوا ويسلموا ولكن أحد أولاده تخلف فقام وأحضره وعندما رأيت هذا الطفل الصغير وعمره سبع سنوات لاحظت أنه ليس كباقي أخوته فهو خجول ولا يتحدث مع أحد ولاحظت أن هناك بعض البياض يكتنف وجهه البريء وعندما ذهب الطفل سألت والده فقال: إنه البهاق فقد أصيب به هذا الطفل عندما كان عمره سنتين ولم نذهب به لأي طبيب لأننا نعرف أن البهاق ليس له علاج ولكن منذ سنة تقريباً قمت أنا ووالدته بمعاملته معاملة خاصة حتى نخفف عنه كونه غير أقرانه من الأطفال فخصصنا له غرفة خاصة وجمعنا فيها الألعاب المختلفة وأظهرنا له الحنان والعطف أكثر من إخوته. ولكن كما ترى فقد أصبح انطوائياً ويفضل البقاء في غرفته ولا يتحدث مع أحد ولا يريد الذهاب إلى المدرسة. في الواقع لقد ترددت كثيراً قبل أن أقوم بكتابة هذا الموضوع لكنني عزمت الأمر في النهاية على إثارة هذا الموضوع وهو الطفل والبهاق ولعلي هنا أوضح أن هذا الأب الحنون قد قام بالتصرف الخاطئ لأن الأطفال غالباً لا يلاحظون إصابتهم بالبهاق ولكنهم قد يشعرون بها بصورة مفاجئة إذا أشار إليها أحدهم أو استهزأ به وقد تشكل الإصابة بالبهاق أحد المقاييس للقبول أو الرفض من قبل الزملاء في المدرسة أو الحي. وعليه فيجب ألا نتمادى في التركيز على هذا الطفل بالتحديد في المنزل فيشعر بأنه معزول ومختلف عن باقي إخوته ويجب أيضاً أن يمتنع الأهل عن إظهار عاطفة زائدة لأن من شأن ذلك إعطاء الطفل رسالة بأن البهاق شيء سلبي وذو أهمية أكبر من حجمه. ويجب التذكير دائماً بأن علاج البهاق متوفر وفاعليته متعلقة بالمتابعة الدقيقة تحت إشراف الطبيب، وباختصار فإن أهل الطفل المصاب بالبهاق هم جزء أساسي من منظومة العلاج ولا شك أن حبهم ودعمهم وتفهمهم لهذا المريض سيساعد طفلهم على التعامل بإيجابية كبيرة بإذن الله. ولعل رسالتي هنا ألا تتركوا أطفالكم بدون علاج فيقعوا ضحية للعقد والأمراض النفسية التي قد تفتك بهم. وبحكم عملي في المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية أذكر هنا أن أحد السيدات في عمر الأربعين وعندما تشافت من البهاق قالت إن عملية زراعة الخلايا الصبغية غيرت مجرى حياتي. فهل ننتظر أن يصل أطفالنا إلى أرذل العمر حتى يعالجوا أنفسهم بعد أن يفوت عليهم عمر الزهور. ياسر شاهين/ المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية