بمناسبة مرور مائة عام على وفاة رب السيف والقلم، أقام المجلس الأعلى للثقافة في مصر مؤتمرا بعنوان (البارودي بعد مائة عام) حضره حشد من المثقفين والمفكرين في مصر والعالم العربي. وفي كلمته للمؤتمر أكد فاروق حسني وزير الثقافة المصري أنه منذ مائة عام قرأ مبدع واقعة الإبداع ونظر في موروثنا الثقافي الأمر الذي جعله يخلص الى وجوب التغيير والإصلاح والى ضرورة النهوض بما اختار من طرق الابداع فضلا عن دوره في بعثه للحياة الشعرية بعدما أصابها من رقدة الصناعة اللفظية التي استمرت قرونا. وقال حسني: إن البارودي أعاد فن العرب الأول الى أزهى عصوره من القوة والمقدرة التعبيرية التي لا ينفصل فيها الفكر عن الفن متناولا قضايا عصره مترجما واقعه وحياته بتجديد في موضوعاته وصوره يعاونه في ذلك قراءة واعية للشعراء الرواد في كافة العصور ودراسة متميزة لقصائدهم ليعارضها في غير تقليد مما جعل له الريادة على معاصريه. وتناول الشاعر محمد ابراهيم ابو سنة دور محمود سامي البارودي في الطبيعة المصرية والتى لم تظهر كغرض ملح من اغراضه الشعرية ولكنها كانت عنصرا داخل ذاته تتبدى امام عينيه في كامل بهائها ولم يكن يملك ترف احتضان الطبيعة لينعم خاليا وسط ازهارها وثمارها؛ فقد كان الوطن في وجدانه وكيانه بأسره أكبر من مشاهده الخلابة. ويقول ابو سنة: إن تجربة البارودي في الحياة طافحة بالأحداث الجسام فقد تقلب بين الميادين الفكرية والسياسية والوطنية وكلها تفرض عليه هموما وواجبات لا تكاد تترك له تأمُّل مفردات الطبيعة، ومفاجآتها حيث انصهرت الرؤية الشعرية للطبيعة في مدار اوسع من مجرد مشهد جميل وحدائق نضيرة ونبات باسق فكان الوطن بكل قضاياه هو شواغل الشاعر بكل احاسيسه وحتى حين يلتفت الى الربيع في قمة تألقه فهو لم يلبث ان يعرج على الفخر بنفسه وهو يرى حوادث الحياة محدقة به. لغة الشعر الفلسطيني إبراهيم السعافين أكد ان لغة الشعر عند البارودي بين التقليد والتجديد تسببت في اجماع الدارسين على انه الرائد الحقيقي لحركة احياء الشعر العربي في العصر الحديث؛ فله الفضل في نشأة حركة شعرية تخلصت من الاشكال الشعرية الرثة التي حالت دون انطلاقه الى افاق رحبه في قضاياه ومضامينه واشكاله. ويقول: ان البارودي تجاوز التقليد والانتقال الى التعبير عن تجربته الخاصة والانفعال بالمواقف الحياتيه والشعورية مستخدما الاساليب التراثية ومجترحا المعاني الشعرية القديمة، فهو حين يعبر عن تجربته الشخصية يستعير في الاغلب لغة أسلافه وصورهم وتراكبيهم ولم يحل ذلك دون التعبير عن شخصيته. ومن جانبه رصد المؤرخ رؤوف عباس دور البارودي في الحركة الوطنية والدور الذي لعبه في الثورة العرابية وبين عباس كيف أن البارودي تمرد على طبقته الاجتماعية التي قامت الثورة من اجل تصفية نفوذها ويشير الى جذور عمله السياسي المناهض للتدخل الاجنبي في البلاد والهيمنة على اقتصادها ومقدراتها في اطار (جماعة حلوان) التي تسمت بالحزب الوطني. وتكشف الدراسة عن الدور الفعال الذي لعبه البارودي في مساعدة عرابي على فتح قنوات اتصال مع السلطان والصدر الاعظم ومع الشخصيات الاجنبية ذات التأثير في الرأى العام الاوروبي وتوضح كيف كانت له اليد الطولى في صياغة واقرار القوانين الاصلاحية العسكرية ولائحة مجلس شورى النواب. ويبرز د. عباس اهم ملامح (الوزارة الوطنية) التي رأسها البارودي وموقفه الصارم في مواجهة المؤامرات التي حاكها الخديوي توفيق واعوانه بالتواطؤ مع القنصلين الفرنسي والبريطاني ثم الدور الذي لعبه البارودي في الحرب محاولا اقامة خط دفاع شرقي عن البلاد.