يسعد المواطن بهذا الدور الكبير الذي يقوم به مجلس الشورى في مراجعة وتحديث بعض الأنظمة القائمة واقتراح أنظمة جديدة، وقد بدأت آثار ذلك تظهر في دعم عملية التنمية، والاتجاه الحاصل في ضبط الإجراءات القائمة بما يساعد على تحسين مستوى الأداء في الأجهزة الحكومية ويحقق أهم أهداف وتطلعات المسؤول والمواطن. إن تحديث الأنظمة وإيجادها ليس بالأمر السهل أو الهين، وعلينا أن ندرك أن الدول المتقدمة لم تصل إلى هذا المستوى من المعرفة والتطوير إلا بعد أن بذلت جهوداً مضنية وكافحت في سبيل الارتقاء بمستوى أداء أجهزتها العاملة، ومن هذا المنطلق كان لا بد من إدراك أن ضبط الأنظمة المستحدثة أهم وأكبر من مجرد إصدارها، صحيح أن وجود النظام بحد ذاته يعتبر هدفاً لكن وجوده مع قصوره يجعله عاجزاً عن تحقيق الهدف، ومن هنا كان لا بد من التأكيد على ضرورة التوسع في عملية دراسة الأنظمة لكي تستوعب كل متطلباتها، بما لا يجعلها عرضة للنقد أو التعديل المستمر. نشرت الصحف يوم الاثنين 4 - 2 - 1426ه خبراً بأن مجلس الشورى أقر (النظام) الجديد لتأديب الموظفين، ونشرت بعض الصحف مع الخبر نصوص هذا النظام. ولأن هذا النظام يهم شريحة كبيرة من المجتمع وله علاقة مباشرة بأوضاع الموظفين فسيتم في هذا المقال تناول بعض مواد هذا النظام للتعرف على ما جاء فيه. الجانب الأول: أهم إيجابيات هذا النظام: 1 - أنه قطع فترة الانتظار الطويلة لتعديل نظام تأديب الموظفين لأن النظام المعمول به حالياً صادر عام 1391ه أي قبل أكثر من خمس وثلاثين سنة. 2 - النظام الجديد وإن صدر بصورة مختصرة إلا أنه اتجه اتجاهاً مباشراً نحو قواعد التأديب، ولم يدخل في تفاصيل الاختصاصات كما هو الحال في النظام القديم. 3 - النظام الجديد أخذ بالمفهوم الواسع (للمخالفات) ولم يتطرق إلى تعريف الجزاء التأديبي، وهذا الاتجاه يعتبر من الاتجاهات الحديثة، حيث يسود الأنظمة الوظيفية المختلفة اتجاه مؤداه هو: عدم تعريف الجزاء التأديبي، وإنما يترك ذلك للقضاء مراعاة للاجتهاد ومقتضيات المرونة. 4 - هذا النظام أخذ بمبدأ عدم تحديد النص على المخالفة كما هو الحال في الجرائم الجنائية، لأن المخالفات التأديبية محددة أصلاً في نطاق الوظيفة العامة، وهذا مما يميز المخالفة التأديبية عن الجريمة الجنائية على اعتبار أن الأفعال المكونة للمخالفة التأديبية لا تحدد سلفاً بالنص كما هو الحال في الجريمة الجنائية التي تحدد الأفعال فيها على سبيل الحصر حيث لا جريمة إلا بنص. 5 - النظام الجديد أعطى الجهات الحكومية صلاحية التحقيق مع موظفيها في المخالفات المنسوبة إليهم، فيما عدا الحالات التي نص النظام على اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق فيها مادة (4) . 6 - أعطى هذا النظام للجهات الحكومية صلاحية توقيع العقوبة المناسبة مادة (5). 7 - أضاف هذا النظام نوعاً جديداً من العقوبات، وهو (تنزيل درجة من الراتب) مادة (6/د) . 8 - هذا النظام جعل العقوبات موحدة لجميع الموظفين بمختلف المراتب بينما في النظام السابق كان هناك عقوبات خاصة لمن يشغلون المرتبة الحادية عشرة فما فوق، وعقوبات لمن يشغلون المرتبة العاشرة فما دون المادة (6) . 9 - هذا النظام كفل حق الموظف صاحب الشأن بإبلاغه بالعقوبة المقررة عليه بحيث يعطي صورة من القرار الصادر ضده، مادة (11) . 10 - هذا النظام أعطى هيئة الرقابة والتحقيق سلطة رقابية على الإجراء الخاص بالعقوبة المتخذة من قبل الجهة، حيث ألزمها النظام بإبداء وجهة نظرها للجهة الإدارية بشأن العقوبة الواردة بالقرار، ولها أن تباشر الدعوى أمام الجهة المختصة بالمحاكمة إذا رأت أن المخالفة تستوجب الفصل، مادة (11) . 11 - هذا النظام حدد مدة كف اليد بمدة لا تتجاوز (سنة) وأجاز تمديدها بقرار من الجهة المختصة بالمحاكمة، وهذا فيه حماية لحق المتهم بارتكاب المخالفة كما أن فيه رقابة قضائية على الإجراء، مادة (12) . 12 - هذا النظام عالج حالات الموظفين الذين يتم توقيفهم احتياطياً بحيث يتم تمكينهم من العمل بعد الإفراج عنهم ما لم تتطلب مصلحة التحقيق أو المحاكمة كف اليد، مادة (13) . 13 - هذا النظام ضيق حالات طلب الفصل من الخدمة، بحيث لا يتم الفصل إلا بعد المحاكمة أمام ديوان المظالم في حالات محددة، وهذا الإجراء يتفق مع قاعدة الهدف من العقوبة بأنها إصلاح وتهذيب وليست مجرد ألم وتعسف، مادة (15) . 14 - هذا النظام توسع في موضوع سقوط الدعوى التأديبية، فبعد أن كانت في النظام القديم محددة بجانبين هما مضي عشر سنوات من تاريخ وقوعها أو الوفاة، جاء النظام الجديد لجعلها تسقط بحالات: الوفاة، والعجز الصحي التام، ومضي خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة. 15 - كذلك من إيجابيات هذا النظام أنه ساعد في محو العقوبة وجعلها تتم بقوة النظام بمضي ثلاث سنوات، وكان النظام السابق ينص على أن محو العقوبة لا يكون إلا بطلب من الموظف، ولا يتم محو العقوبة إلا بقرار من الوزير المختص. الجانب الثاني: أهم الملاحظات على النظام: 1 - أنه لم يراعِ الجانب الخاص بظروف الموظف عند ارتكابه المخالفة فقد يكون ارتكبها تنفيذاً لأمر مكتوب صادر إليه من رئيسه المباشر أو الرئيس الأعلى، وهو يدرك أنه إذا رفض التنفيذ سيكون عرضة للانتقام. النظام الجديد أهمل هذا الجانب، بينما النظام القديم عالجها بصورة مفصلة، وهذه لا بد من معالجتها لأن الواقع التطبيقي يتطلب ذلك، ومن يطلع على القضايا القائمة يدرك أنه لا بد من حماية الموظف في هذا الجانب. 2 - لم يحدد النظام الجوانب الاحتياطية للتأديب بما يضمن أن تكون العقوبات التأديبية قابلة للتطبيق على الجميع وفق معيار منضبط دون تعسف من الجهة، وبما يضمن إعطاء المتهم بارتكاب المخالفة حقه في الدفاع. 3 - هذا النظام قصد بتطبيقه فئة معينة من الموظفين وهم الموظفون العموميون الخاضعون لنظام الخدمة المدنية ومن في حكمهم، حيث أخرجت المادة الأولى من هذا النظام الموظفين الخاضعين لأنظمة ينظم فيها التأديب بقواعد خاصة، وهذا فيه تفرقة في الجزاء، والأصل الشرعي والقانوني أن الناس سواء أمام العدالة، لأن النظام الجزائي في المملكة يستمد قواعده أصلاً من أحكام الشريعة الإسلامية كما ينص على ذلك النظام الأساسي للحكم ونظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية، والعقاب يطبق على الجميع دون تمييز في الجرائم الجنائية، فكيف بما دونها؟ إن هذا التمييز وهذه التفرقة في مسائل التأديب هو الذي جعل النظام القديم محل نقد؛ لأن العقاب يجب أن يكون أقوى كلما تميزت الوظيفة وليس العكس. 4 - هذا النظام لم يراع الجوانب الإجرائية الواردة في نظام الإجراءات الجزائية، فنجده هنا يسمح بكف اليد لمدة سنة بينما نظام الإجراءات الجزائية لا يسمح بالتوقيف الاحتياطي لأكثر من ستة أشهر مهما كانت الأحوال، والمعروف أن الجريمة الجنائية أكثر خطورة من المخالفة التأديبية، وأن كف اليد مثل التوقيف الاحتياطي يتم اتخاذه من قبل السلطة المختصة وفقاً لظروف القضية. 5 - هذا النظام لم يعالج المشكلة التي يعاني منها نظام التأديب حول مصطلح الإجراءات، وأثر هذه الإجراءات على الوضع الوظيفي (الترقية، النقل، الاستقالة...الخ) ، وإنما تركها تعالج في أنظمة متعددة، والمفترض أن يتلافى النظام هذه الجوانب بحيث ينص عليها مباشرة، ولا يتركها متفرقة في عدة أنظمة كما هو حاصل، لا سيما وأنها مرتبطة مع التأديب بصورة مباشرة، بل إن بعضها عقوبات تبعية أو تكميلية! وقد يحصل للموظف المجال للتحقيق أو المكفوف اليد ضرر يلحقه بالترقية أو إنهاء الخدمة بسبب طول الإجراءات في الجهة التي يتبعها أو بسبب القصور في تطبيق النظام. 6 - فيما يخص العقوبات الخاصة بالفصل، نصت المادة (15) من هذا النظام على أن تقوم هيئة الرقابة والتحقيق بإقامة الدعوى التأديبية بطلب فصل الموظف تأديبياً في الحالات التالية: أ - إذا حكم عليه بحد شرعي، أو حكم عليه بالقصاص. ب - إذا حكم عليه بالسجن مدة تزيد على سنة. أما إذا حكم عليه بالسجن أو الجلد أو التغريم في غير الحالتين السابقتين فإن طلب الفصل هنا يكون مسألة تقديرية للهيئة. ماذا يعني هذا النص؟ هذا يعني أن من يحكم عليه بالقصاص بكسر سنه أو بجرح من الجراح فإن الهيئة ملزمة بإقامة الدعوى التأديبية عليه بطلب فصله بقوة النظام، ومن يتهم بقضية مخدرات كبيرة ويحكم عليه بالسجن أحد عشر شهراً لا يفصل... إلا إذا رأت هيئة الرقابة والتحقيق توقيع عقوبة الفصل؟!! أي منطق هذا؟ وأن من يدان بشرب المسكر بإقامة الحد عليه ثمانين جلدة تلزم الهيئة بإقامة الدعوى بطلب فصله بقوة النظام، ومن يتهم بتصنيع الخمر أو ترويجه ويحكم عليه بالسجن عشرة أشهر مع الجلد أربعمائة جلدة لا يفصل.. إلا إذا رأت هيئة الرقابة ذلك؟؟؟ وأن من يتهم بتهريب السلاح أو إساءة استعماله ويحكم عليه بالسجن أحد عشر شهراً مع الغرامة لا يفصل إلا إذا رأت الهيئة ذلك؟؟ ألم يدرك واضع النظام أن مفهوم القصاص في الشريعة الإسلامية واسع جداً وأنه يشمل كل جنايات الجروح والإصابات، وأن العقوبات التعزيرية الصادرة عن المحاكم الشرعية تكون أحياناً أكثر مما هي مقررة في الحدود بحسب طبيعة الجريمة وملابساتها؟؟ وأن هناك جرائم كبيرة وتضر بالمجتمع والعقوبات المقررة لها هي الغرامة والسجن؟؟ 7 - لم يعالج هذا النظام آثار كف اليد من الناحية النظامية وإنما أورده على سبيل الوقف الاحتياطي فقط. 8 - لم ينص النظام على تسبيب قرار العقوبة وهذا الأمر لا بد من بحثه، لأن المشكلة القائمة الآن هي أن معظم القرارات تصدر دون تسبيب، مما يجعلها محل نقد، والقواعد الشرعية والنظامية تؤكد على أن تسبيب القرارات من أهم ضمانات العقوبة، بل هو شرط لصحة الجزاء لمن يتخذ ضده هذا القرار، كما أن التسبيب يساعد في إعمال الرقابة على القرارات، ويساعد في عملية الطعن فيها، كما أنها تجعل مصدرها يتحرى الدقة في محتواها بما يجعلها مطابقة للنظام وليس فيها تعسف أو إساءة في استعمال السلطة. 9 - لم يحدد هذا النظام طبيعة الأشخاص الذين يقومون بالتحقيق مع الموظفين كما هو محدد بالمادة (4) وهذا التعريف لا بد منه لأن الحاصل الآن هو أن معظم الذين يقومون بالتحقيق ليسوا مختصين به من الناحية القانونية، وبعضهم يقوم به بمجرد كونه يعمل بإدارة المتابعة أو التفتيش. لا بد من تحديد صفة لمن يتولى التحقيق أسوة بالتحقيق الجنائي. 10 - هذا النظام رغم أنه أوجد الفارق في التأديب بين من يخضع لنظام الخدمة المدنية ومن يخضع لنظام مستقل، لم يأخذ في الاعتبار طبيعة عمل الوظيفة التي يشغلها الموظف وقت ارتكاب المخالفة، وهذا الإغفال يعتبر من الجوانب السلبية التي كانت تؤخذ على النظام السابق؛ لأن هناك فئات وظيفية لا تسمح بمجرد اتهام شاغلها بأي مخالفة فكيف بمن يرتكبها؟ وهناك تعليمات سامية صدرت بهذا الشأن عام 1403ه توجب مراعاة طبيعة الوظيفة التي يشغلها الموظف، وقد نص مشروع هذا النظام في المادة (7) على مراعاة أن تكون العقوبة متناسبة مع درجة المخالفة مع الأخذ في الاعتبار السوابق والظروف المخففة والمشددة، ولم يتطرق إلى طبيعة العمل، إلا إذا كان شملها بهذا النص واعتبرها ظرفاً مشدداً أو مخففاً. 11 - لم يتطرق مشروع النظام إلى موضوع المخالفات التي توجب إلغاء الخدمة أو اعتبارها كأن لم تكن أو إلغاء التعيين تلك التي تترتب في الغالب على حالات إخفاء الخدمة أو الإخلال بشرط من شروط التعيين أو الترقية ولا يتم اكتشافها إلا بعد مدة قد تكون طويلة. فهل يعتبر هذا النظام أن كل الإجراءات المعمول بها ملغاة وفق أحكامه؟ أم أن تلك الحالات خارجة عن نطاق التأديب؟؟ لا بد من مراعاة هذا الجانب لأنه يشكل حيزاً كبيراً في المخالفات. وأخيراً فإن التطرق لبعض الجوانب التي جاء بها النظام لا يعني التقليل منه أبداً، بل العكس فهو نظام حيوي ويكفي أن من يدقق فيه لا يجد سوى بعض النقاط التي تحتاج إلى إيضاح في المفهوم، ويكفي فخراً أن تعد الملاحظات في أي نظام. إن ما دفع إلى هذه القراءة هو الإدراك بأن السادة أعضاء المجلس حريصون كل الحرص على الارتقاء بمستوى الأنظمة الوظيفية، وهذا ما نلمسه على أرض الواقع، وأنهم يبحثون عن كل ما يؤدي إلى ضبطها والعناية بها، باعتبارهم خير من يمثل هذا المجتمع ولهم تجارب طويلة ومتنوعة تجعلهم قادرين إلى الوصول إلى أفضل الأهداف.ولعل فيما ذكر مجالاً للمناقشة وإدراك ما يمكن قبل اعتماده بصورته النهائية، وقبل صدور اللائحة التنفيذية لهذا النظام.وبالله التوفيق سليمان الجريش