ليس عمل الكاتب مجرد حمل عبء تفريغ تلك الفكرة التي تتخبط بين جدران عقله، تريد الخروج، أو بالأصح تبغي الفكاك من هذا القفص الحديدي (البغيض). إن مهمة الكاتب أسمى من ذلك بكثير، عندما يقدم أفكاره وكتاباته المحملة بمنهجية السلوك الإنساني، عندما يسن سننه في هذه الحياة بمبادئ ثابتة، وأسس متينة لخير الإنسانية في الدنيا والآخرة، عندما يرسم بكلماته معاني الفضيلة، داعياً لها، ومحبباً إياها لبني البشر من حوله، عندما يخدم بآرائه مجتمعه.. ويبقى الابن البار له.. لا يخرج عن طوعه.. ولا يرفض له طلباً.. عند ذلك كله.. وربما عند غيره.. نقول: إن الكاتب أدى ما عليه من واجب على خير وجه.. وأراح ضميره تجاه هؤلاء البشر.. تجاه همومهم اليومية، ومشكلاتهم الحياتية، وما يشعرون في دواخلهم من إحساس مكبوت لم يحسنوا إخراجه!! فما كان من هذا الكاتب إلا أن كان بمثابة لسان حالهم الصدوق.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو إذا كان الكاتب هو من حمل على عاتقه مسؤولية التعبير عن الآخرين، فمن سيعبّر عن همومه الخاصة؟! لقد حرمنا هذا الكاتب (الفيلسوف) من فلسفته الخاصة بالحياة.. ومن التعبير عن خلجات نفسه بقلمه.. متجاهلين إنسانيته!! عندما حملنا كاهله بمتاعبنا وهمومنا.. فكنّا أن مارسنا معه (الأنانية) التي نمقتها.. لكننا في حقيقة الأمر قد وقعنا في شراكها؟! وربما كنا نمارس لعبة أكبر من الأنانية.. إنها المفارقة العجيبة!! التي حجبتنا عن رؤية هموم هذا الإنسان الذي جمعه القدر مع القلم.. وكتب عليه مرافقة الحرف.. ورضي بالقلم خليلاً!! لكننا لا نعلم ما هو موقف الكاتب من هذا كله؟ هل هو الصمت وربما الصمت القاتل؟ أم الرضا بما كتب الله له؟ أم... فلنترك الكاتب وشأنه إذن.. ولنمنحه حرية التعبير.. ليكتب ما يريد.. ويقدم فلسفته الخاصة، وعلى طريقته.. بل دعوه يرسم ويحلق بحروفه مصوراً تجربته الإنسانية بألوانها الزاهية، فنستمد منها عبق الأريج، ورحيق الزهور، فمن كنوز إبداعاته نستخرج ما يمدنا في هذه الحياة بالرأي السديد، ومعاني الحكمة، والنظرة الثاقبة.. فتنير بإذن ربها دروب الحياة.. وهو بذلك يخدم أفراد مجتمعه بطريقته الخاصة.. وبكامل حقه في الحرية المطلقة.. فترك بكلماته ذات الأثر في نفوس غيره ولكن بحريته.... أليست هذه فلسفة كاتب؟!!